IMLebanon

بو صعب لسامي كلارك: سيبقى صوتك نداءنا للحفاظ على لبنان

ودع لبنان وبلدة الشوير المتنية الفنان سامي كلارك في مأتم رسمي وشعبي مهيب أقيم في كنيسة مار جرجس في الشوير، شارك فيه النائب الياس بو صعب ممثلاً رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي. ومنحه رئيس الجمهورية وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور، تقديراً لعطاءاته الفنية والوطنية والثقافية.

وشارك أيضا وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، الوزير السابق بشارة مرهج، رئيس بلدية الشوير- عين السنديانة حبيب مجاعص، وفد من نقابة الفنانين المحترفين برئاسة النقيب جورج شلهوب، عقيلة الفقيد شيلا ونجله سامي جونيور وابنته ساندرا، إضافة إلى رؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات رسمية ونقابية وحزبية وحشد من أبناء المنطقة والاصدقاء والمحبين.

ترأس صلاة الجنازة متروبوليت جبل لبنان للروم الأرثوذكس المطران سلوان موسي ممثلاً بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر، عاونه رئيس دير مار الياس البطريركي – شويا المطران قسطنطين كيال ولفيف من الكهنة.

بعد تلاوة الانجيل، ألقى موسي كلمة رثاء نقل فيها “تعازي البطريرك يوحنا العاشر والمتروبوليت جاورجيوس خضر والأسقف كيال”، شاكرا ل”بو صعب نقله تعازي الرؤساء الثلاثة”. كما شكر وزير الثقافة، وقال: “أشكركم جميعا باسم هذهِ العائلة الجميلة وباسم أخينا وحبيبنا فنان لبنان والعالم العربي سامي”.

أضاف: “الإنجيل الذي سمعناه اليوم لطالما عشناه معه. سأحاول رسم هذا الخط المتوازي بين كلمة الله وكلمتنا، بين صوت الله لنا، يسوع، بالكلمة، وصوتنا نحن، وما نقوله بعضنا للبعض الآخر. سامي، في مكان ما، يعني لكل الحاضرين، ولو كانت أجيالنا غير متقاربة مع بعضها البعض بالعمق، لكنه كثيرا ما خاطبنا بالعمق. الجيل الأكبر والجيل الأصغر في فترة الحرب في لبنان، في وقت كنا نعيش ما نعيشه، كان يهز فينا بكلمته وصوته بما هو أفضل الموجود في ذلك الزمن الرديء، تماما كما يخاطبنا يسوع اليوم بالإنجيل: إسمعوا صوتي، ومن عملوا الصالحات يقومون للحياة ومن عملوا السيئات لدينونة”.

وتابع: “من كانت لديه الرغبة في القليل من الرجاء، كانت لديه رؤى أو مبادرة إيجابية، فصوته وكلمته عنيا الكثير. ومع الكثيرين، ساعدنا في ذلك الوقت لنقوم في زمن كنا معرضين فيه للبقاء في القبر، لكننا لم نبق. هناك من ساعدنا لنقوم بذاتنا أولا، وببعضنا البعض ثانيا، وببلدنا ثالثا. هذا الإنسان وما أعطاه الله من نعمة، ساعد الكثيرين. وهذا وجه من أوجه هذا الإنسان المتعددة، حيث كان ملتزما الإنسان، من دون مصلحة، من باب المحبة وأمانة لإيمانه، فهو يؤمن بالخير وبكرامة الإنسان، وسعى إلى تحقيق ذلك من خلال خدمته في جمعيات مختلفة والرعاية التي قام بها وعبر موهبته في خدمة الفقراء والمحتاجين إلى مدرسة ودواء، ووظف كل ما يملك في هذا المجال. لقد كان شخصا يمثل التزام الإنسان”.

وأردف: “ما تميز به أيضا هو محبته لهذا البلد وأبنائه. ولذلك، كرس كل موهبته ليفجر فينا ليس مجرد فرحة صغرى، بل ليقوم فينا عهد مع هذه الأرض وهذه الكنيسة وهذه العائلة وهذا البيت، أن يقوم بيننا وبين هذه الأرض عهد والتزام مع شؤونها وشجونها، لكي نربح كل إنسان للمحبة، للخير، للصلاح، وبالأحرى للحياة بعضنا مع البعض الآخر، ولا أحد ينفي الآخر”.

وقال: “لقد نفخ في شبيبة هذا البلد وفي العالم العربي الذي سمعه، الأصالة التي من يتقن صنعها قليلون. وأشعر لأنه إبن هذه الكنيسة، بأن كل هذا ينبثق من نور الإيمان الذي عاشه، فجسده في حياته كزوج، كوالد، كفنان، كحبيب، كصديق، كزميل، كإبن هذه الكنيسة”.

وأشار إلى أنه “ينبغي أن نشكر سامي، ونتذكره في هذا الشكر، لأن الاهتمام الذي أظهرته الصحافة هنا وفي الخارج بخصوص شخصه، سنوظفه في صلاتنا التي نرفعها الى الله، حيث ينبغي أن يتخطى الشكر حدودا بين بعضنا البعض ليقارع السماء، ويفتح مراحم الله له ولكل من خدم وزرع فيه أصلا خيرا، حتى تنمو طريقته فينا، فالشكر يجب أن يتخطى اللسان الى الإمتنان الذي يؤدي بنا الى أن نتعب على ذواتنا من أجل الغير ومن أجل بعضنا البعض”.

وختم: “هذا هو روح كلام الإنجيل، الذي يقول فيه المسيح مخاطبا كل واحد منا: إذا سمعت كلامي وعشت به تحيا، وهو من هذا الكلام الذي سمعه أعطانا أن نحيا يوما بعد يوم. قدر الله كل واحد منا على استخدام موهبته وتنميتها لخيره وخير جميع الذين يحبونه”.

وبعد الصلاة، ألقى بو صعب كلمة رئيس الجمهورية قال فيها: “ما كان منا أحد ليصدق أن من نلتقي حوله اليوم قد غادرنا، فهو الذي على اسم لبنان فاز بجوائز عالمية لعل أهمها تبقى عن تلك الأغنية التي يفاخر فيها بأنه بحار ابن بحار تغلب على العاصفة. في زمن العواصف التي اجتاحت وطننا الصغير، كان صوته مرساة أمان لأجيال تعاقبت على محبته لنصف قرن ونيف، وتعلقت بصوته الواسع على مدى رحابة بحر لبنان وفضائه”.

أضاف: “هي أجيال كبرت، في ظل حواجز بعثرتها وشتتها، وهو ظل على ايمانه الاكثر ثباتا: لبنان الواحد، بنشيده الوطني الذي ما كان يفتتح حفلا له إلا به، ينشده مع الحاضرين ويعلمه بيتا بيتا للاطفال والمراهقين. به كان يعلمهم فن مواجهة عبثية الحروب الدائرة فصولا في الوطن. وبه كان يعلمهم أن لبنان الأصالة هو لبنان الفرح، والمحبة: لبنان النابع من القلب والفائض في العقل. ومن كان يستطيع أن يجمع آنذاك في ناد واحد 14 ألف شابة وشاب لمواجهة الحرب، كما فعل هو في ناديه: “نيو ليبانون”؟ وهو القائل: “أنا لبناني وأفتخر بلبنانيتي. الى هذا اللبنان كان يفاخر سامي كلارك بالانتماء، ويعلم فنون الانتماء”.

وتابع: “ما توانى عن ارتداء بزة الجيش اللبناني في عيدي الاستقلال والجيش، حتى بات العيدان مسرح ابائه الاوسع، يزرعه شموخا وصلابة كما الارز للقمم. وكم تباهى شبان وشابات، انهم عادوا الى منازلهم للتو، حاملين كالذخر الحي العلم اللبناني الذي وزعه عليهم، منشدين: كلنا للوطن”.

وأردف: “وكان أن أنشد ذات يوم شارة أول مسلسل كرتوني مدبلج باللغة العربية، فدخل ذروة احلام الاطفال ومخيلة المراهقين الذين الى اليوم يحفظون منه ذلك التعالي بـ”الخير اعميم”، الى ما فوق السماء، من اجل هذه الأرض التي هي “كوكب صغير”: كافح شرا، حطم مكرا في حزم واباء… سنوات تعب، زرعها سامي كلارك بالامل بلبنان يقوم دائما للحياة، بطموحات ابنائه، لانه يعرف دائما أن يخاطب الحياة بلغات الحياة، ما بين الشرق والغرب، ولهما. وقد غنى فيها فأبدع”.

وقال: “اليوم، إذ نلتقي حوله شرفني فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فكلفني تمثيله في هذا المأتم المهيب، وتقديم أحر تعازيه لعائلته الصغرى، كما لعائلته الكبرى، محبيه في لبنان والعالم، مانحا فقيد الفن الغالي وسام الارز الوطني من رتبة كومندور تقديرا لعطاءاته الفنية والوطنية والثقافية”.

وختم: “أنت أيها الفقيد الغالي، اليوم، وأنت تحدق بنا من خلف السماء وأبعد منها، نعاهدك أن يبقى صوتك نداءنا للحفاظ على لبنان، لا ارثا من ماض فحسب، بل اكثر: فعل ايمان يتجدد، كما أردته وطنا للسلام الحق”.

وكانت كلمة باسم العائلة ألقاها الدكتور كميل نصار شكر فيها “كل من شارك في الصلاة”، وقال: “كل الشكر لما قام به في حياته في سبيل عائلته وبلدته ووطنه لبنان، فمآثره كبيرة وعطاءاته كثيرة، وستبقى في الذاكرة على مر الاجيال، فكان مالئ الدنيا وشاغل الناس”.

وبعد ذلك، وري الجثمان في الثرى في مدافن العائلة وتقبلت العائلة التعازي في صالون الكنيسة.

كما تواصل العائلة تقبل التعازي يوم غد الاربعاء في صالة كنيسة مار الياس الحي للروم الارثوذكس في المطيلب من الثالثة بعد الظهر لغاية السادسة مساء.

الوداع في ضهور الشوير

وقبل الدفن، أقيم لجثمان الفقيد ملقى وداعي في ساحة ضهور الشوير، تقديرا ووفاء له بعنوان “الكبار لا يرحلون، بل تبقى ذكراهم خالدة في ذاكرة التاريخ والبلدان والشعوب”، وتجمع أهالي بلدتي الشوير وعين السنديانة ومحبوه تقدمهم بو صعب ورئيس البلدية وفاعليات المنطقة والعائلة وكهنة الرعايا، واستقبلوا جثمانه أمام منزله وانطلقوا به محمولا على الاكف باتجاه ساحة ضهور الشوير على وقع قرع اجراس الكنائس واغانيه التي بثت عبر مكبرات الصوت.

وبعد رفع الصلاة لراحة نفسه، انطلق الموكب الى كنيسة مار جرجس حيث اقيمت صلاة الجنازة.