IMLebanon

سفيرة فرنسا لباسيل: العقوبات عُلّقت!

 كتب محمد شقير في الشرق الأوسط:

استبقت سفيرة فرنسا لدى لبنان، آن غريو، نيل حكومة «العزم والأمل» ثقة المجلس النيابي، وسارعت إلى توزيع التهاني بتشكيلها على القيادات السياسية التي التقتها، وكان لافتاً زيارتها لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في مقره، ليس لنفس الغرض فحسب، وإنما لإبلاغه بقرار الاتحاد الأوروبي بتعليق العقوبات التي كانت ستطال من يعطّل تأليفها، في ضوء ما تردّد سابقاً بأنها ستشمل الفريق السياسي المحسوب عليه، بتهمة تأخير ولادتها، بذريعة أنه أسهم بالنيابة عن رئيس الجمهورية ميشال عون بإسقاط الشروط التي أعاقت تشكيلها.

ومع أن غريو تجنّبت في لقاءاتها بالقيادات المعنية بتشكيل الحكومة تسليط الأضواء على الوزراء الذين تشكّلت منهم الحكومة لتقويم ما إذا كان اختيارهم يتطابق مع المعايير والمواصفات التي أدرجها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خريطة الطريق التي رسمها في مبادرته لإنقاذ لبنان، ووقف انهياره بتشكيل حكومة تستجيب لتطلعات الشعب اللبناني في انتفاضته على المنظومة الحاكمة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019. فإنها في المقابل عبّرت عن ارتياحها لتشكيلها، واصفة إياها بالخطوة الأولى على طريق الالتزام بالإصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية للحصول على المساعدات الدولية التي تتيح للبنان الانتقال إلى مرحلة التعافي المالي.

فالسفيرة الفرنسية، بحسب المصادر السياسية التي واكبت الأجواء التي سادت لقاءاتها، أخذت على عاتقها عدم إصدار الأحكام الخاصة باختيار الوزراء أو بتسميتهم من قبل المنظومة السياسية، سواء أكانت في الموالاة أو في المعارضة، لتبيان ما إذا كان جميعهم من أصحاب الاختصاص والمستقلين ومن غير المحازبين، رغم أنها تعرف جيداً أن هناك أكثر من 10 وزراء في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ليسوا من أصحاب الاختصاص، وأن وجودهم في الحكومة لم يكن إلا لاسترضاء هذا الفريق أو ذاك.

وسألت المصادر السياسية عن الأسباب التي أملت على غريو تعليق تقويمها لعدد من الوزراء من غير أصحاب الاختصاص الذين يمكن تصنيفهم على خانة «جوائز الترضية» لبعض الأطراف، وكسب ودّهم لإخراج التشكيلة الوزارية من التأزُّم الذي كان يحاصرها، رغم أن باريس تثق «على بياض» بوجود الرئيس نجيب ميقاتي على رأس حكومة تجمع بين الأضداد؟

كما سألت المصادر نفسها، ما إذا كانت المبادرة الفرنسية ما زالت قائمة، ومدى قدرة الحكومة على التعايش معها؟ أم أن باريس تراهن على ميقاتي ليشكل الرافعة السياسية لإعادة الاعتبار لهذه المبادرة؛ خصوصاً أن تأييدها بقي إلى حد كبير محصوراً بثقة المجتمع الدولي به، ومن خلاله، باختياره لفريق العمل الذي اختاره للتفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي باشر اجتماعاته برعايته مباشرة، ولا يعوزه الانسجام والتضامن، كون هذا الفريق هو بمثابة «رافعة» للضغط باتجاه استعادة الثقة الدولية بلبنان، شرط أن يستعيد ثقة اللبنانيين بدولتهم.

واعتبرت المصادر أن المبادرة الفرنسية تدخل حالياً في مرحلة الاختبار الجدي فور إقرار البيان الوزاري للحكومة التي ستمثل على أساسه أمام البرلمان طلباً لنيل ثقته للتأكد مما إذا كانت قائمة بمفعول رجعي بعد أن مضى على إطلاقها من قبل ماكرون أكثر من عام، وتحديداً في زيارته الثانية لبيروت فور الانفجار الكارثي الذي استهدف المرفأ، أم أنها أخذت تتهاوى، ولم يعد من هم لباريس سوى حفظ ماء الوجه بتشكيل حكومة بأي ثمن، رغم أنها تضم عدداً من الوزراء من «الوزن الثقيل» في مقارنتهم مع زملائهم الآخرين الذين يعوزهم الاختصاص في الحقائب الوزارية التي أُسندت إليهم، وبالتالي التعويض عن أي تقصير.

ولفتت إلى أنه لا مشكلة في التأييد المصري للحكومة وتوفير كل الدعم لها فيما تتريّث معظم دول الخليج العربي في تحديد موقفها، وهذا ما يعمل لأجله ميقاتي بإصراره على إعادة ترميم العلاقات اللبنانية – العربية التي دمّرها «العهد القوي» وفريقه السياسي بانحيازه بلا أي تردد إلى محور الممانعة بقيادة إيران، مع أن هؤلاء يحاولون الآن تبييض صفحتهم باتجاه الدول العربية التي أساءوا إليها، وهذا ما برز أخيراً في موقف عون المستجد على هذا الصعيد، وأيضاً في البيان الذي صدر أخيراً عن «تكتل لبنان القوي» برئاسة باسيل.

لذلك، فإن تصحيح العلاقات اللبنانية – العربية، كما تقول المصادر نفسها، لا يمكن أن يتحقق على يد الفريق الذي أمعن في تخريبها وتدميرها، لأنه يفتقد إلى مصداقيته في هذا المجال، ما يستوجب الرهان على الدور الذي سيلعبه ميقاتي، على أن يتناغم معه وزير الخارجية عبد الله أبو حبيب الذي كان في عداد الفريق السياسي المحيط بعون قبل انتخابه رئيساً للجمهورية.

وعليه، تعتقد المصادر السياسية أن التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وسائر الوزارات والمجالس والصناديق يجب أن يتلازم مع تدقيق سياسي يستهدف عون وفريقه السياسي، على خلفية تدميرهم لعلاقات لبنان بعدد من الدول العربية، وأبرزها الدول الخليجية، وصولاً لأن يأخذ هذا النوع من التدقيق طريقه بالأفعال وليس بالأقوال من خلال البيانات التي تصدر من حين لآخر عن الجهات المتهمة بتدميرها.

وفي المقابل، يدرك ميقاتي حجم الأثقال السياسية والاقتصادية والمعيشية الملقاة أولاً على عاتقه قبل الحكومة، وهو ينطلق – بحسب المصادر نفسها – من الضمانات الدولية بإخراج لبنان من أزماته، وهذا يتطلب منه عدم الوقوع في التجارب المريرة التي أصابت الحكومات السابقة، ومنها تجربته أثناء توليه رئاسة الحكومة للمرة الثانية عام 2011 وإن كان يعوّل بالدرجة الأولى على الدعم الفرنسي، ومن خلاله الدعم الأوروبي، آخذاً بعين الاعتبار الدعم الأميركي بقدر الإمكان.

ويبقى السؤال؛ هل ستتمكن حكومة نهاية «العهد القوي» من أن تعبر بلبنان إلى بر الأمان، أم أنها ستكون شاهدة على نهاية لبنان والعهد في آن معاً، وهذا لا يتوقّف على قدرة ميقاتي على تدوير الزوايا واتباعه سياسة النفس الطويل متسلحاً بالصبر فحسب، وإنما على قدرته على العبور به إلى دول الخليج العربية التي لم تقصّر في وقوفها إلى جانب لبنان طوال فترات المحن والشدائد التي حلّت به، وإبان الاعتداءات الإسرائيلية عليه، ولم تبادر إلى إعادة النظر في مواقفها إلا بعد أن تخلى لبنان عن دوره واستعصى على سياسة النأي بالنفس والتحق بمحور الممانعة وشكّل منصة لاستهداف هذه الدول؟

لذلك لا مجال لتصحيح العلاقات اللبنانية – الخليجية إلا باسترداد الحكومة لدور لبنان التاريخي، لأنه الممر الإلزامي لتصويبها؛ خصوصاً أن هذه الدول ليست في وارد الطلب منه تسديد فواتير سياسية، على غرار ما يصرّ عليه محور الممانعة بواسطة حلفائه في لبنان، وأولهم «حزب الله».