IMLebanon

المرتضى: ما زال الإبداع اللبناني متألقا

أطلق وزير الثقافة محمد وسام المرتضى خلال مؤتمر صحافي في مقر المكتبة الوطنية في الصنائع، فعاليات شهر الفرنكوفونية، في حضور سفراء: فرنسا آن غريو، كندا شانتال تشاستيناي، ارمينيا فاهاكن أتابكيان، بلجيكا هوبير كورومان، رومانيا رادو كاتالان مارداري، مصر ياسر علوي، تونس بوراوي الامام، المغرب محمد اكرين، القائم بأعمال سفارة قطر محمد علي المطاوعة وممثلة الجامعة الدولية للفرنكوفونية سينتيا رعد.

بداية النشيد الوطني، ثم رحب المرتضى بالحضور وقال: “كلما دخلت مبنى المكتبة الوطنية وتأملت هذا المزيج الهندسي الذي يجمع بين التراث والحداثة، بين الحجر المقصوب والقناطر المعقودة، وحيطان الزجاج، رأيت بأم العين كم يتشابه هذا الصرح مع المفهوم الحقيقي للثقافة التي هي أيضا مزيج من تراث ومعاصرة، وتركيبة كيميائية من حضارات تعاقبت عبر التاريخ، فاختلفت واختلطت حتى وصلتنا على صورتها الراهنة. وليست الفرنكوفونية إلا تجليا آخر من تجليات هذا التمازج الحضاري الثقافي، أو هي كالنهر الذي على طول مجراه ترفده أنهار أخرى وسواق وينابيع، فيختلط الماء بالماء والموج بالموج، حتى يبلغ النهر مستقره في عمق بحر التاريخ”.

وشدد على “أننا حرصاء اليوم على تنظيم هذا المؤتمر لإطلاق نشاطات شهر الفرنكوفونية الذي تنظمه وزارتنا بالتعاون مع شركاء أعزاء، وللتأكيد على انتمائنا إلى القيم الانسانية التي يتشارك فيها أبناء العائلة الفرنكوفونية المتعددة الثقافات واللغات والجهات، من شمال المعمورة الغربي إلى جنوبها الشرقي، مرورا بأفريقيا والشرقين الأدنى والأوسط. فضاء يحلق فيه مؤلفون أثبتوا أن لغة موليير، كورناي، بالزاك وفيكتور هوغو، هي أيضا لغة ليوبولد سنغور وأمين معلوف وغيرهم. وبيت ثقافي ترعرع فيه شارل أزنافور، داليدا، أدامو كلود فرانسوا، ودميس روسوس، لويس شديد، ميكا، خالد وابراهيم معلوف وغيرهم”.

وتابع: “ما انتساب لبنان عام 1973 إلى منظمة الفرنكوفونية الدولية، واحتضانه القمة التاسعة للفرنكوفونية المنظمة عام 2002 في بيروت حول موضوع حوار الثقافات، وتوقيعه الاتفاق اللغوي عام 2010، واتفاق فتح مكتب إقليمي دائم في بيروت إلا تأكيد على تشبث بلد الأرز بالبقاء مركزا للاشعاع الفرنكوفوني وسط العالم العربي والشرق الأوسط، بالنظر لما يشكله هذا الوطن من موضع لقاء وجسر تواصل ومناخ حرية”.

وأكد وزير الثقافة دعم التعاون الثقافي مع الدول الفرنكوفونية، وقال: “إذا كان سبب إنشاء الفرنكوفونية بمبادرة من الفيلسوف الكبير والشاعر ليوبولد سنغور هو وضع اللغة الفرنسية في خدمة التضامن والتطور والتقارب بين الشعوب بالحوار الدئم بين الحضارات، فإني أنتهز هذه المناسبة لأعبر عن إرادتنا الصلبة، في تدعيم التعاون الثقافي المتبادل مع الدول الفرنكوفونية صديقة لبنان، وفي توثيق التبادل الثنائي مع الهيئات الفرنكوفونية خاصة مع منظمة الفرنكوفونية الدولية ومنظمة الجامعيين الفرنكوفونيين، وذلك بغرض إعطاء قطاع الثقافة اللبناني المكانة المميزة التي يستحق تبوأها في مشاريع النهوض بالبلد”.

ونوه بـ”الابداع اللبناني المنتشر في العالم رغم الصعوبات والازمات التي تواجهه وآخرها فاجعة انفجار مرفأ بيروت”، مشيرا إلى أن “هذا القطاع أصيب في الصميم نتيجة لفاجعة انفجار مرفأ بيروت وبسبب الأزمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة. وعلى الرغم من ذلك ما زال الإبداع اللبناني متألقا، هنا وفي المغتربات حيث ينتشر المثقفون اللبنانيون عارضين نتاجهم الفني والأدبي والإنساني”. وقال: “من أجل هؤلاء، بل من أجل الوطن كله، نحن مدعوون لتقديم الدعم للمبدعين من أجل إغناء التراث الثقافي لبلدنا  لمساحتنا الفرنكوفونية بمنتجات ثقافية متجددة وخلاقة”.

وأضاف: “إن بلد عبد الحسين شرف الدين وموسى الصدر ومحمد حسين فضل الله وكمال جنبلاط وعبد الله العلايلي وصبحي الصالح وجبران خليل جبران، وجورج شحادة، وصلاح ستيتية، وأنسي الحاج، ووجيه نحلة، ايفيت سرسق، أمين وابراهيم معلوف، مارون بغدادي وفيروز والأخوة بصبوص وكثيرين غيرهم ممن يضيق الزمان كله بذكر أسمائهم، أثبت على مر التاريخ أنه وطن الفكر المنفتح على الآخر المختلف، ووطن الإيمان بالإنسان وبحقه في الحياة الكريمة غير الخاضعة لأي احتلال أو اعتداء أو استبداد. والمنارات اللبنانية التي أضاءت على شطوط جميع اللغات ستبقى عنوانا لدور هذا الوطن في بناء الحضارة العالمية، التي تعمل الفرنكوفونية على توطيدها”.

غريو

وقالت السفيرة الفرنسية آن غريو: “يسعدني جدا أن أقدم لكم برنامج المعهد الفرنسي لهذا الشهر للفرنكوفونية في الإطار العام للأنشطة التي ننفذها مع جميع الشركاء، ونظمنا هذا البرنامج الذي يعبر عن رغبتنا في الحفاظ على هذا الاجتماع المميز”.

وأضافت: “رغم الأزمات الصعبة، أتمنى أن تبقى هناك لحظات استماع ومشاركة ولقاءات. ان هذا الشهر الفرنكوفوني هو أيضا شهر عمل سياسي، لأننا عندما نتحدث عن الفرنكوفونية واللغة الفرنسية والتعددية اللغوية والتنوع الثقافي والحوار المثمر والأخوي بين اللغات والثقافات والشعوب، فإننا نتحدث عن لبنان، عن التعددية والتنوع الذي تشكل هوية هذا البلد، تفرده في المنطقة والعالم. ومع ذلك، هناك خطر اليوم من أن الأزمة والانهيار الوحشي الذي يمر به هذا البلد سوف يسلب أيضا جزءا من هويته”.

وأردفت: “بصفتي سفيرة لفرنسا، فإن هذا المنظور لن أقبله، بالنسبة لهذا البلد الشقيق، على مفترق طرق وتاريخه الذي يجب أن يظل ركيزة أساسية للأسرة الناطقة بالفرنسية. إن إحياء هذه الفرنكفونية هو بعد سياسي قوي وملموس لمهمتي في لبنان. أنا أعمل على ذلك، أستمع وأعمل معكم. وعلى وجه الخصوص اعمل على الاستثمار المستمر والحازم حيث تتجذر الفرنكوفونية من أجل الثقافة والتعليم، وهما مجالان تستمد منهما روابطنا الإنسانية والعاطفية قوتها والثقافة، لأن اللغة الحية يجب أن تكون لغة إبداعية. والفرنسية التي نتحدثها جميعا اليوم هنا، هي مرادف للابداع المشترك. وكما تقول ليلى سليماني الممثلة الخاصة لرئيس الجمهورية الفرنسية للفرنكوفونية، بشكل منتظم: “لكي تكون اللغة مؤثرة، لكي تلهم، علينا أن نبتكر، علينا أن نغني، علينا أن نكتب، وعلينا أن تصنع أفلاما بهذه اللغة. من هنا يأتي الدعم المتواصل الذي تقدمه فرنسا للمشهد الثقافي والفكري اللبناني، من باب أولى في هذه الفترة، عندما يجب أن نحاول تحويل التحديات إلى فرص، لمستقبل هذا البلد، لهذا لبنان الذي لديه الكثير ليقدمه للفرنكفونية، ولعالم الابداع والأفكار المكملة له”.

وقالت: “إن نجاح مهرجان القصص المصورة الذي نظمناه الخريف الماضي مع شركائنا اللبنانيين، يشبه نجاح ليلة الأفكار في 27 كانون الثاني بالشراكة مع جريدة لوريان لوجور، يؤكد لنا الإمكانيات الموجودة في لبنان. ان الاستثمار في الثقافة هو أيضا الاستثمار في التعليم، لأن إحياء الفرنكوفونية يبدأ من خلال تسهيل وصول جميع اللبنانيين إلى تعليم جيد باللغة الفرنسية. ومن المهم أن تتمكن جميع البلدان والمؤسسات الناطقة بالفرنسية الموجودة في بيروت من مواصلة هذا الالتزام بدعم قوي من المجتمع الدولي. أكرر، إنه تحد لمستقبل هذا البلد لأننا مقتنعون بالفائدة التي يمثلها هذا التعليم الناطق بالفرنسية – وبالتالي متعدد اللغات – لجميع الشباب اللبناني”.

وأكدت أن “فرنسا تواصل دعمها القوي للمدارس والجامعات اللبنانية التي توفر التعليم الناطق بالفرنسية. إن الثقافة والتعليم متجذران في الشباب الذي سيكون مسؤولا عن كتابة كل من تراث ومستقبل هذه الفرنكوفونية التي نتشاركها. ولكن للقيام بذلك، نحن ندرك أنه يجب على العالم الناطق بالفرنسية اليوم أن يستفيد أكثر من أصوله تجاه الشباب، وجاذبيته، وإبداعه في جميع المجالات. أنا مقتنعة بأنه يجب أن نحاور أكثر وأكثر الشباب اللبناني الذين ينتظرون ذلك ويجب أن تصبح الفرنكوفونية مرادفا لمشاريع مدنية. الفرنكوفونية ليست تراثا بسيطا، بل يجب أن تكون أيضا طريقا للأمل ومساحة من الفرص ذات نطاق دولي ومنفتحة على الديناميكية والابتكار الذي يظهره الشباب اللبناني في جميع المجالات، خاصة حتى يتمكن هؤلاء الشباب من المطالبة بصوت عال وواضح بتعددهم اللغوي وتنوعهم الثقافي”.

وتابعت: “لقد كرست العيد الوطني الفرنسي، في 14 تموز للفرنكوفونية كما كان ممثلو  الشباب الفرنسي الرائع هم الذين قدموا صوتا قويا وجماعيا في منتدى البحر الأبيض المتوسط في مرسيليا في كانون الثاني الماضي. سيكون برنامج شهر الفرنكفونية ثريا ومحفزا ومبهجا أيضا، لأن الفرح يغذي الشجاعة. ستجمع بين السينما والأدب والمسرح والاجتماعات في جميع أنحاء البلاد، من خلال معاهدنا الفرنسية، من طرابلس إلى الجنوب”.

وختمت: “أردنا من خلال الاحتفال اليوم بهذا البرنامج ان يجسد القيم التي تجمعنا: قيم الحرية والتضامن والانفتاح والصداقة والعيش معا. وربما تكون فرصة للأمل، لأننا بحاجة إلى الأمل في هذا الوقت، في لبنان كما في كل مكان في العالم، وخاصة في ما يتعلق بما يحدث في أوكرانيا التي تناضل من أجل حريتها وسيادتها معززين بهذه القيم التي توحدنا. يجب علينا أيضا أن نتحرك معا لضمان الحفاظ عليها. على أي حال، بالحديث عن الفرنكفونية في لبنان، نحن نتحدث عن لبنان الذي يريد أن يعيش والذي هو حي بجميع اللغات التي تجعله بلدا موحدا نحبه كثيرا”.