IMLebanon

تشكيلات قضائية بين تعزيز الاستقلالية وتكريس المحسوبية

 

كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:

دخلت التشكيلات والمناقلات القضائية في لبنان مرحلة الحسم، بعدما تخطّى مجلس القضاء الأعلى العقد الأساسية، وبات في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة عليها، قبل إحالتها إلى وزير العدل سليم جريصاتي، وصدورها بمرسوم يحمل تواقيع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، ووزراء العدل والدفاع والمال.

وتكمن أهمية هذه التشكيلات في أنها الأولى منذ 8 سنوات، حيث لم تصدر تشكيلات واسعة وشاملة منذ صيف عام 2009. وباتت أغلب المراكز القضائية الأساسية، مشغولة بالوكالة والانتداب، بفعل إحالة شاغليها الأصيلين إلى التقاعد، ونقل البعض إلى مناصب أرفع، بالانتداب أيضاً، بالإضافة إلى وجود ما يزيد على 30 قاضياً جديداً ممن تخرجوا قبل سنة تقريباً، وينتظرون إلحاقهم بالمحاكم والدوائر القضائية لمزاولة عملهم، والمساعدة في التخفيف من آلاف الملفات العالقة، التي تحتاج إلى البت ليأخذ الناس حقوقهم.

وزير العدل سليم جريصاتي أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المناقلات القضائية التي ينكبّ مجلس القضاء الأعلى على دراستها بكل جدية ومسؤولية، ستكون عامة وشاملة»، مشيراً إلى أن «العمل قائم على قدم وساق للانتهاء منها بأقرب وقت». وقال: «أنا غير معني بهذه التشكيلات حتى الآن، وعندما ينتهي مجلس القضاء منها ويعرضها عليّ، أبدي رأيي فيها».

ويعلّق مرجع قانوني آمالاً على هذه التشكيلات، شرط أن تخضع لمعيارين اثنين؛ الأول خلق دينامية جديدة في الجسم القضائي المصاب بالترهّل، أسوة بما أصاب المؤسسات الدستورية الأخرى منذ بدء الفراغ الرئاسي قبل نحو 4 سنوات، والحاجة الملحّة والسريعة إلى نهضة قضائية حقيقية، تعيد للسلطة الثالثة هيبتها ومكانتها، بالتزامن مع إطلاق عجلة المؤسستين التشريعية والتنفيذية بفاعلية، أما المعيار الثاني، فيكمن في إنصاف بعض القضاة، وإعطائهم حقهم بالترفيع إلى مناصب يستحقونها، وفق مبدأ الكفاءة والعلم، لا التبعية السياسية والعائلية.

لكن هل يمكن للسلطة القضائية أن تنعم بهذا الامتياز مع انطلاقة العهد الرئاسي الجديد، الذي وعد بمنح القضاء مزيداً من الاستقلالية، وترسيخ مفهوم دولة القانون؟ حتى الآن المؤشرات لا توحي بالإيجابية في هذا المضمار، وفق تقديرات المرجع القانوني نفسه، الذي يؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «المحسوبية السياسية لا تزال السمة الطاغية». ويبدي اعتقاده بأن «أول غيث تعاطي السلطة السياسية مع القضاء، في بداية عهد الرئيس ميشال عون، لا يدعو إلى التفاؤل»، مستشهداً بـ«القرار الذي اتخذته الحكومة الحالية قبل شهرين، وقضى بإقالة رئيس مجلس شورى الدولة (السابق) القاضي شكري صادر من منصبه، وتعيين آخر مكانه بالوكالة».

وإذا كان نقل قاضٍ من مكان إلى آخر من البديهيات، فإن ما حصل مع القاضي صادر ليس أمراً عادياً، وفق المرجع القانوني، الذي أشار إلى أن «إقالة صادر جاءت بقرار كيدي انتقامي، لأنه تجرّأ على رفض توصية من السلطة السياسية، التي طلبت منه المصادقة على قرار تعيين أحد القضاة محافظاً لمنطقة البقاع، لأن القاضي المقترح لهذا المنصب، تحوم حوله شبهات، ولديه ملف عالق أمام هيئة التفتيش القضائي».

وكان رئيس الجمهورية ميشال عون دعا خلال لقائه مجلس القضاء الأعلى إلى أن «تستند التشكيلات والمناقلات القضائية التي يعكف مجلس القضاء على وضعها، إلى قواعد الكفاءة والخبرة ونظافة الكف». وشدد على ضرورة «إبعادها عن التبعية السياسية، لتتمكن السلطة القضائية من ممارسة دورها في إحقاق الحق والعدالة والمساواة بين جميع المتقاضين، حفاظاً على هيبة الدولة ووقارها، ولا سيما أن القضاء هو الحجر المفتاح في بناء عقد المؤسسات».

وتفيد المعلومات المتداولة في أروقة «قصر العدل» في بيروت، حيث مقرّ مجلس القضاء الأعلى، بأن التشكيلات «قد تصدر خلال الأيام القليلة المقبلة، وهي تنتظر عودة رئيس الجمهورية ميشال عون من نيويورك، للاطلاع عليها وتوقيع مرسومها، ما لم يضع بعض الملاحظات عليها ويطلب إدخال تعديلات معينة»، مؤكدة أن مجلس القضاء «يتشاور دائماً مع وزير العدل سليم جريصاتي، الذي يحضّ على الإسراع فيها، من دون تسرّع».

لكنّ مصادر مواكبة لمسار حركة التشكيلات، عبرت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن خشيتها من أن «تأتي المناقلات المنتظرة منذ سنوات، مخيّبة للآمال، بحيث تعمد عبرها السلطة الحاكمة إلى تقاسم مغانم المواقع القضائية العليا، وبالتالي الإمساك بقرارات القضاء بدل تحريرها ومنحها مزيداً من الاستقلالية»، لافتة إلى أن «الخوف يكمن في تركيب جهاز قضائي في المواقع العليا، لا سيما في النيابات العامة، فيمكن استثماره في الاستحقاق الانتخابي المقبل».

ومن المقرر أن تشمل التشكيلات الشاملة ما لا يقلّ عن ثلثي قضاة لبنان، البالغ عددهم نحو 550 قاضياً عدلياً، وقضاة في المحكمة العسكرية، وتعد المصادر المواكبة لمسار المناقلات، أنه «بمجرّد صدور المرسوم، ومعرفة الأسماء التي ستتبوأ المناصب الحساسة، تتضّح صورة تعاطي العهد الجديد والسلطة السياسية مع القضاء». وتشدد على أن «تعيين القاضي المناسب في المكان المناسب، يعني أن لبنان مقبل على مرحلة إصلاحية واعدة، أما إذا تبيّن أن التشكيلات اقتصرت على زرع المحاسيب والأتباع، فعندها سيكون اللبنانيون أمام مرحلة إحباط جديدة».