IMLebanon

زراعة وتصنيع المخدرات في البقاع تحت خيمة “الحزب”

جاء في “المركزية”:

على مدى ثلاثين عاماً، زرع “أبو علي” (إسم وهمي) البطاطا في أرضه في حورتعلا. فجأة استبدلها بنبتة أكثر شهرة في المنطقة، الحشيشة. وبعكس الزراعات الأخرى، لا تحتاج الحشيشة إلى أسمدة ومواد كيميائية، وهي تباع بالدولار أو بحسب سعر الصرف في السوق السوداء الذي تخطى عتبة 80 ألفاً للدولار الواحد.

كان ذلك عام 2010 وهي مستمرة مع “علي” وأبنائه الذين “ورثوا” هذه الزراعة المربحة “فمن دونها منموت من الجوع والبرد”. ومن هنا تبدأ القصة.

منذ أكثر من 4 عقود والمزارعون في بعلبك – الهرمل  والبقاع يزرعون الحشيشة تحت أنظار الدولة لأن كلفتها أقل. وعلى رغم مشروع قانون تشريع الحشيشة الذي وضعه  النائب في كتلة الجمهورية القوية أنطوان حبشي عام 2018، إلا أن إبهام أمين عام حزب الله حسن نصرالله يسقط كل القوانين والتشريعات من خلال سطوة الحزب على الأرض والبشر في بعلبك وبوداي وحورتعلا. واسمعوا ماذا يقول مواطن من إحدى البلدات البقاعية عند سؤاله عن مدى إمكانية قبول بيئته لمشروع قانون تشريع زراعة الحشيشة “من يريد تشريع الحشيشة يجب أن يزور المُزارع في داره ويسأله عن رأيه، ويشرح له تفاصيل القانون… عقلية المشرّوع لا تراعي ظروف المُزارع، والأخير لا يرغب بهذا القانون”.

إسقاط معايير القانون والتشريعات التي وضعت لضبط وتنظيم عملية زراعة الحشيشة لم تحل دون تنفيذ عمليات دهم لأوكار مهربي المخدرات في البقاع وبعلبك. وفي كل مرة تنفذ مديرية المخدرات عمليات دهم تعود بغنيمة لكن مع نعوش بيضاء تحتضن شهداء. وآخرها ما حصدته عملية الدهم التي نفذتها عناصر تابعة لمديرية المخابرات في الجيش اللبناني في بلدة حورتعلا على منازل وأوكار مهربي المخدرات يوم أمس واستشهد ثلاثة عسكريين على أيدي المهربين الذين قتل عدد منهم.

العميد المتقاعد جورج نادر الذي شارك منذ حوالى 20 عاما في عمليات دهم لأوكار المهربين وكان في حينه مساعد قائد فوج المغاوير يروي ل”المركزية” محطات مؤلمة ولافتة، مبدياً حزنه على الثمن الذي يدفعه عناصر الجيش اللبناني في كل مرة تحصل فيها عمليات دهم مماثلة في مناطق يسيطر عليها حزب الله مستغلين غياب الدولة وآخرها وليس أخيرها 3 شهداء من مديرية مخابرات البقاع الذين سقطوا في الأمس ويروي:” كان ذلك في كانون الأول من العام 2003 يومها حيث توجهت على رأس دورية إلى بريتال. عند وصولنا كان هناك مزارع يقوم بمسح أرضه ويزرعها بالحشيشة من دون أن يأبه أو يكترث لوجود عناصر من الجيش اللبناني. وعندما سألناه عن نوع النبتة التي يزرعها أجاب بكل جرأة”عم بزرع حشيشة تا نصنعا بالمعامل. ووصلت به الجرأة إلى مرافقتنا إلى معامل تصنيع الحشيشة بعد إبلاغنا عن مكان وجودها. وعندما همّ العناصر لتوقيفه استغرب وقال”كل عمري إزرع حشيشة وما حدا قرب صوبنا وقللي شي”.

هذا الكلام كان كافيا بحسب نادر للدلالة على أن زراعة الحشيشة باتت من صلب ثقافة المزارع في مناطق بعلبك والبقاع ويضيف بأن الدولة لا تتأخر عن القيام بواجباتها لكن في كل مرة تتوجه فيها دورية للجيش اللبناني يسقط شهداء وتعود ليتكرر المشهد المأساوي بسبب وجود غطاء سياسي يتمثل بالاحزاب التي تعمل على إطلاق سراح الموقوفين الذين يتم توقيفهم بأمر من النيابة العامة .

ويكشف نادر عن أن في إحدى المهمات تم توقيف مهرب وتبين أنه صدرت بحقه أكثر من 200 مذكرة توقيف لكن في أقل من 24 ساعة جاء الأمر من مراجع سياسية تابعة لحزب الله بإطلاق سراحه في حين أن عملية قراءة مضمون المذكرات يستغرق أكثر من 4 أيام”.

نجاح عمليات الدهم تتوقف على سريتها “وهذا ما يحصل في كل مرة” لكن مجرد وصول الدوريات الأمنية إلى مداخل حاجز ضهر البيدر فهذا يعني حتما إختفاء أفراد العصابات الذين تردهم إخباريات من كل صاحب بسطة خضار أو عامل على محطة بنزين وأحيانا حتى من قبل بعض العناصر الأمنية الموجودة على الحواجز المتواطئة مع عصابات التهريب مقابل حفنة من الفريش دولار.

ويضيف: “مصانع الكبتاغون معروفة وكذلك أسماء كبار التجار والمهربين، لكن المسألة لا تعالج بالأمن وعمليات الدهم وحسب. المطلوب البدء بإيجاد حلول إجتماعية تقوم على تأمين الزراعات البديلة خصوصا أن طبيعة المناخ هناك لا تسمح بزرع كل الشتول والنباتات، والتأكد من وجود قرار سياسي يحول دون التدخل ورفع الغطاء عن المهربين وهذا أيضا ممكن لأن هوية من يغطي هؤلاء محصورة بالثنائي الشيعي عندها تصبح عمليات الدهم أكثر سهولة للجيش اللبناني”.

عام 2018، تم اقتراح قانون يطالب بعفو عام عن مرتكبي عدد من الجرائم، من بينها المتهمين بزراعة الحشيشة، والذي وُضع بالمبدأ كي يعالج المشاكل الاجتماعية في البقاع المتّرتبة عن تعاطي المخدرات وتسهيل ترويجها.

أما وبعد أن تحالفت القرى التي تزرع الحشيشة، بوجه أجهزة الدولة مثل بلدة بوداي ودار الواسعة واليمونة، أصبحت القوى الأمنية تتلف في موعد محدد وهو شهر تموز دونمات معروفة ومتفق عليها مسبقاً من أجل فرض هيبة الدولة. فكيف ستكون المواجهة بعد البدء بمراسيم التنفيذ؟ هل ستتنازل الدولة عن نبتتها لصالح النبتة البلدية أم أن مزراعي البقاع سيبقون دائماً خارج المعادلة؟