IMLebanon

السنيورة: عون يتحمل جزءًا من مسؤولية الفراغ

شدد رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، على أنه “يجب ألا نسمح لليأس أن يستولي علينا في لبنان، ويجب ألا نفتح المجال لأن يكون هناك تقاعس أو تراجع، لكن يجب أن نمارس بالفعل قدراً كبيراً من الصراحة في مخاطبة اللبنانيين، وألا نلجأ إلى المبالغات ولا إلى الأوهام. بل يجب أن نتعامل معهم بالكثير من الصراحة والوضوح، وأن نعمد وفي المحصلة إلى اعتماد المعالجات الصحيحة للمشكلات التي نعاني منها”.

وكشف عن أن “الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه أخيرا مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة هو نتيجة ما قام به لبنان وجرى إقراره من قبل الحكومة اللبنانية في العام 2009. إذ أنّ لبنان حدّد حدوده في منطقته الاقتصادية الخالصة في العام 2009 في النقطتين الثلاثيتين 7 و23. بينما في المقابل، إسرائيل حدّدت حدودها في تلك المنطقة كما تعتبرها هي بعد سنتين من ذلك التاريخ الذي حدّد فيه لبنان حدود منطقته – أي في العام 2011”.

وتابع في حوار مع “قناة المحور المصرية”: “بالمناسبة ليس لدى لبنان حتى الآن احتياطات غازية مؤكدة في منطقته الاقتصادية الخالصة، لكن لديه احتمالات عالية جداً بوجودها. على لبنان الآن أن يتابع عمليات الاستكشاف والتنقيب. هذا علماً بأننا وحتى إذا تبيّن لنا الآن وجود احتياطات مؤكدة، فإنّ ‏هذا الأمر يتطلب حوالى خمس سنوات للبدء بالاستخراج والاستفادة منها. هذا يعني أنّ لبنان قد أضاع وقتاً ثميناً منذ أن عمد إلى تحديد حدود منطقته الاقتصادية الخالصة في العام 2009، وذلك بسبب التجاذبات والمناكفات السياسية. المهم ماذا علينا أن نفعل الآن؟ علينا أن نقوم الآن بإنجاز عملية انتخاب رئيس الجمهورية الجديد. إذ أنّ هناك شغور في موقع الرئاسة. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلة مزمنة في لبنان، وهي وجود استعصاء كامل ومزمن على الإصلاح في لبنان. كذلك فإنّه وحتى بعد أن أنجزنا هذا الاتفاق مع إسرائيل وتبين لنا أن هناك احتياطات مؤكدة، فإنّ هذا ليس بديلا عن قيام لبنان باعتماد وتنفيذ الإصلاحات الحقيقية التي يحتاجها على الصعد الاقتصادية والمالية والإدارية والسياسية والعودة الى الالتزام باحترام الدستور والحرص على احترام كل من الشرعية العربية والدولية”.

واردف: “هذه من الأمور التي يشكو منها لبنان. بمعنى أنه لا يجوز أن ننام على حرير هذا الاتفاق ونتغافل عن القيام بالإصلاحات الضرورية. ولا أن نضيع وقتنا من جديد بالمماحكات السياسية مثل ما جرى معنا في السابق حين أضاع لبنان فترة لمدة عامين ونصف العام لننتخب الرئيس الجديد للجمهورية، وذلك ما تسبب به ميشال عون قبل أن يصار إلى انتخابه في العام 2016. كذلك أضعنا 13 سنة في تلك المماحكات التي حالت دون تطوير حقولنا الغازية. المؤسف أنّ الرئيس عون الآن يترك الرئاسة وهناك شغور في موقع الرئاسة، والحقيقة يتحمل الرئيس عون جزءاً من هذه المسؤولية بسبب وقوفه هو وحزب الله في الموقع الذي يريدان فيه الاستمرار بخطف الدولة اللبنانية وخطف قرارها الحر”.

واعتبر انه “ينبغي على الرئيس الجديد أن يدعم حكومة جديدة تكون قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة ومن ضمنها التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وذلك كلّه يسهم في استعادة ثقة اللبناني بغده وثقة الأشقاء والأصدقاء بلبنان”.

وعن العلاقة مع اسرائيل بعد الترسيم، قال السنيورة: “وقّع لبنان اتفاقاً مع إسرائيل الذي هو بمثابة اتفاق هدنة طويلة، لكن تبقى لدينا مشكلات كبرى مع إسرائيل يجب حلّها. فبالإضافة إلى المشكلة القومية والعربية والأخلاقية والإنسانية المستمرة مع إسرائيل بسبب عدم التوصل إلى حلّ حقيقي ومستدام بشأن القضية الفلسطينية، وهو الحل الذي يقوم على احترام المبادرة العربية للسلام، وبالتالي يعالج المشكلات المتفرعة الأخرى. ومن ذلك أنّ لبنان لا يزال يعاني من وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين والفلسطينيين الواجب معالجتها. وبالمناسبة لبنان أكثر بلد في العالم يستقبل ذلك العدد الكبير من اللاجئين المقيمين في لبنان، وذلك بالمقارنة مع مساحته وعدد سكانه. ليس من الممكن ولا من العدل والإنصاف أن يترك لبنان يصارع تلك التحديات وحيداً. هناك مشكلات داخلية، وحيث لا يزال لبنان يتحمل ما لا يطيقه منذ العام 1975، وعلى مدى 47 سنة متواصلة، ولا يزال يعاني الأمرين بسبب كل ذلك. وهو بالإضافة إلى ذلك كلّه يعاني من ذلك الانهيار على كل الأصعدة الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية، ومما يتسبّب به استمرار سيطرة دويلة حزب الله على الدولة اللبنانية، وكذلك بسبب تراكم المشكلات التي نجمت عن الحروب التي تعرّض لها لبنان، وهو الذي تعرّض لسبعة اجتياحات إسرائيلية على مدى الخمسين عاماً الماضية وحتى الآن”.

إلى ذلك، اعتبر أن “مضمون البيان الختامي للقمة العربية، تضمّن تقريباً ذات التوجهات التي سمعناها في مؤتمرات القمم العربية السابقة، مع الإقرار أنّه قد جرى التركيز في هذا المؤتمر بشكلٍ أكبر على الموضوع الفلسطيني، وكذلك على بعض الموضوعات الأخرى، مثل مسألة أزمة المُناخ ومسألة انتشار الاسلاموفوبيا والحرب في أوكرانيا وغيرها”.

وقال: “الملاحظة الأولى، وهي أنّ العالم العربي الآن وكذلك العالم أجمع يعاني من الصدمات والتحولات والتحديات الكبرى، وعلى أكثر من صعيد. أكان ذلك على الصعد السياسية والجيوسياسية أم على الصعد الاقتصادية والمالية، أم على تلك الصعد المتعلقة بتغير المُناخ وأزمة المياه وأزمة الغذاء. بالمناسبة فإنّ المنطقة العربية تعتبر الأكثر استيراداً للمواد الغذائية في العالم، وهي الأكثر تأثراً بأزْمات المُناخ، وأيضا الأكثر تأثراً بانخفاض كمية المياه العذبة المتاحة لها في العالم. إذ أنّ نصيبها من المياه العذبة أقل بكثير من نصيب دول أخرى في العالم. كذلك أيضاً  أن العالم يعاني الكثير من تفاقم أزْمة اللاجئين وتداعياتها الخطيرة، والذي الذي أصبح عددهم في العالم حوالى مئة مليون لاجئ، ولكن العالم العربي بالذات يشكو الكثير في هذا الشأن، ذلك لأنّ له النصيب الأكبر من عدد اللاجئين”.

ولفت إلى أن “كل هذه التحديات تتطلب تنبهاً كبيراً من قبل الدول العربية، وتتطلب من القادة العرب أن يولوها اهتمامهم الكبير على صعيد كل دولة، وعلى صعيد العالم العربي- وبشكلٍ جماعي- وبالتالي المسارعة إلى اعتماد السياسات والإجراءات التنفيذية السريعة والفاعلة للتعامل مع هذه التحديات بكفاية وهذا يجب أن يتم على صعيد العمل العربي المشترك لإيجاد الحلول الصحيحة والفاعلة لأزْمة المُناخ وأزْمة المياه وأزمة الغذاء وتأمين الأمن الغذائي في منطقتنا العربية. هذا فضلاً عن ضرورة العمل على تأمين الأمن السياسي والجيوسياسي والأمني وغيرها للعالم العربي، وبالتالي يجب ألا تقتصر هذه الجهود فقط على إصدار البيانات ومهما كانت قوية. إذ أنّ هذه الأمور لم يعد بالإمكان ولا يجوز مداواتها بالمراهم. ولذلك، يجب أن يصار إلى مساعدة جامعة الدول العربية لكي تقوم بدورها الجامع في معالجة هذه التحديات الكبرى وتأمين المقدرات السياسية والمالية للقيام بهذا الدور الهام والكبير”.

وتابع: “تشرفت بلقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في العام 2014 مع زملاء لي من أعضاء مجلس العلاقات العربية والدولية من رؤساء حكومات عربية سابقين. وقد تمنيت في ذلك اللقاء على سيادة الرئيس السيسي ثلاثة أمور أساسية، وهي: أولاً، الأهمية القصوى لعودة مصر إلى العالم العربي لما تمثله مصر في العالم العربي من تاريخ وحاضر وحضور وموقع وعدد سكان، لأنّ في ذلك قوة لمصر وقوة للعالم العربي. والأمر الثاني، الذي تمنيته على سيادة الرئيس ضرورة العمل على استعادة وتعزيز الدور المحوري التي يمكن ويجب أن تلعبه جامعة الدول العربية في تحقيق التكامل العربي والعمل على معالجة المشكلات المشتركة في عالمنا العربي. والثالث في استعادة الإسلام ممن يحاولون اختطافه”.

وأوضح أن “الذي نعاني منه الآن في منطقتنا العربية هو مجموعة من التحديات والمخاطر التي تتعرض لها هذه المنطقة من أجل إيجاد الحلول العملية للتغلب عليها، ومن ذلك معالجة مشكلات الانقسام والتشرذم الموجودة في العالم العربي”. وسأل: “كيف يمكن أن نتحدث عن عمل عربي مشترك، لا سيما على صعيد تحقيق التكامل بين الدول العربية وتعزيزه ونحن لا نزال نعاني من التفكك والتشتت، لا بل والخلافات في عالمنا العربي. وهذا ما يحول دون إيلاء المصالح الحقيقية للمواطنين العرب في مختلف دولنا العربية على المديين المتوسط والطويل الأهمية التي يستحقونها. كما أنه لايزال التعاون بين الدول العربية لا يحظى بالأهمية التي يستحقها”.

وأعطى السنيورة نموذجاً على ذلك، فقال: “الحدود ما زالت مقفلة ما بين المغرب والجزائر. هذا علماً أنه في حال فتحت الحدود بينهما، فإنّ الأثر الإيجابي المباشر لذلك أنه يزداد الناتج المحلي بنسبة 3 بالمئة في كل دولة من دول المغرب العربي، وأعني المغرب والجزائر وتونس وحتى ليبيا. هذه عيّنة من التحديات التي تواجهها امتنا العربية والدول العربية والتي ستواجهها خلال المرحلة المقبلة – بشكلٍ أكبر – مما واجهته في المراحل الماضية. بالتالي، فإنّه لا ينفع الاستمرار في الاكتفاء بإصدار البيانات والامتناع عن ترجمتها باعتماد السياسات الصحيحة والمبادرة عبر اعتماد الإجراءات والخطط التنفيذية”.

وذكّر بأنه “في مطلع الخمسينيات، حصلت دعوة في العالم العربي لاعتماد السوق العربية المشتركة، وكانت هناك في المقابل دعوة في أوروبا لدى كل من ألمانيا وفرنسا من أجل عقد اتفاقية بينهما بشأن تنفيذ سياسة التعاون في مسألتي الصلب والفحم. ماذا جرى على مدى السبعين سنة الماضية. أصبحت هناك وحدة أوروبية مؤلفة من 27 دولة، ولا يزال العالم العربي يتحدث عن السوق العربية المشتركة، ولكن- للأسف- لا تنفيذ حقيقي ومتنام. هنا تبرز المشكلة الحقيقية وهي الضرورة الماسة لاعتماد السياسات والإجراءات الصحيحة، وكذلك الضرورة الماسة إلى ترجمة هذه الاتفاقات والسياسات والإجراءات بخطط وإجراءات تنفيذية على أرض الوقع. بمعنى آخر، أنّ هذه الدعوات ‏والبيانات يجب ترجمتها على أرض الواقع. نحن أصبحنا الآن – للأسف- كما يقول الشاعر: كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول”.

ورأى السنيورة انه “يجب علينا أن ندرك أننا مقدمون على مرحلة شديدة الخطورة في العقود القليلة المقبلة، وأنّ هناك انفجار سكاني تعاني منه منطقتنا العربية، وهناك تعاظم في الحاجات لدى هذه الأجيال الصاعدة في العالم العربي والتي ينبغي تلبيتها للحفاظ عليها، وكذلك تعزيز الاستقرار بوجوهه كافة”. وسأل: “كيف يمكن لنا أن نطعم هذه الافواه الجديدة؟ كيف نستطيع أن نؤمن لهم التعليم الملائم وبالمستوى المتلائم مع التحول الرقمي؟ وكيف يمكن أن نؤمن لهم الصحة وفرص العمل الجديدة وغيرها وغيرها؟. هذه كلّها تحديات كبرى علينا أن نواجهها، وعلينا جميعاً مسؤولية كبيرة للقيام بتلك المهام، لا سيما على المسؤولين التنفيذيين في عالمنا العربي”.

واشار الى اقتراح كان قد تقدم به في مؤتمر القمة العربية “الذي عقد في الكويت في العام 2009، وذلك أن يصار إلى القيام وعبر جامعة الدول العربية بدعوة 50 شخصية من العالم العربي من الذين لهم باع في القضايا التنموية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، لوضع أفكار تنموية جامعة وتكاملية على صعيد العالم العربي وتبنيها، بحيث يصار إلى احترامها والعمل على تنفيذها. إذ لا يجوز الاستمرار أو التساهل أو التقاعس، وهو ما لا يسهم بل يجهض كل أمل في تطوير منطقتنا العربية، وفي إتاحة الفرصة لأجيالنا العربية الصاعدة في المشاركة في تقدم بلدانها بثقة واقتدار”.

وأضاف: “صحيح أنّ هناك بعض الأمور والمسائل السياسية التي يمكن أن نختلف بشأنها، أو تختلف بعض بلداننا العربية بشأنها، ولكن هذا لا يعني أن يؤدي ذلك إلى استمرار الاختلاف في امور نحن بحاجة ماسة إلى التضامن والتعاون بشأنها، وتحتاجها دولنا العربية وأجيالنا الصاعدة. نحن بحاجة لأن نتفهم أن هناك حاجة لمن يرعى شؤون هذه الأجيال، وليس فقط في أن يصار إلى إطلاق البيانات والتي يصار إلى تكرارها سنة بعد سنة ومرة بعد مرة. لكن لا يصار إلى ترجمتها على أرض الواقع ولا نقوم بتنفيذها”.