IMLebanon

معركة رئاسة “برتقالية” من دون باسيل؟

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

لم يكن قرار فصل النائب السابق زياد أسود من «التيار الوطنيّ الحرّ» على خلفية الانتخابات النيابية، مفاجئاً، كون خطوته كانت مُنتظرة مذ إقفال صناديق الاقتراع، بانتظار التوقيت السياسي المناسب لوضعه على الطاولة. وقد باتت اللحظة مؤاتية.

في الواقع، لا يمكن فصل التطورات الحاصلة في الصفوف العونية، عن الروزنامة السياسية، وفي مقدِّم مواعيدها، الاستحقاق الرئاسي، طالما أنّ جبران باسيل لا يزال مقتنعاً أنّ حظوظه الرئاسية لم تنعدم، وأنّ الوقت قد يكون كفيلاً بإعادته إلى الحلبة مرشّحاً جدياً. ولهذا يأخذ الحراك الحزبي بعداً إضافياً.

إذ يقول المتابعون إنّ باسيل أطلق صفارة معركته الرئاسية، مع تأليف اللوائح الانتخابية خلال الاستحقاق النيابي وحين قرر توزيع بلوكات الأصوات البرتقالية التي تمون عليها مفاتيحه الحزبية، على قاعدة «قصقصة» جوانح النواب المعارضين والمنتشرين خارج عباءته، كلّ ذلك تحسّباً لما ينتظره ربطاً بموعد 31 تشرين الأول، وذلك خشية من ولادة كتلة متمردة داخل «تكتل لبنان القوي» من شأنها أن تتحكم بالخيارات الرئاسية أو أن تلقي بثقلها عليها.

على الرقعة النيابية، كانت خيارات جبران باسيل جليّة في أكثر من دائرة، في تفضيله مرشّحاً على آخر، وذلك بهدف تحجيم مرشحين ونواب، لا سيما القدامى منهم، يرى فيهم خطراً على مستقبله، فكانت سياسة توزيع الأصوات، إن لم نقل حجبها عن هؤلاء بحجة تعددية الترشيحات، ما دفع «المستهدفين» بسياسة التحجيم، إلى التعبير علناً عن اعتراضهم عما تعرّضوا له يوم 15 أيار الماضي.

بالنتيجة، نجح معظم هؤلاء ولو أنّ أرصدتهم الشعبية تقلّصت كثيراً وبلغت أدنى مستوياتها، محمّلين القيادة مسؤولية هذا التطويق المقصود، لكنهم لم يبلعوا لباسيل فعلته، وراحوا يتصرّفون معه على أساس أنّ قيادته لـ»التيار»، حزبياً وسياسياً، لم تعد رئاسية أو ملكية.

أولى المحطات الخلافية وقعت عشية انتخابات نيابة رئاسة مجلس النواب حين عرض النواب الأرثوذكس خوض الاستحقاق وعدم تركه، خصوصاً وأنّ «التكتل» يضمّ ثلاثة نواب أرثوذكس ما يحتّم عدم ترك الموقع الأبرز للطائفة، لنواب من خارج «التكتل»، إلا أنّ باسيل تصدى للطرح وعارضه بشدّة. لكن النواب «القدامى» رفضوا الرضوخ لمشيئة رئيس «التيار» وقرروا فرض المعركة كأمر واقع وخلافاً لرغبة باسيل. وهذا ما حصل.

المشهدية نفسها تكررت حين أبلغه ابراهيم كنعان نيّته بالترشح من جديد لرئاسة لجنة المال والموازنة، فكان اعتراض باسيل بحجة أنّ رئاسة اللجنة هي التي تسببت بنقمة الرأي العام تجاه النائب المتني، فكان ردّ الأخير أنّ المعركة الشرسة التي خاضها «التيار» لتأمين نجاح ادي معلوف هي التي عرّت بقية مرشحي «التيار»، وتحديداً كنعان والياس بو صعب. وكما حصل مع النائب الأرثوذكسي، تمسك النائب الماروني بخيار الترشح لرئاسة اللجنة من جديد.

ولكن ما العلاقة بين هذه الأحداث والمعركة الرئاسية؟

يقول المعنيون إنّ رئيس «التيار» لا يزال يتصرّف وفق معادلة «أنَا أو لا أحد». لا يزال يتأمّل في تقدّمه خطوة للأمام، ولهذا يقفل الباب أمام أي طرح بديل، أو اسم رديف. يرفض الخوض جدياً في امكان التفاهم مع سليمان فرنجية، وثمة من ينقل عنه «تزكيته» بعض الأسماء أو الترشيحات، كندى البستاني، من باب تقطيع الوقت أو «التسلية»، لأنه للحظة لم يقتنع أنّ فرصته انتهت.

ولكن هذه الاستراتيجية لا تلقى قبولاً من أكثر من نائب عوني، لأنّ بعضهم مقتنع أنّه لا يجوز أن يدفع «التكتل» أو «التيار» ثمن الخصومات الشخصية التي تبعد باسيل عن الرئاسة. وفق المعنيين، فإنّ الخلافات بين رئيس «التيار» ومختلف القوى السياسية، هي خلافات شخصية وليست عقائدية، بدليل أنّ عدداً من النواب العونيين تربطهم علاقات جيدة مع كلّ القوى السياسية التي «تعادي» باسيل. ولهذا يشير هؤلاء إلى أنّ رفض رئيس «التيار» تغيير استراتيجيته للانتقال من الخطة «أ» إلى الخطة «ب» سيكون بمثابة خيار انتحاريّ لأنّ انعدام فرص باسيل لا يعني أبداً أنّ المعادلة معمّمة على «التكتل» برمّته.

ولهذا يُرجح أن يشهد «تكتل لبنان القوي» حراكاً يشبه الحراك الذي عاشه يوم قرر الياس بو صعب الترشّح لنيابة رئاسة مجلس النواب، وقد يكون إلى الآن حراكاً خجولاً لكنه مرشح لأن يتزايد ويأخذ أشكالاً أكثر حضوراً بين النواب العونيين، لأنّ هؤلاء مقتنعون أنه يجب خوض معركة عدم نحرهم على مذبح شخصانية باسيل وعداواته الشخصية مع مختلف القوى السياسية، خصوصاً وأنّ أزمته الرئاسية لا تتجلى فقط في كونه مدرجاً على لوائح العقوبات الأميركية، وإنما في رفض القوى السياسية له وفي انخراطه في نظام المحاصصة لانتاج سلطة تقوم على الأزلام، بدلاً من العمل على بناء دولة المؤسسات التي هي العمود الفقري لمحاربة الفساد.