IMLebanon

“القوات” في الجامعات “قلاع وحصون”… والعونيون يندثرون

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

لا بدّ من مراقبة الحركة الشبابية في كلّ البلدان لمعرفة نبض الشارع واتجاهات الرأي العام، في حين أن لبنان شهد منذ خمسينات وستينات القرن الماضي حركة طالبية لافتة في ظل الإنقسام بين الشرق والغرب واليمين واليسار ودخول العامل الفلسطيني على الخطّ وتفجيره الوضع منذ هزيمة 1967 العربية.

يعيش لبنان وسط انهيار شامل وأزمة سياسية لا يعرف أحد متى تنتهي، وفي ظل هذا التخبط القائم جرت الإنتخابات الطلابية في معظم الجامعات ذات الطابع المسيحي، بعضهم من رأى فيها مضيعة للوقت، وآخرون أكّدوا ضرورة إجرائها لعدّة أسباب أبرزها أنّ الإصلاح السياسي وممارسة الديمقراطية يبدأن من الجامعات لينتقلا إلى الحياة العامة، في حين أن الإتكال هو على الشباب بشكل أساسي لإنقاذ المجتمع من الظلمة والفساد، وبالتالي فإن انخراط الشباب في الحياة السياسية يعني تحمّلهم المسؤولية الوطنية باكراً.

أهمية الجامعات

لا شكّ أن الإنتخابات الجامعية مهمة، لكن منذ نهاية الحرب الأهلية كانت للإنتخابات في الجامعات ذات الأغلبية المسيحية نكهتها، والسبب الأساسي هو أنها شكّلت المسرح الأول لمناهضة الإحتلال السوري واطلاق شعار «سيادة، حرية، إستقلال».

بعد خروج جيش الإحتلال السوري العام 2005 وعودة كل من العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع إلى الحياة السياسية والسماح للأحزاب والتيارات المسيحية بالعمل السياسي بحرية، شكّلت تلك الجامعات مسرحاً للصراعات المسيحية وانعكاساً لها، ولم يخل الأمر من بعض الإشكالات المتنقلة بين الطلاب.

والجدير ذكره أنّ النتائج كانت مكان أخذ وردّ بين «القوات» و»التيار الوطني الحرّ» خصوصاً في الجامعة اليسوعية التي تعتبر الصرح التربوي المسيحي الأكبر في لبنان والشرق. لكن بعد 17 تشرين 2019، دخلت قوة جديدة إلى الجامعات والحياة السياسية اللبنانية وهي «التغييريون» أو «المستقلون» أو «العلمانيون»، وراحت تنتشر وتتوسّع، في وقت كانت موجة «شيطنة» الأحزاب والتيارات سائدة تحت شعار «كلن يعني كلن».

الأرقام تتكلم

جرت انتخابات 2022 الجامعية في 3 جامعات مسيحية أساسية وهي: جامعة «سيدة اللويزة»، «الجامعة اليسوعية»، وLAU جبيل، وأتت النتائج لتثبت تقدّم «القوات اللبنانية» وتصاعد نجمها في البنية الشبابية المسيحية بفضل مصلحة الطلاب التي يقودها عبدو عماد ومتابعة الحزب بنوابه وكوادره ورئيسه الحركة الطالبية.

وفي سياق شرح الأرقام يتبيّن الآتي:

فقد اكتسحت «القوات» مقاعد «اللويزة» ونالت 24 مقعداً من أصل 26 أي ما نسبته 92 في المئة من مقاعد الهيئة الطالبية في الجامعة التي بنتها الرهبنة المريمية المارونية خلال الحرب للتوفير على الطلاب المسيحيين معاناة التوجّه إلى «بيروت الغربية» لتحصيل تعليمهم في الجامعة الأميركية وتحديداً لمن يفضل اللغة الأنكليزية، ونال حزب «الكتائب» المقعدين المتبقيين في حين اندثر وجود «التيار الوطني الحر» ونال مع حلفائه «صفر مقاعد».

وفي قراءة للأرقام التي سجّلتها «الجامعة اليسوعية»، فقد نال حزب «القوات» منفرداً 1900 صوت وحصد 85 مقعداً، بينما حصل كل من «التيار الوطني الحرّ» و»حزب الله» وحركة «امل» وأحزاب 8 آذار على 1219 صوتاً (37 مقعداً)، ولم تتخط حصّة المستقلين الـ657 صوتاً (31 مقعداً)، ونالت مجموعة «طالب» 433 صوتاً (77 مقعداً)، أما الكتائب فلم تتجاوز الـ177 صوتاً (8 مقاعد). وهذا يظهر إتجاه التصويت لدى الغالبية الشبابية المسيحية، في حين ان التفاوت في حجم المقاعد هو بسبب وجود كليات كبيرة وأخرى متوسطة وصغيرة.

ومن جهة ثانية، فان مسار الأمور يكشف التقدّم الواضح الذي يحرزه حزب «القوات» في «اليسوعية». فقد نال في العام 2020، 24 مقعداً، وتضاعف هذا الرقم في انتخابات 2021 ووصل إلى 49 مقعداً، ليحرز التقدّم الكبير هذا العام حيث فاز بـ85 مقعداً.

أما بالنسبة إلى نتائج جامعة LAU جبيل، فقد نالت «القوّات» 13 مقعداً مقابل 4 لـ»التيار الوطني الحر».

بالنتيجة، يظهر أنّ «القوات» نالت في الجامعات الثلاث المذكورة أعلاه، لوحدها وبقوتها 122 مقعداً، في حين أن «التيار الوطني الحر» مع «حزب الله» وحلفائهما نالوا 41 مقعداً فقط، في وقت يتوقع أن يستكمل مسلسل إنتصارات «القوات» في جامعة الحكمة إن جرت الإنتخابات.

رسم للمستقبل المسيحي!

هذا في النتائج والأرقام، أما في الإسقاط السياسي، فيظهر جلياً أن هناك قوة مسيحية تتقدّم داخل صفوف الطلاب وسط حملات التخوين وضرب صورة الأحزاب وهي «القوات اللبنانية»، في وقت يسجل «التيار العوني» تراجعاً رهيباً ويلاحظ أنّ الضياع والتضعضع يتحكّمان بصفوف المستقلين الذين أحدثوا «تسونامي» في الجامعات خلال انتخابات 2020 والذين خاضوا المعركة تحت اسم «النادي العلماني»، وهذا الأمر يدل إلى اتجاه الرأي العام الشبابي عموماً والمسيحي خصوصاً الذي يتطلع إلى قيادة تترجم تطلعاته وتجيب على مخاوفه وليس قيادات مبعثرة هدفها الإستعراض.

وفي السياق، يشرح رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» السابق كريم بقرادوني والذي تسلّم رئاسة مصلحة طلاب الكتائب بين أعوام 1968 و1970 بعد انتخابات 1968 الشهيرة التي فاز فيها «الحلف» على «النهج»، التغيير في البنية المسيحية، ويؤكّد لـ»نداء الوطن» أهمية الحركة الطلابية وأنّ الحزب الذي تترهل مصلحة طلابه يندثر في حين أن وجود مصلحة قوية قد تنقذ أي حزب من الشيخوخة، لذلك هي الممرّ الأول للقيادة السياسية.

يسترجع بقرادوني الذي عايش مراحل تاريخية، تجربته مع رئيس حزب «القوات» سمير جعجع و»القوات»، ويعتبر أن هذه النتيجة لم تفاجئه لأنه يعرف جيداً جعجع، فهو من الاشخاص القلائل المنظمين الذين يهتمون بتفاصيل التفاصيل، وهو يتفرّغ لتنظيم حزبه وبات لديه حزب «حديدي» يشبه «الكتائب» في زمن العز، لذلك فإنه يتكل على قاعدة شبابية ويجذب الشباب إلى صفوف «القوات».

وفي تفنيد علمي، يعتبر بقرادوني أن انتخابات 2022 النيابية بدّلت المعادلة في البيئة المسيحية، حيث صعد حزب «القوات» من 5 نواب في إنتخابات 2005 إلى 19 نائباً، فيما هناك تراجع مستمر لـ»التيار»، ونتائج الإنتخابات النيابية والجامعية الحالية تظهر أنّ جعجع أصبح الرقم الأول في المجتمع المسيحي و»التيار» ثانياً وهذا أمر ليس سهلاً بحسب بقرادوني.

لماذا «القوات»؟

وإذا كان الجميع يتفق على أنّ المجتمع المسيحي تواق إلى التغيير، وبالتالي يجب أن يصبّ لمصلحة «التغييريين» أو «المستقلين»، فلماذا تصاعد نجم «القوات»؟

يعتبر كريم بقرادوني أن هناك أموراً تجعل «القوات» أشد قوة، أولها خيبة أمل الشباب من «ثورة 17 تشرين»، عندها إما يعتكفون أو يرون الأنسب، لذلك فقد جذبت «القوات» في هذه المرحلة الشباب المسيحي، أما السبب الثاني بحسب بقرادوني، فعدم رغبتها بأن يكون لديها قيادة موحدة وهذه أهم أخطاء «الثورة»، وهذا ما أدى إلى احباط الرأي العام مقابل ظهور حزب متماسك كـ»القوات» ببنية حديدية حيث يعطي رئيسه الإهتمام الكافي لشبابه ولديه خطاب سياسي واضح.

ومن جهة اخرى، يشدّد على أن رفع شعار «كلن يعني كلن» وتشظي «التغييريين» وخوضهم معارك ضدّ بعضهم البعض، كلها عوامل أدت إلى ابتعاد الشباب عنهم ومنحهم أصواتهم لـ»القوات».

لا شكّ ان الإنتخابات ترسم المستقبل، لذلك يرى بقرادوني أن كلّ هذه الإستحقاقات أدت إلى حلول «القوات» الأولى، وهذا مسار سيكمل في السنوات العشر المقبلة وسط تراجع «التيار الوطني الحر» وخلافات «التغييريين» وعدم قدرة حزب «الكتائب» على العودة إلى الساحة وفرض حضوره كما كان، في وقت تستمر «القوات» بخرق كل الطبقات المسيحية وعدم الإكتفاء بقاعدة الطبقات الفقيرة والوسطى ومجموعات الأطراف.

«المصلحة الدينامو»وإذا كان بقرادوني يعتبر أنّ معمودية رجل السياسة تمرّ بمصلحة الطلاب، فإن مصلحة طلاب «القوات» تفرز الكوادر، وفي هذا المجال يبرز النائب سعيد الأسمر الذي تخرّج من صفوف مصلحة طلاب «القوات» وناضل في أصعب المراحل، وقد استطاع الوصول إلى الندورة البرلمانية ممثلاً منطقة جزين التي كانت مصبوغة باللون البرتقالي إلى جانب زميلته الدكتورة في الجامعة اللبنانية غادة أيوب.

وبعد هذه الأرقام التي تحققت، يشدّد الأسمر في حديثه إلى «نداء الوطن» على أن الطلاب أثبتوا أن خطاب «القوات» هو الذي يمثلهم، لذلك إنتخبوا «قوات» في الجامعات وقبلها انتخبونا في 15 أيار لأنهم يريدون مشروع «القوات» وهو بناء الدولة.

ويحيي الأسمر مصلحة الطلاب في «القوات» كوادر وأفراداً على الجهد الذي يبذلونه، ويؤكد أن «هذه المصلحة هي دينامو الحزب وخزّانه، ففي فترة الإحتلال كانت تمثل صوت النضال، وبعد ذهاب المحتل أصبحت الحامل للمشروع القواتي، لذلك فان «القوات» تمنح الشباب كل الإهتمام لأنهم المستقبل وهذا الأمر يدخل ضمن إستراتيجية الحزب».

إنتخابات «اللبنانية»؟

ووسط احتفال الجامعات الخاصة بالعرس الديمقراطي، يبقى السؤال ماذا عن إنتخابات الجامعة اللبنانية؟ وهل ستؤجل ولماذا لا تُمنح للطلاب فرصة التعبير عن تطلعاتهم؟

وفي السياق، يؤكد الباحث والمؤرخ الدكتور عصام خليفة، والذي يعتبر من أهم المناضلين الجامعيين، أنّه ما من شكّ أن «إنتخابات الجامعات الخاصة تعبر عن الإتجاهات السياسية للطلاب، لكن لكي تكتمل الصورة يجب السماح للشريحة الثانية من الطلاب التعبير عن رأيها وهي طلاب الجامعة اللبنانية».

ويُعبّر خليفة لـ»نداء الوطن» عن مرارته من الوضع الذي وصلت إليه الجامعة اللبنانية، ويعتبر أن هناك سيطرة فئوية على الجامعة اللبنانية من فئة معروفة وهي تعمل لضرب كل المؤسسات فيها، لذلك فان قرار إجراء الإنتخابات الطالبية من عدمه موجود في يدها، لكن لن يُسمح للطلاب في أن يكون لديهم هيئات تدافع عن مصلحتهم وذلك لكي تبقي سيطرتها على الجامعة.

بدوره، يشدّد النائب الأسمر على أهمية إجراء الإنتخابات في الجامعة اللبنانية التي يعتبرها أكبر خزان قواتي، مستغرباً سبب تأجيلها وهو غير مبرر خصوصاً أن الإنتخابات تجرى في المدارس، فلماذا ظلم طلاب «اللبنانية»؟ ويؤكّد أنه سيستمر بالضغط من أجل إجرائها لأن ما يحصل هو جريمة بحق الطلاب.