IMLebanon

قضمٌ استراتيجي للأراضي… والدولة الغائب الأبرز!

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

إنتقل مسلسل التعديات على المشاعات العامة والأملاك الخاصة من لاسا وأفقا والعاقورة، إلى عكار. وإن بوتيرة متفاوتة. وسط غياب الدولة عن إستكمال أعمال المساحة والتحديد، وعدم حزمها في تطبيق القانون، وفي وضع حدٍّ للتعديات العقارية وتمدد هيمنة قوى «الأمر الواقع» من العشائر التي تدور في فلك «حزب الله» على مواقع استراتيجيّة، كالمشاعات في جرد جبيل ومنابع المياه في أفقا، وصولاً إلى سفوح عندقت، المشرفة على العديد من البلدات في عكار، والمخطط لها أن تحتضن مشاريع توليد الطاقة من الرياح.

ومع تنوّع التعديات بين منطقة وأخرى، من تحويل أذونات «رعي المواشي» القديمة إلى امتداد جغرافي لأبناء بعلبك والهرمل، إلى استصلاح أراضٍ أخرى وتحويلها إلى زراعية ووضع اليدّ عليها؛ فبناء مدافن؛ وصولاً إلى الحصول على رخص بناء في عقارات محددة وتنفيذها في مشاعاتٍ ملاصقة… ليشكل القاسم المشترك بين غالبية المعتدين، إنتماءهم الى عشائر تستمد فائض قوتها من «حزب الله» وسلاحه المتفلت في الداخل.

وهذا ما أجج الخلاف على الحدود الفاصلة بين الهرمل وعكار، حيث تعمّد أحد أفراد عشيرة «بيت جعفر»، بعد الترخيص لإنشاء منزل له في «الرويمة» التابعة عقارياً لبلدة كفرتون، تشييد منزله على بعد أمتار من أرضه، متعدياً على الأملاك التابعة لبلدة عندقت في عكار، ما أثار إعتراض اهالي عندقت الذين رفعوا إعتراضهم إلى الشيخ أبو علي ياسين جعفر الذي طلب الإحتكام إلى القانون لحل النزاع العقاري.

ويوضح المختار جوزيف عماد لـ «نداء الوطن»، أنه على أثر زيارة «الجيران» والتباحث في كيفية وضع حدّ للتعديات، جاء طلب شيخ العشيرة أبو علي ياسين جعفر، اللجوء إلى القضاء للبتّ في الخلافات العقارية، لافتاً إلى أنه بعد إعتماد الأصول القانونية المرعية الإجراء، أصدر المدعي العام المالي القاضي على ابراهيم قراراً بهدم المنزل المخالف في صيف 2021، القرار الذي لم ينفذّ جرّاء تلكؤ البلدية بمؤازرة القوة الأمنية في تنفيذه بما يضمن الحفاظ على مشاعات البلدة.

ومع تأكيد عماد على أن الحجج التي في حوزتهم تؤكد أن «مقلب المياه» يشكل الحدّ الفاصل بين أراضي البلدتين شرقاً وغرباً، يشير إلى ان مساعي الطرف الأخر للإطاحة بالحجج الموجودة والسعي إلى مسح الأراضي والمشاعات المتنازع عليها لصالحه يؤدي إلى تفاقم الخلاف أكثر بين الأهالي، ويفقد عندقت جزءاً من العائدات المخصصة لها بدل إيجار الأراضي لتركيب مراوح توليد الطاقة والذي يقارب الـ 30 ألف دولار سنوياً عن كل مروحة.

ولا يخفي المختار إمتعاضه من دور بلدية عندقت وغيابها عن اتخاذ الإجراءات المطلوبة للحدّ من التعديات المتمادية على أراضي البلدة وثروتها الحرجية، يؤكد رفض رئيسها تقديم أي شكوى بحق المعتدين من «بيت جعفر» على مشاعات البلدة، وصولاً إلى مواجهة اهالي بلدته بالقول للمخاتير: «إنتو تشكّوا… ولمّا يعمّر البيت بشتري منو!!». وفي السياق، يؤكّد رئيس بلدية عندقت عمر مسعود لـ «نداء الوطن»، أن البناء الذي يتم تشييده يشكل تعدياً على أملاك البلدة، وفق المساح الذي أرسلته البلدية، مؤكداً الإستعداد لشراء المنزل في حال ارتضى صاحبه ذلك، موضحاً موقف البلدية الرافض لمؤازرة القوى الأمنية في عملية ازالة المخالفة عبر الهدم، بأنه أتى جرّاء «وجود قرار بلدي بحلّ الخلاف حبياً وعبر الأطر السلمية مع الجيران»، تجنباً لحصول «مجزرة فوق، وفتنة، ودمّ، ما بيخلص بعشرات السنين»، مضيفاً: «خلّي القاضي إبراهيم ياخذ قرار الهدم وأنا شو بدي فيهم!».

ويلفت مسعود إلى أن المشاكل العقارية تطال غالبيّة حدود بلدة عندقت، نظراً إلى نطاقها الجغرافي الكبير، الذي يحول دون إيلاء الإهتمام الكبير بالأطراف البعيدة عن أماكن السكن، ما يفسح المجال أمام الآخرين للتعدي على الأراضي التابعة للبلدة، بطريقة أو بأخرى، ومنها البناء الذي يشيده أحد أفراد عشيرة بيت جعفر على حدود البلدة، إلى جانب التعدي على المشاعات والأملاك الخاصة، كما الأراضي التابعة للكنيسة، داعياً إلى إستكمال أعمال المساحة والتحديد التي تخضع لها عندقت منذ 2007، التي تلزم الطرف الأخر بعدم التعدي على اراضي البلدة، واللجوء إلى المحكمة العقارية في طرابلس للبت في النزاعات العقارية القائمة على جميع الأراضي العامة والخاصة، بعيداً عن الأمور الميليشياوية واستخدام السلاح لحلّ الخلافات القائمة، مضيفاً: «مش عيب في العام 2022 يكون في مناطق غير ممسوحة؟»، ويضيف: «ملايين الأمتار إنسرقت وتم وضع اليد عليها وتملكها خلافاً للقانون!». توجه البلدية إلى حل الخلاف بما يرضي الطرفين وبعيداً عن تقديم دعوى قضائية ومواكبة الأهالي الداعين الى تنفيذ القرار القضائي وإزالة المخالفة، إرتدّ شرخاً كبيراً بين أبناء البلدة، ما دفع المطرانية إلى تشكيل لجنة برئاسة المونسنيور الياس جرجس للتوفيق بين أهالي البلدة، ومتابعة حلّ التعديات العقارية مع المعنيين، والتي حملت قضيتها إلى البطريرك الراعي يوم الثلاثاء الماضي.

وإن كان الخلاف عقارياً محلياً، فأبعاده السياسيّة تتخطى الإطار الجغرافي المتنازع عليه، مع إعلان الشيخ أبو علي ياسين جعفر في إطلالاته الاعلامية أن «الجغرافيا تغيّرت»، محاولاً فرض موازين قوى جديدة على ارض الواقع. ويوضح النائب السابق العميد وهبة قاطيشا لـ «نداء الوطن» أن التعديات الحاصلة تأتي في سياق التمدد العقاري على حساب القرى المجاورة والحصول على عقارات تابعة لبلدة عندقت تخولهم الكشف على الجهة الأخرى لحدودهم والتي تشمل عندقت والقرى المجاورة، مؤكداً حصول تعدٍ صارخ على المشاع في عندقت بعد التعديات على مشاعات القبيات ايضاً. وعن اللجوء إلى البطريرك لحل الإشكالات العقارية عبر المفاوضات وبالطرق الحبيّة، إعتبر قاطيشا أن هدف البطريركية عدم التسبب في تفاقم المشاكل بين الأهالي، متسائلاً في الوقت نفسه عن مصير التعديات على أراضي الكنيسة في لاسا والتي أصبحت أمراً واقعاً من دون القيام بإزالتها، مؤكداً أن المخالفات والتعديات التي تتم على المشاعات والعقارات المملوكة من قبل أبناء البلدة والتي لا يتم التراجع عنها، تفتح الباب للقيام بتعديات أخرى، داعياً إلى الإحتكام للقانون وتطبيقه وإزالة التعديات عوض الذهاب في مفاوضات جانبيّة و»بوس لحى» تثبّت خسارة المزيد من المشاعات والأراضي التابعة للبلدة، وتعكس إنهزاماً متمادياً أمام المعتدين.

كذلك، يشدد النائب السابق الدكتور فارس سعيد المواكب بدقة لملف النزاع العقاري في جرد جبيل والإعتداء المتمادي على أراضي الكنيسة في لاسا وأفقا كما على المشاعات في الجرود والعاقورة تحديداً، على أهمية تطبيق القانون واستكمال أعمال المساحة والتحديد على جميع الأراضي اللبنانية، مجدداً موقفه الرافض للمفاوضات منذ قيام وزير الداخلية السابق العميد مروان شربل بمبادرة بهدف التوصل إلى حلول مرضية مع المعتدين على أراضي الكنيسة في لاسا، كما المفاوضات التي قامت بها بكركي مع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى حول موضوع العقارات التي يتمّ الإعتداء عليها، وصولاً إلى الحوار الذي قام به الرئيس نبيه بري مع نواب جبيل – كسروان المنتخبين في العام 2018، والتي أكدت في غالبيتها أن ما تم الإعتداء عليه أصبح واقعاً، ولننطلق في صفحة جديدة لإستكمال اعمال المساحة والتحديد. ومع تأكيد سعيد أن الحلّ الوحيد يكمن في تنفيذ القانون واستكمال اعمال المساحة والتحديد في جميع المناطق غير الممسوحة، أشار إلى رفض الطرف الآخر اللجوء إلى القانون والإعتراف حتى بأعمال المساحة التي حصلت في الجمهورية الأولى، والتي يراد الإطاحة بها لأنها وفق منظورهم أعطت أرجحية لطرفٍ على حساب طرف آخر، مؤكداً أن النجاح في تكريس أمرٍ واقعٍ في إطار جغرافي معيّن يفتح الباب أمام تكريسٍ للتعديات على كافة الأراضي اللبنانية، لافتاً إلى أن التلاعب في الإستقرار العقاري من خلال وضع يد على العقارات غير الممسوحة وغير المحددة، كما الممسوحة والمحددة، بحكم القوة وخارج القانون، سيؤدي إلى حالة من عدم الإستقرار في لبنان تفوق بأضعاف التبعات الناتجة عن عدم الإستقرار النقدي والمالي، ليختم مؤكداً أن اللجوء إلى مفاوضات المعتدين على الأراضي يشكل خضوعاً للإبتزاز المتعمد من قبل قوى الأمر الواقع.