IMLebanon

سويف: ألم يدمّر الكبرياء الوطن؟

ترأس رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف “رتبة سجدة الصليب” لمناسبة يوم الجمعة العظيمة في كنيسة ما مارون في طرابلس.

وخلال الرتبة وبعد قراءة الأناجيل الأربعة، توجه المطران سويف الى المؤمنين، مؤكدا أن “ساعة الصليب توجت أزمنة دهرية بدأت بعد سقطة آدم الأول التي ولدت حزنا عميقا في قلب الله الخالق الآب المملوء مراحم. وبدأ على إثرها تاريخ العهد الذي دون في العهد القديم وصايا وشرائع ونبوءات على حجارة وصفحات من الوحي، وفي العهد الجديد في قلوب لحمية لمسها الحب الإلهي فانفتحت عليه وتاقت أن تتحد به لأنها آمنت بالكلمة المتجسد الذي تضامن مع بشريتنا المتألمة. تألم لأجلها وشفى جراحاتها وارتفع على الصليب ورفعها معه الى الآب وأسلم الروح فأعطاها الحياة الجديدة بالموت والقيامة”.

وأضاف: “ما أروعها ساعة، فيها يكتشف الإنسان في تاريخه الخاص أن له ساعة حيث يتحقق اللقاء وتتم الولادة الجديدة بالماء والروح ويصبح من قوافل من حملوا الصليب وشهدوا للحب الإلهي الذي يحرر البشرية من عبودية الموت”.

وتابع: “يوم الجمعة هذا، هو يوم العودة الى الفردوس الأول حيث المحبة والسلام والفرح والإنسجام الكوني، وحيث يدخل الإنسان، صورة الله ومثاله ورأس الخليقة، في الشركة والوحدة مع الخالق الذي يفيض مراحمه عليه. يسوع صلى ليلة آلامه الفصحية لأجل هذه الوحدة: “ليكونوا واحدا، كما أنا وأنت أيها الآب واحد” (يوحنا 17: 21) التي  تحققت بالصليب. وحدة دعينا للحفاظ عليها شهادة للحالة الأولى التي ولدنا فيها بالمعمودية. يوم الجمعة هذا، هو دعوة لنقرأ حياتنا أمام حقيقة الصليب الموجعة والمعزية في آن، نفحص ضميرنا، ونرجع الى عمق أعماقنا، كأفراد وكنيسة ومجتمع إنساني. فكيف نسمح بالإنقسام والتشرذم وتشويه الإنسجام الكوني من جراء الكبرياء والأنانية وحب الذات؟ ألم تفكك الأنانية العائلة والرعية والمجتمع؟ ألم يدمر الكبرياء وطنا دعي أن يكون رسالة للمحبة واللقاء والحرية ونشر قيم السلام؟”.

وقال سويف: “أمامك أيها المسيح المرفوع على الصليب، نتوق للشفاء ونتطلع للحياة الجديدة. فبنعمة الصليب نخلع ثوب آدم القديم ونتمنطق بوشاح الحياة الجديدة كأبناء الله الأحرار. أمامك أيها المصلوب، نتوب كلص اليمين ونصرخ: أن اذكرني في ملكوتك، أنت هو الحب اللامتناهي، وينبوع الغفران الذي لا ينضب. تحت أقدام الصليب، نسجد في هذا اليوم العظيم، ونسأل نعمة التواضع حتى نخدم بروح الشركة والمحبة، على مثال مريم أم الفادي. نحني أعناقنا لنرتفع الى حالة التطويبات التي لا تفهم ولا تعاش إلا إذا تمنطقنا بالإيمان وبالرجاء. فلبنان لا يسلم ولا يستقيم إلا بحكمة هذا الصليب المقدس والظافر”.

وأردف: “تعالوا في سجودنا هذا، نقدم الزهور والورود ونستعد للقيامة ونشارك في تطييب جسد الرب فنضحي رائحة المسيح الطيبة وقد مسحنا بزيت الغفران ودهنا بميرون الفرح فأصبحنا هياكل الروح ننثر شذى المسيح في المجتمع الإنساني الذي ما زال يشم رائحة الحقد والخطيئة، التي تسبب الحروب وموت الأبرياء. تعالوا نسجد أمام يسوع الحي ومعطي الحياة بصلبه وموته وقيامته. نسجد لنتذوق طعم الإنحناء وإخلاء الذات كالمسيح الذي “أطاع حتى الموت والموت على الصليب” (فيليبي 2: 8). نسجد أمام الكلمة المتأنس المرفوع على الصليب، فنتقوى بالرجاء ونتزين بالإيمان ونثبت في المحبة. نسجد في الجسد طقسيا وفي الكيان إنسانيا وفي العقل والفكر والقلب روحيا. إنه سجود كامل ومتكامل، فيه نصبح حبة حنطة (يوحنا 12: 24) تمت في الأرض وتدفن لتثمر للبشرية حياة جديدة في المسيح ملك السلام، له المجد الى الأبد”.