IMLebanon

المرتضى: الثقافة بقيت العنوانَ الصحيحَ للوجود اللبناني

رأى وزير الثقافة محمد وسام المرتضى أن “الهوية اللبنانية الحقيقية هي تلكَ الموصوفةُ بالثقافية، وهي التي حفِظَت للوطنِ ألقَه وازدهارَه بالرغم من الخضات الكثيرة التي تناوبَتْه. فلقد بقيت الثقافةُ بمختلِف وجوهها وعناصرِها العنوانَ الصحيحَ للوجود اللبناني ولدورِه في العالم والإقليم.

واضاف: “وجودٌ لم تؤثِّرْ فيه الصراعاتُ الداخليةُ ولا الاجتياحاتُ العسكرية ولا الأزماتُ الاقتصاديةُ ولا التوتُّراتُ السياسية، بل على العكسِ أثَّرَ فيها كلِّها، تأثيرًا قاد اللبنانيين إلى الانتصار تلو الانتصار عليها كافةً. ولنا في إنجازات رفيق نجم، في عزِّ الحرب دليلٌ على ما أقول. من هنا دعوتي المتكررة إلى وضع الحياة اللبنانية بأكملِها تحت فضاء الثقافة، ففيها السبيلُ الأوسعُ لإيجاد الحلول الكفيلةِ بإخراجِنا من أزماتِنا، لأنها وليدةُ الحرية وبنتُ الفكر.”

كلام الوزير المرتضى جاء رعايته حفل تكريمي للكاتب  والفنان الراحل رفيق نجم تخليدا “لذكراه وأرثه الفني والثقافي”  الذي اقيم  بالتعاون مع بلدية عاليه في قاعة جمعية الرسالة بحضور رئيس  البلدية وجدي مراد ،الاعلامي غسان جواد وحشد من الفاعاليات والشحضيات الثقافية والفنية وعائلة الراحل نجم واصدقائه .

استهل الاحتفال بالنشيد الوطني ثم كلمة الوزير المرتضى: “لم يزلْ رفيق نجم، رفيقَ النجومِ الساهرةِ في ليالي الذاكرة. لم يزَلْ ألقًا في مُقْتبَلِ ضوئِه الذي سطعَ طويلًا على المسارح والشاشات والأقلام والصفحات، قبل أن ينزوي في سكينةٍ مختارَة أقام في ظلالِها حتى ضجرَ قلبُه منها، فرحلَ كأنه لم يرحلْ، بل كَمَنْ مضى إلى ما وراءَ كواليسِ العمر، ليُعِدَّ للفنِّ خشبةً جديدةً يعرضُ عليها مسرحيةَ ما بعدَ الحياة.”

ولفت الى بدايات الراحل الفنية في ظل ازمة سياسية: “منذ أواخر سبعينيَّات القرن المنصرم، كانَ (نجيب) يسأل نفسَه قبل سؤالِه الناسَ: “بالنسبة لبكرة شو؟”؛ إذ كان همُّ الغد مستحوذًا على أبناءِ ذلك الجيل الذين تفتّح نضالُهم المعرفيُّ على حروبٍ ومدافعَ وتقطيعِ أوصالِ دروبٍ وبشر. شبابٌ، كان رفيق نجم واحدًا من أبرزِهم، وجدوا في الفنِّ منجاةً شخصيَّةً ووطنيّة، فراحوا يستبدلون بالرصاصةِ الكلمةَ، وبالدمعةِ الضِّحْكةَ وبالألم الفرح. أرادوا لهم وطنًا جميلًا مسكونًا بالشعرِ والحبِّ والسلام، على الصورة التي استنزلَها الرحابنةُ من عالمِ المثُل، أو تلك التي رسمتها أناملُ مبدعين لبنانيين، لونًا ولحنًا وحرفًا وضربةَ إزميل.فراح الراحلُ المحتفى بذكراه يبتني لمقامِه أمجادًا من ضوءٍ، في أعمالٍ مسرحية وسينمائية وتمثيلية عديدةٍ وراقية، لمعت فيها أسماء كبيرة. وظلَّ منطلقًا من ضوءٍ إلى آخر كراصدٍ أقمارًا في فضاءٍ بعيد، حتى إذا انتصفَتِ التسعينيّاتُ أرخى بيده على وجهه بُرقُعًا من خسوف، واستقالَ طوعًا… من نفسِه وشاشتِه.”

وتابع وزير الثقافة: “لَكَمْ كَثُرَ السؤال عن سببِ هذا الاحتجاب. ليس الجوابُ مهمًّا بمقدار الاعتراف بحقيقةٍ أثبتَها الزمان، أن المبدع إذا تخلى عن ضوئِه، فضوؤه لا يتخلّى عنه. هذا حدث بتمامه مع رفيق نجم الذي اختفى وهو في قمةِ العطاء، خلف ستارة المسرح وخارجَ إطار الصورة، فإذا به يظهرُ وهو في قمة الوفاء، أمام ستارة الذكرى وملْءَ إطارَ الحنين. وها هوذا الآنَ بيننا حاضرٌ برغم الغياب، كما يضوعُ العطرُ حتى حين يضيعُ الياسمين. ذلك أنه، في أعمالِه لم يبرأْ من وطنه، وفي اعتزالِه لم يتبرَّأْ منه، لذلك مهما انزوى لا يغيب.”

وقال: “يحضرني في مناسبة الذكرى اعتقادٌ ركينُ الأساسات، أن الهوية اللبنانية الحقيقية هي تلكَ الموصوفةُ بالثقافية، وهي التي حفِظَت للوطنِ ألقَه وازدهارَه بالرغم من الخضات الكثيرة التي تناوبَتْه. فلقد بقيت الثقافةُ بمختلِف وجوهها وعناصرِها العنوانَ الصحيحَ للوجود اللبناني ولدورِه في العالم والإقليم.”

وأردف: “وجودٌ لم تؤثِّرْ فيه الصراعاتُ الداخليةُ ولا الاجتياحاتُ العسكرية ولا الأزماتُ الاقتصاديةُ ولا التوتُّراتُ السياسية، بل على العكسِ أثَّرَ فيها كلِّها، تأثيرًا قاد اللبنانيين إلى الانتصار تلو الانتصار عليها كافةً. ولنا في إنجازات رفيق نجم، في عزِّ الحرب دليلٌ على ما أقول. من هنا دعوتي المتكررة إلى وضع الحياة اللبنانية بأكملِها تحت فضاء الثقافة، ففيها السبيلُ الأوسعُ لإيجاد الحلول الكفيلةِ بإخراجِنا من أزماتِنا، لأنها وليدةُ الحرية وبنتُ الفكر.”

واذ اكد المرتضى ان لبنان حاضن نجوم السماء وصانع نجوم الارض لفت الى مطلع القصيدة الشهيرة للشاعر ايليا ابو ماضي التي انشدها خلال زيارته لبنانَ بعد طول اغتراب: “وطنَ النجومِ أنا هنا” مستطردا :”كان يقصد بلفظة “نجوم” معناها المباشرَ بلا شكّ، أي هذه الكواكبَ المنثورةَ في ليل لبنان. الآن أصبح للّفظةِ معنًى مجازيٌّ يُقصَدُ به المبدعونَ الذين تألقوا في مجالاتِ الفنون. لكنَّ لبنان بقي وحده وطنًا للنجوم بالمعنيَيْن المباشرِ والمجازيّ، آمنَ بذلكَ من آمنَ وأنكرَ من أنكر، لأنه حاضن نجوم السماء وصانعُ نجوم الأرض.”

وختم :” رفيق نجم واحدٌ من هؤلاء النجوم الذين اعتنقوا الأرضَ والوطنَ والترابَ والقيم، فكان نجمًا ههنا في فضاء الإبداع، وصار بعد رحيلِه نجمًا هنالكَ في سماءِ الذاكرة. فشكرًا لبلدية عاليه ولجميع القائمين بهذا التكريم الذي يعودُ رَيْعُه الحقيقيُّ إلى الوطنِ كلِّه وشكرًا لرفيق نجم حيث يقيم، على كلِّ الجمالات التي زرعها في عيوننا وأسماعنا، شكرًا للبنان الذي سيبقى مختبرَ الفكر الحر. والسلام.”