IMLebanon

لهذه الأسباب أصيبت الدولة بالذعر

 

كتبت أنطوان فرح في صحيفة “الجمهورية”:

قيل الكثير في موضوع رد المجلس الدستوري لقانون الضرائب، لكن مكمن الخطر في ما جرى، ان القرار سلّط الضوء اكثر على هشاشة الوضع المالي. ومن السخافة الاعتقاد ان المشكلة تكمن في تمويل السلسلة، بل ان الكارثة تكمن في كيفية استمرار الدولة في السنوات الخمس المقبلة.ما اعتبرته السلطة صدمة مالية ليس سوى مؤشر اضافي على الصعوبات المالية التي يرزح تحتها القطاع العام. في تبسيط للاحداث المتسارعة، لا ينبغي ان يشكل قرار رد قانون الضرائب زلزالا على المستوى المالي لأن الدولة رصدت حوالي 1200 مليار ليرة لتمويل السلسلة سنويا، وهذا يعني حوالي 120 مليارا شهريا، (حوالي 80 مليون دولار).

وبالتالي، لا يمكن الادعاء ان هناك مشكلة مالية كارثية اذا دفعت الخزينة هذا المبلغ لشهر او شهرين او حتى نهاية العام 2017، بانتظار الانتهاء من اقرار موازنة. خصوصا ان الايرادات الاضافية التي حصلت عليها الخزينة جراء الضرائب التي دفعتها المصارف على ارباح الهندسات المالية تبلغ وحدها حوالي 800 مليون دولار.

لكن حالة الارباك والذعر التي أصابت السلطة لا علاقة لها بتمويل السلسلة، بل بالحسابات التالية:

اولا – بصرف النظر عن الايرادات الاضافية التي دخلت الى الخزينة، فان العجز المقدّر في نهاية العام 2017 لن يكون اقل من حوالي 5 مليارات دولار، وهو رقم قياسي مرعب يؤشّر الى دخول المالية العامة في نفق مقلق.

ثانيا – ان السلطة تلقت صفعة معنوية من خلال إظهار تركيبتها السياسية بأنها متواطئة لتمرير قوانين غير دستورية لتحصيل الاموال من الناس، في حين ان الهدر والسرقة يتواصلان بوتيرة مرتفعة، وعلى عينك يا مواطن.

 

ثالثا – ان التحذيرات التي تلقتها السلطة من مؤسسات مالية دولية حول دقة الوضع المالي، انطوت على ايجابية وحيدة تمثلت في الاشادة بالسلة الضرائبية لتحسين الايرادات. وبالتالي، سقطت هذه الايجابية وبقيت كل السلبيات الاخرى، بما يفتح الباب امام ما هو اكثر من مجرد تحذير، وقد ينتقل الى اعادة النظر بالتصنيف الائتماني للبلد، تليها اجراءات ونتائج أشد قسوة.

رابعا – ان قرار انهاء التجاذبات السياسية، وابعاد الحسابات والمصالح عن الشأن العام لم يُتخذ بعد وبالتالي، خشيت السلطة ان تكون عاجزة عمليا عن الاتفاق على موضوع قطع الحساب، لتمهيد الطريق امام الموازنة، وتضمينها الضرائب. وهي ارتبكت خشية ان يمتد دفع السلسلة بلا ضرائب لوقت طويل يتجاوز الاشهر كما يُفترض.

في النتيجة، ما حققه قرار المجلس الدستوري، انه قرع جرس انذار اضافي لا يفترض ان يصيب السلطة السياسية بالذعر حيال تمويل السلسلة، لأن السلطة تأخرت كثيرا وكان يفترض ان تكون مذعورة منذ فترة طويلة، وهي تطّلع على ارقام العجز في المالية العامة، وأرقام التراجع في الاقتصاد المنتج، وحتى ارباح الشركات والمؤسسات، ونمو البطالة. ومن المستغرب ان تكون انتظرت حتى صدور قرار الدستوري لكي تدعوالى جلسة طارئة.

في عودة الى الورقة التي قدمها رئيس الجمهورية للتحذير من اتجاهات الوضع المالي، تبين ان ردود الفعل الرسمية عليها لم تكن في مستوى الارقام التي جرى عرضها. مع الاشارة الى ان التوقعات المتشائمة الواردة في الورقة، ارقام واقعية جدا، ولا تحتاج الى تحليل لاكتشاف واقعيتها.

تلك الارقام التي تشير على سبيل المثال الى نمو الدين العام الى حوالي 110 مليار دولار، في خمس سنوات، ينبغي ان تكون معروفة من قبل المسؤولين عن الشأن العام، والمدهش ليس الرقم، بل ان يصاب المسؤول بالدهشة لرقم بديهي يستطيع ان يحتسبه تلميذ في الصف الابتدائي.

المشكلة التي تريد السلطة معالجتها، اي تأمين التمويل للسلسلة غير موجودة، المشكلة في الوضع المالي العام، وفي عقول وضمائر بعض المعنيين بالشأن العام والذين لم يقرروا بعد، انه حان الوقت للتخلي عن «المزرعة» لانقاذ البلد وناسه من معاناة مقبلة لا محالة.