IMLebanon

لبنان: وفي غضون ذلك… صندوق النقد الدوليّ

كتب جيرار بونسون:

ما الّذي حصل منذ السّابع من آب 2020؟ يزور الرّئيس إيمانويل ماكرون بيروت بعد يوميْن على كارثة تفجير نيترات الأمونيوم في المرفأ، تفجير حصد 224 ضحيّة وآلاف الجرحى.  وفور وصوله، واستقبال سكّان العاصمة المشوّهة والمنهكة له استقبال المنقذ، دعا فورًا إلى “إعادة تشكيل نظام سياسيّ جديد”.

وسارع الرّئيس الفرنسيّ إلى الرّد بعفويّة على ما يؤلم : الطّبقة السياسيّة، وسوء إدارتها، وفسادها.

وفي أعقاب زيارته، كان يجمع القادة اللّبنانيّين في قصر الصّنوبر لإطلاق “المبادرة الفرنسيّة”. تجلّت الفكرة بإنشاء حكومة “نظيفة” مؤلّفة من شخصيّات مستقلّة، قادرة على القيام بإصلاحات ضروريّة بغرض إخراج البلد من أزمته. إصلاحات لا غنى عنها بغية الإفراج عن 11 مليار دولار، كان مؤتمر سيدر، الّذي لا يزال يُعتبر خلاصًا ضروريًّا للبلد، قد وعد بها.

رتّب إيمانويل ماكرون الأمور. أوّلاً، إصحاح سياسيّ، ومن ثمّ إصلاحات للخروج من الأزمة.

ندرك ما جرى لاحقًا: لم تُنشأ أي حكومة مستقلّة، ولم تُجرَ أي إصلاحات. وغابت أي خطّة مقترحة.

وبعد عاميْن، بقي المسؤولون السياسيّون نفسهم في مكانهم. وتظاهر الجميع بأنّ ما حدث طبيعيّ.

إنّما، وفجأة، يتجلّى الحلّ  في صندوق النّقد الدوليّ . ألكأس المقدّسة. خشبة الخلاص الوحيدة. يتوالى قادة الغرب في التّهديد: إمّأ صندوق النّقد الدوليّ، إمّا الجوع! سياسة السبّابة المهدِّدة، رغم أنّها “العلامة التّجاريّة” لأمين عام حزب الله الّتي يفرط في استخدامها في تصريحاته المتلفزة، موجّهًا إصبع الاتّهام إلى أعدائه الحقيقيّين، أو الخياليّين.

بعد “النّظام السياسيّ الجديد”، ها هي الفوضى سيّدة الموقف في السّياسة الجديدة. من الآن فصاعدًا، يتمثّل المسار في تمرير القوانين من دون اقتراح أي خطّة حكوميّة. وهكذا، يتصرّف النوّاب في البرلمان اللّبنانيّ وفق الأحداث، ومن دون استباق أي شيء، ويُصوّت على القوانين، وتُعدّل، وتُنقض. لا يهمّ كم هي ملحّة، أو مهمّة، لأنّ الأساس بالنّسبة إلى السياسيّين هو إبهار أولياء صندوق النّقد الدوليّ الّذين، مع ذلك، لا يطالبون بالكثير من الحماسة.

تهيمن الضّبابيّة، أو متلازمة قصر النّظر السّياسيّ، على المشهد. وها هو لبنان من دون حكومة منذ 15  أيّار/مايو 2022، تاريخ الانتخابات التّشريعيّة، وما من قوّة غربيّة، أو غيرها، تأثّرت. فأين هي إذًا “إعادة صياغة السّياسات؟” هل يعجز النّظام اللّبنانيّ عن تسمية حكومة جديدة، من شأنها تنفيذ خطّة عمل؟ لا بأس، ومع ذلك نستمرّ بالتّصويت على القوانين. فوضى.

أُبرم اتّفاق تقنيّ بين لبنان وصندوق النّقد الدوليّ في نيسان/أبريل المنصرم. ينصّ القانون على تقديم قرض، (ليس هبة)، بقيمة 3 أو 4 مليار دولار، شرط القيام بالإصلاحات. وعندما يجيب البعض بأنّ المبلغ فعلاً غير كافٍ، وأنّ الحاجة هي 20 مليارًا على الأقلّ للبدء في إنعاش الاقتصاد، يصدر الجواب التّالي: إنّها البداية. توقّعون، ثمّ يليكم الشّركاء. نعم ولكن، أي شركاء؟ ألبنك الدوليّ، والمصرف المركزيّ الأوروبيّ، ودول الخليج، والولايات المتّحدة…وقّعوا أو جوعوا!

ولكن فخامة صندوق النّقد الدوليّ، عذرًا على معارضتك، لكنّ أوروبا تعجز حتّى عن تأمين التّدفئة للقاطنين فيها في موسم الشّتاء القادم بسبب أزمة الطّاقة والحرب بين روسيا وأوكرانيا. فكيف لها أن تقدّم الأموال للبنان الصّغير؟ فوضى.

فخامة صندوق النّقد الدوليّ، عذرًا على الإصرار ولكن، بالنّسبة إلى الولايات المتّحدة، يرزح لبنان تحت سيطرة حزب الله المُصنّف منظّمة إرهابيّة بالنّسبة إليها. ولن ترضى أبدًا بإعطائه فلسًا واحدًا. وقّعوا أو جوعوا. فوضى.

فخامة صندوق النّقد الدوليّ، ستعتقد أنّنا رجعيّون أنانيّون ولا نرغب بالإصلاحات، لكنّ دول الخليج ترفض التّحدّث عن لبنان، لأنّ اللّبنانيّين يمعنون في إهانتها طوال الوقت، ويهدّدون أمنها بسبب تدخّلهم في الصّراع الحاصل في اليمن. لن تعطي ولا حتّى ريالاً واحدًا. وقّعوا أو جوعوا. فوضى.

فخامة صندوق النّقد الدوليّ، حسنًا، يرفض أي كان إعطاء المال للبنان، إقراضه المال بتعبير أدقّ. وتفتقر الحكومة اللّبنانيّة المستقيلة إلى أي خطّة، إنّما حسنًا، سنصوّت على هواكم لأنّنا مولعون كلبنانيّين بالمازات الشهيّة، ولا نودّ إطلاقًا أن نجوع.

ثمّة مسألتان، لو سمحتم، قبل التّوقيع الكامل. تلزمون النوّاب على التّصويت على قوانين التّنظيم الماليّ. هل ستُطبّق هذه القوانين على مصرف حزب الله “القرض الحسن”؟ بطبيعة الحال، لا نظنّ ذلك. فالمصرف هذا قائم بالتّوازي مع النّظام المصرفيّ الّذي تودّون تصحيح أوضاعه بشدّة. ويملك قوانينه وقواعده الخاصّة الّتي تتجاهل تمامًا القانون اللّبنانيّ. ألا تخشوْن أن يهرع المال غير المضمون هذا ليحتميَ في هذا المصرف، فيصبح المصرف الأوّل في البلاد؟ وقّعوا أو جوعوا. فوضى.

قبل المجاعة الّتي تبشروننا بها، هل خطر لكم أن تشكّل “حرب الغاز” مع إسرائيل الّتي يحرّكها حزب الله مقياسًا يُؤخذ بعين الاعتبار؟ لا شكّ أنّه ليس للدّولة اللّبنانيّة أي رأي في هذه المسألة، كما في الكثير غيرها. لأنّ خسائر هذه الحرب، إن اندلعت، ستتخطّى الثّلاثة مليارات الّتي تحلمون بإقراضها للبنان بأشواط. أليس حلّ هذه المشكلة أكثر إلحاحًا؟ وقّعوا أو جوعوا. فوضى.

حسنًا، من الواضح أنّ إقناعكم مُضنٍ. وربّما تصرّون لأسباب أخرى. أهو الذّهب في لبنان؟ أم صفقة مع إيران تضع لبنان في فلكها؟ لا أحد يعلم.

على كلّ حال، يبدو أنّ… الجوع يبرّر الوسيلة.