IMLebanon

الخليل: لاتخاذ قرار حاسم في تطبيق السياسات التصحيحية

أشار وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل الى أن “نسب التضخم فاقت الـ100% ونعاني من ركود اقتصادي لأكثر من 4 أعوام وعلى هذا الأساس أتت هذه الموازنة”.

وأضاف الخليل خلال مناقشة الموازنة في البرلمان: “هذه الموازنة تمثل برأينا موازنة طارئة، تهدف الى معالجة الأوضاع المعيشية الراهنة للمواطنين، لا سيما، الأوضاع الصحية والإجتماعية، كونها الأكثر إلحاحا”.

وتابع: “كما يهدف الى تأمين الإستقرار المالي والنقدي من خلال تصحيح أثر التشوهات الناتجة عن الأزمات المتتالية، وهذا ما حصل في كثير من دول العالم بداية، والتي ألحقتها في ما بعد بخطوات إصلاحية، وهكذا سيكون الحال أيضا في لبنان خلال العام 2023″.

ورأى الخليل أنّ “الإنتقاد أنها موازنة مجردة من رؤية إصلاحية، ليس إنتقادا صائبا إطلاقا، لأن التصحيح بعد الإنهيار هو أول مراحل الإصلاح”.

وأردف: “لا يخفى على المجلس الكريم، نقاط أساسية لا بد من ذكرها:

أولا – إن تدهور سعر الصرف وتعدده كبد المالية العامة خسائر كبيرة على صعيد الإيرادات، التي تراجعت من 22 في المائة كمعدل وسطي ما قبل الأزمات، الى 10 في المائة من الناتج المحلي عام 2021، في حين أن الإيرادات الداخلية تبقى المصدر الأبرز لتمويل النفقات نظرا لعدم إمكانية اللجوء الى الأسواق المالية بعد التعثر عن دفع المستحقات للجهات الدائنة.

ثانيا- أنه على أثر تدهور سعر الصرف أيضا ومع تقلص الإمكانيات التمويلية المتاحة تراجع الإنفاق العام من حوالي 30 في المائة خلال عامي 2018-2019 الى 12 في المائة من الناتج المحلي عام 2021، وبالأخص تراجع الإنفاق الأولي أي الإنفاق خارج خدمة الدين بما في ذلك رواتب وأجور ونفقات تشغيلية من معدل 20 في المائة ما قبل الأزمات المتتالية الى 9 في المائة من الناتج المحلي عام 2021، مما إنعكس سلبا على إنتاجية العمل في الإدارات العامة وقدرتها على تلبية إحتياجات المواطنين وتأمين الخدمات العامة بالشكل الأنسب.

ثالثا:إن تراجع الإنفاق الإستثماري الى مستويات متدنية جدا 0.1 في المائة من الناتج المحلي عام 2021، حال دون عملية النهوض الإقتصادي وتأمين نسب نمو وفرص عمل كافية. وعلى خلفية كل هذه التطورات، جاء مشروع موازنة 2022 لتصحيح الأوضاع المالية والمعيشية كمرحلة طارئة قبل السير بالعمل على الإصلاحات الهادفة الى التعافي المالي والإقتصادي على المدى المتوسط”.

كما استطرد قائلًا: “مرت أكثر من ثمانية أشهر على العام 2022 والموازنة لم تقر، وبالتالي فإن الواردات التي كانت مرتقبة في مشروع الموازنة للعام 2022 لن تحصل بالكامل نظرا لعدم تفعيل الإجراءات التصحيحية المرجوة في مواد الموازنة، وبما أن سعر الصرف المعتمد لإستيفاء الرسوم والضرائب في مشروع الموازنة (20.000 ل.ل. للدولار الاميركي) كان المحور الأساسي في تقدير إيرادات الموازنة عند إعدادها، أتى تعديل الإيرادات المرتقبة بعدما تعذر التوافق على السعر المقترح، آخذا بعين الإعتبار تطبيق السياسات التصحيحية خلال الأشهر الأخيرة فقط من العام وفق سعر صرف مقترح يقل عن سعر الصرف المعتمد في مشروع الموازنة. مع التأكيد أن اعتماد سعر صرف 20.000 ل.ل. كان ليخفض العجز المرتقب أقله 27 في المائة مقارنة مع اعتماد سعر الصرف المطالب بإعتماده”.

ولفت وزير المالية الى أنه “على صعيد الإنفاق ما زالت المالية حتى اليوم تصرف على قاعدة الإثني عشرية، مما يحد سقف الإنفاق لعام 2022 فيبقى المصروف الفعلي المرتقب ما دون مجمل إعتمادات مشروع الموازنة العامة، كما وأن غياب مصادر تمويلية (خارج الإيرادات الداخلية) يبقي الإنفاق المصروف محدودا، فالإمكانيات التمويلية المتاحة اليوم تحد من مستويات الإنفاق العام”.

واشار الى أنه “بناء عليه، وعلى أثر جلسات المناقشة المتتالية في لجنة المال والموازنة تم إقتراح تخفيض سقف الإنفاق في مشروع موازنة 2022 من 47.328 مليار ل.ل. الى 37.859 ل مليار ل.ل. لضبط عجز الموازنة حرصا على الإستقرار المالي والنقدي. وبالتالي فقد أصبح عجز الموازنة المرتقب حوالي 13500 مليار ل.ل. اي ما يوازي 36 في المائة من مجمل الإنفاق”.

الى ذلك، رأى الخليل أنّ “توحيد سعر الصرف على صعيد الإقتصاد الكلي، يبقى هو ركيزة سياسة التعافي والإستقرار، واعتماد أسعار صرف متقاربة، لجهة تحصيل الإيرادات والإنفاق يصب في هذا الإطار ويضمن ضبط العجز المالي. فإن استيفاء الرسوم والضرائب على أسعار صرف تتقارب من منصة صيرفة هو الخيار الوحيد المرجو، لإن اعتماد أسعار صرف ما دون ذلك لتحصيل الواردات، في حين أن الخزينة غالبا ما تنفق على أسعار صرف صيرفة وما فوق، تؤدي الى فجوة في التمويل مما يشكل ضغوطات متفاقمة على الوضع النقدي ومن ثم على الأوضاع المعيشية في البلاد”.

وأوضح: “على سبيل المثال، فإن الدولة تنفق اليوم على أسعار صرف صيرفة وأسعار صرف السوق بالنسبة للإشتراكات والمساهمات في المنظمات الدولية وتسديد خدمة الدين العام في العملات الأجنبية بالنسبة للقروض الميسرة كما لتغطية شراء المحروقات وغيرها من المواد والمستلزمات التشغيلية، بينما لا تزال تحصل الإيرادات على سعر صرف 1500 ل.ل”.

وشدد على أنّ “توحيد سعر الصرف يساهم في الحد من اللامساواة الإجتماعية الناتجة عن تعددية أسعار الصرف وعن إغتناء شريحة من المجتمع على حساب غيرها، فتأتي السياسات التصحيحية الضريبية للحد من التهرب وتعزيز الإلتزام الضريبي وإعادة توزيع الدخل من الشرائح المستفيدة من الوضع الحالي نحو الشرائح المهمشة، ما يؤمن التوازن والعدالة الإجتماعية، ركيزة الأمان الإجتماعي”.

كما رأى أنّ “من الإجراءات التصحيحية في مشروع الموازنة، وقد تكون أهمها لناحية تحصيل إيرادات إضافية من غير ذوي الدخل المتوسط والمحدود، تلك المتعلقة بإعادة تقييم قاعدة استيفاء جميع الضرائب والرسوم ومنها الإستيراد أو ما يعرف بالدولار الجمركي الذي سيحد من التهرب الضريبي والبيع في السوق غير الشرعية ويزيد من مداخيل الدولة ويسهم في تغطية عجزها، إضافة إلى دعم القطاعات الإنتاجية لا سيما قطاعي الزراعة والصناعة في لبنان”.

واعتبر أنّه “قد يكون الهدف الأساسي من وراء شيطنة ما يعرف بالدولار الجمركي الذي يمثل خطوة تصحيحية هو إلغاؤه بهدف المحافظة على مصالح المستفيدين من الإبقاء على إعتماد سعر الصرف الرسمي، وذلك على حساب خزينة الدولة التي هي بأمس الحاجة لمداخيل إضافية للإنفاق على تأمين العطاءات الإجتماعية والخدمات العامة للمجتمع بأكمله”.

وأكد الخليل أنّ “تطبيق الدولار الجمركي على الأسعار يبقى محدودا لا سيما في ما يخص غالبية السلع الإستهلاكية الأساسية حيث أن معظمها (أي أكثر من 50%) معفى من الرسوم الجمركية بإستثناء تلك التي يقابلها صناعة محلية أو زراعة وطنية منافسة بهدف حمايتها، ويبقى معدل إرتفاع الأسعار (وهو مقدر أن لا يتجاوز الـ 5%)، متواضعا مقارنة مع المخاطر الناجمة عن عدم تطبيقه وغيره من السياسات التصحيحية. فإن تدهور سعر الصرف الناتج عن أي خلل مالي يفاقم نسب التضخم وينعكس ارتفاعا أكبر في الأسعار”.

وشدد وزير المالية على أننا “بحاجة لإتخاذ قرار حاسم تجاه السير في تطبيق السياسات التصحيحية، ولا سيما الدولار الجمركي كونها جميعها تصب في عملية التعافي والنهوض الإقتصادي ليس فقط من جهة ضبط العجز المالي، بل أيضا من جهة أثرها الإيجابي على الوضع النقدي والإقتصادي وتفعيل الإلتزام الضريبي لأن الحد من التهرب الضريبي عبر اكتشاف المكتومين والحد من استغلال الثغرات القانونية والتطبيقية سوف يؤدي حتما الى زيادة الإيرادات الضريبية دون فرض ضرائب جديدة أو زيادة معدلات ضريبية، مما يسهم في توفير فرص عمل متكافئة وتقليص العجز في الميزان التجاري وبالتالي، ينعكس إيجابا على ميزان المدفوعات”.

ولفت الى أنّ “الوصول الى الإتفاق مع صندوق النقد الدولي على مستوى الموظفين Staff level Agreement كان خطوة مهمة، فالإتفاق لا ينص فقط على سياسات إصلاحية هيكلية على الصعيد المالي النقدي، المصرفي، المؤسساتي والإجتماعي بل ايضا له أبعاد جوهرية من شأنها أن تساهم في إعادة الثقة بلبنان وأن تعطي حافزا ايجابيا لإعادة احتضانه مجددا من قبل جميع الدول المانحة. ومن أهم مندرجات هذا الاتفاق، إقرار موازنة 2022”.

وبيّن أنّ “مشروع موازنة 2022 التصحيحية سوف يتكامل مع مشروع موازنة عام 2023 الذي سيكون منسجما مع خطة التعافي الإقتصادي التي تبنتها الحكومة في شهر أيار 2022، والذي سيأخذ بالإقتراحات المناسبة، وأهمها:

1 – توحيد سعر الصرف: الذي يهدف الى تصحيح الخلل المالي، تفعيل الإلتزام الضريبي، تعزيز الواردات، إستقرار الوضع النقدي، وضمان العدالة الإجتماعية.

2 – إجراءات إصلاحية: منها إعتماد السياسات الضريبية العادلة والتي تهدف الى تعزيز الإيرادات على المدى المتوسط دون تحميل أعباء إضافية على ذوي الدخل المحدود، وعلى البحث عن موارد جديدة غير مستغلة لتاريخه، كما تعمل على وضع إجراءات لتفعيل الجباية وتمكين الإدارة الضريبية.

3- تصحيح الأجور: الذي يعتبر من أهم أولويات الإصلاحات المرجوة في المرحلة المقبلة، حيث تراجح الإنفاق على الرواتب والأجور من 12 في المائة من الناتج المحلي قبل الأزمة الى 5 في المائة في العام 2021، ولكن، من الجدير ذكره أنه ورغم الحاجة الملحة لتعويض القدرة الشرائية وتفعيل الإنتاجية لتأمين الخدمات العامة للمواطنين كافة، الا أن أي تصحيح للأجور يجب أن يترافق مع خطة إصلاحية كاملة متكاملة على المدى المتوسط الأمد، تتطلب مسحا شاملا للوظائف في القطاع العام بكافة أسلاكه، وإعادة النظر بأسس التوظيف والتقاعد والتعويضات.

واشار الى أنه “بالخلاصة يبقى الهدف الأساسي تقليص مستويات العجز بهدف احتواء الحاجات التمويلية وتخفيض نسب الدين العام لسلامة الوضع المالي والنقدي على المدى القريب والمدى المتوسط”.

وختم الخليل: “إن إقرار مشروع الموازنة يهدف الى إعادة إرساء أسس العمل المؤسساتي وسلامة المالية العامة وضمانتهما، كما وهو اليوم أيضا من أبرز الشروط المسبقة للإتفاق مع صندوق النقد الدولي، والأهم أن إقرار مشروع الموازنة يساهم في تعزيز ثقة المواطن والمجتمع الدولي في عزيمة الدولة بالبدء بالإصلاحات المرجوة والنهوض بالإقتصاد بهدف البدء في الخروج من الأزمة”.

وفي هذا الاطار، تمنّى الخليل من “المجلس الكريم البت بالمواد التصحيحية والاصلاحية المعلقة في مشروع الموازنة كما أحيل الى مجلس النواب لأبعادها المالية والإقتصادية”.