IMLebanon

فيّاض: 3 تحديات علينا مواجهتها لحل مشكلة المياه

شارك وزير الطاقة والمياه وليد فياض في افتتاح الدورة 13 للمجلس الوزاري العربي للمياه حيث ترأس الدورة لمدة عام وتسلمها من وزير دولة قطر سعد بن شريدة الكعبي، في مقر الامانة العامة لجامعة الدول العربية.

وألقى فيّاض في المناسبة الكلمة الآتية: “بدايةً أهنئ الرئاسة القطرية وسعادة الرئيس الكواري على القيادة المميزة للدورة السابقة لمجلسنا التي حافظت على التواصل ونظمت كافة الفاعليات بالرغم من جائحة كوفيد 19 وما فرضته من موانع في التنقل والتلاقي. كذلك نثمّن عمل اللجنة المكلفة بتعديل استراتيجية الأمن المائي في المنطقة العربية لمجابهة التحديات الكبرى ومتطلبات التنمية المستدامة والدور الأساسي الذي لعبته وزارات الموارد المائية في الدول العربية من خلال مساهمتها في إثراء هذه الاستراتيجية وهنا نتوجه بالشكر الى المنظمات العربية والاقليمية والدولية، شركاء المجلس الوزاري العربي للمياه على مجهوداتهم ومبادراتهم في تحضير الخطة التنفيذية لاستراتيجية الأمن المائي العربي.

أودّ أيضاً أن أثني على الدور الذي تقوم به الأمانة الفنية للمجلس في التحضير العربي للمنتدى العالمي التاسع للمياه المقرر عقده في السنغال عام 2022 وهنا أدعو لايلاء أهمية كبرى لهذا التحضير بغية الخروج بتوصيات ومقررات تصب في مصلحة الأمن المائي العربي.

أما بعد فإن موضوع المياه يكتسب اهمية خاصة في لبنان وبلدان المنطقة بالنظر لمحدودية المتاح منها كمياه للشرب والري. وطبقاً للمؤشر الذي يفضي الى أن أي بلد يقل فيه متوسط نصيب الفرد من المياه سنوياً عن 1000 متر مكعب يعتبر بلداً يعاني من ندرة مائية، فان ثلاثة عشر بلداً عربياً تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية، وهذه الندرة في المياه تتفاقم باستمرار بسبب معدلات النمو السكاني العالية.

وتوضح تقارير البنك الدولي أن متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة في الوطن العربي سيصل الى 667 متراً مكعباً سنوياً عام 2025 بعدما كان 3430 متراً مكعباً سنة 1960 أي بانخفاض 80%.

أما معدل موارد المياه المتجددة سنوياً في المنطقة العربية فيبلغ حوالي 350 مليار متراً مكعباً وتغطي نسبة 35% منها تدفقات الانهار القادمة من خارج المنطقة كنهر النيل ونهري دجلة والفرات. وتحصل الزراعة على نسبة 88% مقابل 7% للاستخدام المنزلي و5% للصناعة.

وقد غدا موضوع المياه مرشحاً لاشعال الحروب في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا. فمن جهة يغتصب العدو الاسرائيلي معظم نصيب دول الطوق العربي من المياه ويطمح دوماً للسيطرة على المزيد من الموارد المائية، ومن جهة أخرى فان أغلب البلدان العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها اذ أن بلداناً كأثيوبيا وتركيا وغينيا والسنغال وكينيا وأوغندا تتحكم بحوالي 60% من منابع الموارد المائية للمنطقة العربية، وهنا أود أن أشير على وجه الخصوص إلى أزمة سد النهضة الإثيوبي، والتي تُعد شغلاً شاغلاً لأشقائنا في مصر والسودان حيث أؤكد تطلعنا إلى التوصل لاتفاق قانوني ملزم في هذا الشأن بين مصر والسودان وإثيوبيا، اتساقاً مع البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر 2021، وذلك على النحو الذي يكرس التعاون لا التصرفات الأحادية، ويرسخ المصالح المشتركة بين شعوب المنطقة.

اذاً هناك ثلاثة تحديات على دول المنطقة مواجهتها لحل مشكلة المياه وتحقيق أمنها المائي وهي:

-أولاً: قضية الأنهار العابرة للحدود كنهري دجلة والفرات بين تركيا وسوريا والعراق ونهر النيل بين مصر ودول حوض النيل الأعلى.

-ثانياً: مطامع اسرائيل التي تستخدم المياه كعنصر أساسي في الصراع العربي الاسرائيلي في نهر الاردن ونهر اليرموك ومنابع الجولان وانهار الليطاني والوزاني والحاصباني اضافةً الى سرقة المياه الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

-ثالثاً: مواجهة مخاطر الشح المتزايد في مصادر المياه والمترافقة مع التزايد السكاني، عن طريق الادارة الصحيحة للموارد المائية.

ويشكل التحدي الثالث الشق الوطني الداخلي لكل دولة من دول المنطقة ومن الضروري أن تسعى هذه البلدان الى أن تشتمل الادارة المتكاملة للموارد المائية على كافة الجوانب المتعلقة بالمياه، بدءاً من انتاجها مروراً بجهود تخزينها ونقلها وتوزيعها واستخدامها حتى تصل الى المستهلك. وينطبق هذا الامر على الموارد الموجودة فوق سطح الارض وفي باطنها والموارد غير التقليدية التي يجدر ايلاؤها أهمية كبيرة والتوسع في استعمالها في الدول العربية.

وبناءً عليه فان ادارة الموارد المائية تتضمن جانبين: الجانب التقني والجانب غير التقني ويتضمن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها. ويجب أن تهدف الادارة المتكاملة للموارد المائية الى تحقيق الامن المائي وايجاد التوازن المطلوب بين الاحتياجات والمصادر.

إن ندرة المياه في دولنا تحتّم علينا ايلاء الاهتمام الكبير والمشترك في متابعة تنفيذ الخطة العالمية للتنمية المستدامة وخاصةً الهدف السادس منها والمتعلق بالمياه والغايات المتصلة به وهنا لا بد أن نشير الى الجهد الذي تبذله اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا في مواكبة الدول العربية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

اما في لبنان الذي أنعم الله عليه بثروة مائية قيل انها لا تنضب والعكس هو الصحيح، فان وزارة الطاقة والمياه قد استشعرت الخطر الكبير على مستقبل الأمن المائي اللبناني، خاصةً وأن تداعيات التغير المناخي العالمي بدأت تؤثر وبشكل واضح على كمية المتساقطات السنوية ما انعكس امتداداً لفترات الشح وساهم في انخفاض نسب تدفق الينابيع والآبار الجوفية.

لذلك أعدت وزارة الطاقة والمياه عام 2012 الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه تحت شعار: “المياه حق لكل مواطن وثروة لكل الوطن” وقد أقرّتها الحكومة اللبنانية وأصبحت سياسة ملزمة ترتكز على:

1- الاستفادة من الينابيع المتجددة بطريقة مثلى عن طريق تحسين كفاءة هذه الينابيع.

2- التغذية الاصطناعية للطبقات الجوفية وهي ممكنة من الناحية التقنية في مواقع كثيرة في البلاد.

3- التخزين السطحي عن طريق بناء السدود ما يوفر اكثر من 500 مليون متراً مكعباً تضاف الى المخزون المائي الوطني.

4- استبدال أنظمة نقل وتوزيع مياه الشفة التي تعدت عمرها الافتراضي وأصبحت تسبب هدراً تقنياً يصل في بعض الأحيان الى 40% وبناء خزانات جديدة بالاضافة الى تنفيذ مشروعي جر الأولي-بيروت.

5- اصلاح واستبدال نظم وشبكات الري وزيادة المساحات المروية.

6- تنفيذ المخطط التوجيهي للصرف الصحي عبر جمع ومعالجة ما لا يقل عن 90% من المياه المبتذلة.

وقد تواكب تنفيذ هذه الاستراتيجية مع تحضير وزارة الطاقة والمياه لقانون حديث للمياه صدر عام 2020 ونعمل حالياً على تحضير المراسيم التطبيقية له بالتعاون مع الجهات الدولية المهتمة.

ان الضغط الشديد الذي يتعرض له قطاع المياه في لبنان من جراء مشكلة النزوح السوري والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد ناهيك عن الأطماع التاريخية للعدو الاسرائيلي في المياه اللبنانية جعل من تنفيذ الاستراتيجية الوطنية واعادة جدولة أولوياتها من الضروريات القصوى. لذلك عملت الوزارة على تحديث الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه تماشياً مع هذه المتغيرات وسوف تعرضها قريباً على مجلس الوزراء اللبناني لاقرارها.

ان التحديات الكبيرة التي تواجهها حكوماتنا لناحية تعزيز الأمن المائي لشعوبنا والضغوط التي تتعرض لها مصادر المياه في الوطن العربي من النيل الى دجلة والفرات الى الليطاني تستدعي منا العمل سويةً على تطبيق الاستراتيجيات والخطط التنفيذية المشتركة ومتابعة كافة الأبحاث والدراسات المتعلقة بموضوع المياه وتحتّم علينا أيضاً التضامن في المحافل الدولية في دعم القضايا العربية ومطالب دولنا في الدفاع عن حقوقها في مياهها طبقاً للقوانين الدولية مرعية الاجراء لأن المياه في كل بلد تشكل ثروة وطنية لا يمكن التفريط بها ويمكن، لا سمح الله، أن تشكل أساساً للحرب والسلم في المنطقة وعنواناً للتوترات الاقليمية.

أكرر شكري لمعالي الأمين العام وللرئاسة القطرية متمنياً النجاح لأعمال الدورة الحالية واتخاذها للقرارات والتوصيات المناسبة بما يخدم الدول العربية كافةً ويعزز الأمن المائي لشعوبها ويجعل من الحفاظ على هذه الثروة سبباً إضافياً مشتركاً يتوحّد حوله جميع الاخوة العرب”.