IMLebanon

المرتضى: لبث الوعي

اعتبر وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى، ان “شمس الحداثة سطعت من عندنا في كلِّ اتّجاهٍ مشرقي، وستبقى تسطع مهما تلبّدت في مسيرها غيومُ الأزمات، ذلك أننا قادرون دائمًا وببساطةٍ على ابتكار حلولٍ لأي معضلة تُلمُّ بنا”.

وقال: “إنَّ وعيَنا لأيِّ واقعٍ هو العتبةُ الأولى لتحصين هذا الواقع إن كان جيِّدًا أو تعديله إن كان سيئًا؛ وإن الثقافةَ هي بوابة تلك العتبة المؤدية إلى التحصين أو التعديل”.

كلام الوزير المرتضى جاء خلال رعايته الاحتفال الثاني الخاص بالفنان المسرحي نبيه ابو الحسن “اخوت شانيه” بدعوة من لجنة احياء تراث اعلام المتن الأعلى في بتخنيه، في حضور نقيب الممثلين في لبنان نعمة بدوي، نقيب الفنانين المحترفين جورج شلهوب والنقيب السابق جهاد الأطرش وحشد من المسرحيين والفنانين وفاعليات بتخنيه والجوار.

وتابع وزير الثقافة: “على بوابة السنة الثلاثينَ لرحيله، نصعدُ من الساحلِ حيثُ أُسْقِطَ جسدُه، إلى المتن الأعلى حيث مسقِطُ رأسه، نحمل معنا أعوامَ الغياب أكاليلَ زهرٍ وقواريرَ عطرٍ نسكبُها على ذكراه، لتفوحَ كخشبةِ مسرحٍ ،كان يَطلُّ منها بكاملِ عقله على جنون الحرب. أخوت شانيه الذي تقمَّصَه تمثيلًا نبيه أبو الحسن ليس في حقيقته سوى تعبيرٍ مسرحيٍّ عن فكرةِ ترويضِ الصعبِ بالبساطة. فإن الآدابَ العالمية، والعربيَّ منها تخصيصًا، زَخَرَتْ بأخبارٍ عن بُسطاءَ تجري على أفواههم حِكَمٌ بليغةٌ أو حلولٌ سهلةٌ لمسائل معقدة، كأنها “مغَطّاةٌ بقشّةٍ” كما يقولُ لسانُنا الشعبي. هذه الظاهرةُ الاجتماعيةُ المتماديةُ الحضورِ في كلِّ العصور، استثمرَها نبيه أبو الحسن فنيًّا كما ولا أحد، وبرع فيها حتى النهايات، فكرةً وتمثيلًا وإخراجًا وتنوعَ حكايات، وقدم للجماهير صورة صادقةً عن الواقع الذي يبدو معقدًا، لكن حلولَه موجودةٌ في المستطاع، سهلةُ المتَناوَل”.

وأضاف: ”على الرُغم من أن رحلته الفنيَّة بدأت باكرًا، فإن مرحلةً مهمةً منها كانت إبّان الحرب، فكانت شخصية أخوت شانيه من أكثر الأساليب المسرحية فاعليةً في الجمهور، وكانت الكوميديا التي تتضمن رسالة اجتماعية أو سياسية ما، من أفضل المنابر لمعالجة الآلام المستشرية في جسد الوطن. فاستعانَ بها نبيه أبو الحسن ليقول للمواطنين الأبرياء العالقين حينذاك بين لعلعةِ الرصاص ودويِّ القنابل: نحن في نارٍ تُطفئُها ضحكةٌ، نحن في جنونٍ يَشفيه أخوَتُ سلام. ​وإنه لَمِنَ الإنصاف ألّا ينسى أحدٌ شركاءَ نبيه أبو الحسن في أعماله، ولا سائرَ الفنانين اللبنانيين الذينَ كتبت أعمالًهم على خشباتِ المسارحِ وشاشات السينما والتلفزيون، كتابَ الإبداع اللبناني الذي قرأ فيه الشرقُ كلُّه، واقتفى حروفَه صفحةً صفحةً، على امتداد عقودٍ طويلةٍ من عمر النهضة العربية.”

وأردف: “نعم أيها الأحبّة، من عندِنا سطعت شمسُ الحداثةِ في كلِّ اتّجاهٍ مشرقي، وستبقى تسطع مهما تلبّدت في مسيرها غيومُ الأزمات، ذلك أننا قادرون دائمًا وببساطةٍ على ابتكار حلولٍ لأي معضلة تُلمُّ بنا. أَوَليس هذا ما فعلَه نبيه أبو الحسن تمثيلًا على خشبة مسرحه؟.”

ولفت إلى أنه “منذ أن توليتُ وَزارة الثقافة جعلتُ لدورِها عنوانًا هو “بثُّ الوعي”. وحرِصْتُ على الرعاية الدائمة والحضور شخصيًّا ما أمكن في المناسبات الثقافية، حيثما أُقيمَت في أرضِ الوطن، لأقول عبر الخطاب والرعاية والحضور، إنَّ وعيَنا لأيِّ واقعٍ هو العتبةُ الأولى لتحصين هذا الواقع إن كان جيِّدًا أو تعديله إن كان سيئًا؛ وإن الثقافةَ هي بوابة تلك العتبة المؤدية إلى التحصين أو التعديل. كان الأمرُ إعلانًا صريحًا بأن قطاع الثقافة الرسميّ موجودٌ قرب الناسِ، في منتدياتِهم ونشاطاتِهم؛ وهو يدعو الجميع إلى اعتماد الفكر سبيلًا لأي حوار، وطرحِ العصبيات المدمرة خارج نطاق عيشنا الوطني. ولهذا فإننا، حين نكرم مبدعين أحياء، أو نقيم ذكرى من رحلوا ولو منذ سنين طويلة، كما نفعل اليوم، فلكي نؤكد أنَّ ما أنجزه كلٌّ في مجاله الثقافي، هو القدوةُ التي يجب أن نتَّبِعَها، لننجوَ مما نحن فيه من مصاعب وأزمات”.

واذ أكد اهمية “بث الوعي وتعميمه عبر السمات الثقافية”، قال: “نبيه أبو الحسن الذي نقيم اليومَ ذكراهُ، كان العبقري الذي استشعر أن الناس لعلها دخلت في حالة ملل من تنظير العقلاء فتقمّص شخصية ” الأخوت” ليشدّ انتباهها وليُعبّر عن فعل التغيير بالنصِّ المسرحيِّ والحركةِ والصوتِ على المسرح، والضِحكةِ التي ينفجرُ بها المشاهدون. وهذه السمات وسواها من السماتِ الثقافيةِ الراقية التي تختزنُها الفنونُ والعلومُ والآدابُ هي التي تجسدُ فعلَ الوعي الذي ننادي ببثه وتعميمه في لبنان.”

​وختم المرتضى: “رحم الله مبدعَنا الكبير الذي سيظلُّ حاضرًا في ضمير الفن اللبناني الأصيل، وعشتم وعاشت الثقافة وعاش لبنان”.