IMLebanon

“الحزب” يضرب عون وباسيل في الصميم!

كتب عمّار نعمة في “اللواء”:

لا يبدو حتى اللحظة ان ثمة مخرجا لمعضلة تعاطي الحكومة مع موضوع المحقق العدلي طارق البيطار في قضية كارثة المرفأ، والخوف ان تتدحرج الأمور ككرة الثلج بعد أحداث أمس، في وقت ليست البلاد في حاجة على الاطلاق الى ما يعيق مرحلة نهوض تفاءل بها اللبنانيون مع تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المُحرج مما يحصل كما يشير مقربون منه.

بالنسبة الى ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» ومعهما الحلفاء، فإن لا حل للقضية برمتها سوى عبر التخلص من القاضي البيطار، بغض النظر عن المخارج لذلك، قضائية كانت أم سياسية أم حتى عبر فعل أمر واقع تتكون إرهاصاته اليوم لتُذكر بما حدث خلال قضية المحكمة الدولية باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

حينذاك إختلفت الظروف الداخلية والخارجية، لكن واقع الخلاف اتخذ كما اليوم طابعا طائفياً. وكانت البلاد قد انشطرت الى معسكري 8 و14 آذار، وسط قوة متنامية لـ»حزب الله» الذي شرع منذ الايام الاولى للانسحاب السوري من لبنان في تولي المحور الذي كانت دمشق ترعاه.

وبذلك يُعيد الحزب مشهد ساحة رياض الصلح في 8 آذار من العام 2005 حين واكب الانسحاب السوري في ذكرى وصول «حزب البعث العربي الإشتراكي» الى الحكم، متسلما زمام الحكم الفعليّ للبلاد ومؤسسا لحقبة جديدة من تاريخ البلد المأزوم دوماً.

حدث مشهد رياض الصلح قبل عودة الزعامة المسيحية الاكبر الى لبنان، العماد ميشال عون، ومن ثم ولوجه زعيما لـ»التيار الوطني الحر» في حلف تغلب سلطويته على مبادئه مع «حزب الله» في 6 شباط من العام الذي تلاه.

وهنا يكمن تشابه مشهدي 8 آذار 2005 وقرار النزول الى الشارع أمس، وهو في خلوّ المشهدين من العماد عون نفسه الذي كان يخاصم الحزب منذ اعلانه حرب التحرير في العام 1989 حتى العام 2006 مع تفاهم مار مخايل الذي ما زال مستمرا حتى اللحظة، لكنه يمر في كل يوم بامتحان صعب تلو الآخر.

ولعل آخر تلك الامتحانات يتمثل في قضية البيطار نفسها الذي يؤيده العهد، أي عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، لا سيما ان الشارع المسيحي يغلي جراء كارثة اودت بحياة نحو 220 ضحية، جلّهم من المسيحيين، ودمرت منطقة واسعة وادت اضافة الى ذلك الى خسائر بشرية ومعنوية جارحة.

ويشير كثيرون الى حراجة موقف العهد الذي يقدم دعمه لتحقيق البيطار، مع تحفظه على بعض اجراءات الأخير التي تطال رجالاً للعهد نفسه، وهو الذي يدرك تماما الدعم الخارجي الذي يتمتع به البيطار وخاصة أميركيا لا سيما بعد موقف اعضاء في الكونغرس، وفرنسيا.. والحال ان العهد يتعرض لمزايدات في الشارع المسيحي من قبل اخصامه على الساحة كما من قبل قوى جديدة برزت فيها ستستثمر حكما في قضية البيطار التي يتعاطف معها كثيرون، وسيكون من شأن انتقال اللعبة الى الشارع ان تنتقل الدفة الى من هم في صف خصوم العهد.

ثمة ملاحظة هنا يجدر التوقف عندها مؤداها ان عون وباسيل تلقيا ضربة في الصميم بموقف الحزب الذي هاجم التحقيق منذ البداية، وبات العهد كبالع الموسى: فإذا مضيا في التخلص من البيطار ستوجه إليهما التهم بالخضوع للحزب. وإذا ناهضا الحزب فهما سيعززا الفجوة الماضية في التوسع معه قبل أشهر على الانتخابات التي يريد الجانبان عقد اوسع تحالفات ممكنة كونها ستحدد بكثير من ملامحها مستقبل باسيل نفسه وطبعا طموحه الرئاسي.

وبذلك يكون الحزب قد وجه، من حيث يقصد أو لا، ضربة الى حليفيه عون وباسيل معيداً، بحلفه الموثوق مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري وزعيم «تيار المردة»، ليس فقط مشهد العام 2005 في رياض الصلح، بل زمن ما قبل الانسحاب السوري حين كان «حزب الله»، للمفارقة، بتهميشه في اللعبة الداخلية، أحد المتضررين من الوجود السوري نفسه.

كما ثمة ملاحظة أخرى هي التشابه مع مشهد آخر حمله العام 2006 مع خروج «حزب الله» وحركة «أمل» من الحكومة على خلفية موضوع المحكمة الدولية في اغتيال الحريري.

حينها ذهب الحزب الى النهاية في معارضة تخوينية للمحكمة تشبه تماماً رؤيته اليوم للتحقيق في جريمة المرفأ، وثمة استعداد الى ما هو أبعد بكثير من مجرد الاعتراض النقابي والشعبي على البيطار الذي لم يثبُت استهدافه للحزب مباشرة، وهذا ما يدعم أن الحزب ينظر بجديّة تامة الى استهداف حلفائه، تماما كاستهدافه هو. أي بمعنى آخر، فإن على أي كان ان لا يتوهم ان الحزب، حتى بعد ما حملته 17 تشرين للبنان، سيتخلى عن منظومة حلفائه الذين حكموا لبنان منذ مرحلة ما بعد اتفاق الطائف حتى هذه اللحظة القلقة من تاريخ البلد القلق والمفتوحة على التطورات داخليا وخارجيا.

قوى السلطة تتخلى عن التحقيق

ولأسف البيطار ومؤيدوه، وبغض النظر عن دعم شعبي كبير يحصل عليه في الشارع وخاصة عبر الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فإنه بات يفتقد الى الدعم الفعليّ والعمليّ، كما الدعم الرسمي الذي سيقرر مستقبله لناحية استمراره محققا عدليا في جريمة هزّت الوجدان، أو تنحيه، أو «استبداله»، الطريق الذي لا رجعة عنه بالنسبة الى الحزب وحلفائه.

فالرجل فقد دعم جميع أحزاب السلطة، باستثناء الزعيم «الإشتراكي» وليد جنبلاط جهاراً، ودعم العهد تلميحاً. أما خارج قوى السلطة، أي في المعارضة، فلا قدرة لداعمي البيطار لحمايته مهما علت أصوات مثل رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع أو رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل وغيرهما من شخصيات في تلك المعارضة من داخل سلطة الحكم.

وأما لناحية القوى المدنية، فهي بالكاد تستمر في تحركاتها لتحتفل اليوم بالذكرى الثانية لـ 17 تشرين، واذا كانت تلك القوى ستحشد الدعم للبيطار في الشارع مواكبةً لتحرك أهالي الضحايا، فإنها قد تستفيد هي نفسها من هذه القضية لتوجه اصابع الاتهام الى السلطة السياسية قبل أشهر من استحقاق الانتخابات النيابية.

على أن أحداث أمس أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن لعبة الشارع قد تؤدي الى إشعال البلاد، وهي تُذكِّر بمناسبات أليمة بالنسبة الى «حزب الله» و»أمل» في اكثر من مكان بعد قرارهما الخروج من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2006 ودعوتهما الى النزول الى الشارع ودفعهما ثمن ذلك قتلى وجرحى.