ترشيح عون وقصة الآمال الواهية في دعم الحريري “حزب الله” سيقود التفاوض بعد التأكد من سقوط رهان الجنرال
n
تحاول هذه الرواية السياسية تبيان ما جرى ويجري بين الرئيس سعد الحريري والجنرال ميشال عون. قراءة مستندة إلى معطيات أصبحت ثابتة، مختلفة بعض الشيء عن أجواء سادت مدة في الشأن الرئاسي، خلافاً لطبيعة الأشياء.
وضع الجنرال عون قبل أشهر استراتيجيته لخوض معركته الأخيرة من أجل كرسي الرئاسة. كان لبنان يجرجر بلا حكومة مدى أكثر من عشرة أشهر بعد تكليف الرئيس تمام سلام بتشكيلها، استراتيجية تقوم على توافق مع “تيار المستقبل” حكي عنه كثيراً في الصحافة والإعلام تسريباً وتصريحاً. ولم يرفض الرئيس الحريري انفتاح الجنرال عون عليه وسعيه إلى مقاربة جديدة وإن شكلاً لما يدور في لبنان والمنطقة. على هذا الأساس انعقد لقاء باريس الذي لم يعلن في حينه بين الرجلين بناء على طلب الجنرال، والأكيد بحسب المعطيات أن الحريري لم يعِد عون بدعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية في مقابل تسهيل الجنرال تأليف حكومة سلام، لكن عون هو الذي وعد نفسه. سار في هذا الرهان إلى الآخر. ضغط على حليفه “حزب الله” وهو في أشد الحاجة إليه خلال هذه المرحلة بفعل تورطه المنهك في سوريا، أقنعه الجنرال بأن “باريس تستحق قداساً” (على ما ينقل التاريخ عن هنري الرابع، بعد تلقيه عرض دخول باريس كاثوليكياً والصلاة في كاتدرائيتها بدل اقتحامها بروتستانتياً).
أخذ الحريري مكاسب مُهمَّة من عون، لا لنفسه أو لتياره بل لسائر اللبنانيين: تشكيل حكومة- على غير القاعدة التي كان يهوّل بها السيّد حسن نصرالله – إمرار البيان الوزاري بحد أدنى من صخب “حزب الله” ورفضه وبصمت من الجنرال، تهدئة أمنية مع إطفاء نقاط توتر كانت مشتعلة في طرابلس والمنطقة الحدودية بقاعاً مع سوريا، معالجات اقتصادية بالممكن، بعض تعيينات إدارية، مع تخفيف لحدة المذهبية في الكلام السياسي في البلاد.
تقول المعلومات أن “حزب الله” توافق مع الجنرال على أن يجرب خطته للوصول إلى الرئاسة حتى آخر دقيقة. فليسوّق صورته كمرشح توافقي، وهو سيقف وراءه ويدعمه في كل ما يطلب تاركاً له القيادة والقرار في هذه المسألة تحديداً . أما إذا لم ينجح في رهانه على الحريري فإن القيادة والقرار سيعودان إلى الحزب، ويصبح الجنرال في موقع الداعم للحزب الذي سيفاوض بيدين طليقتين. وطبعاً كما في مواقف سابقة من خلال الرئيس نبيه بري، مع الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط، لمعالجة الموضوع والإتيان برئيس. بطبيعة الحال في هذه الحال ستكون للجنرال تعويضات، جوائز ترضية تبدأ بتعيين أحد القريبين منه قائداً لمؤسسة عسكرية وتشمل مواقع أخرى ذات طابع خدماتي، إلى ترتيبات تؤمن استمرارية ملموسة لتياره السياسي على مدى طويل.
في الأسابيع الماضية اشتد إلحاح عون على الحريري عبر وسطاء ليؤيد ترشيحه للرئاسة، راسماً جمهورية زهرية سعيدة رئيسها عون ورئيس حكومتها الدائم الحريري. لا يحتاج الحريري إلى عون ليكون إذا شاء رئيساً للحكومة. الموضوع بالنسبة إليه ليس هنا على الإطلاق. أصيب نواب “تيار المستقبل” ووزراؤه بالبحة وهم يصرحون مرارا وتكرارا أن تأييد تيارهم لترشيح عون غير وارد على الإطلاق، واحتمالاته أقل من صفر في المئة. الرئيس الحريري ابلغ بلياقة من راجعوه من صوب الجنرال أنه ملزم تأييد حليفه الدكتور سمير جعجع. لم تهدأ الإتصالات ولم يقتنع المراجعون. استنتجوا أن جعجع قد يكون متمتعأً بدعم من السعودية ذات التأثير في لبنان. راهنوا على نتائج اتصالات تجري بينها وبين إيران، تيار الرئيس حسن روحاني تحديداً. كل المعطيات في المقابل تشير إلى لقاءات تعقد فعلاً في عُمان بين ممثلين للبلدين ولكن على مستوى مخفوض، وتتناول تحديداً ما الذي يمكن فعله لوقف نزف الدم في سوريا، تخفيف الإحتقانات في العراق، اليمن، البحرين. ولا شيء عن لبنان. ولا أحد في المملكة يسمع باسم عون أو يحب سماعه.
ثمة تعلق بحبال واهية إذاً، لكن الإصرار على التصديق يخلق وهماً بعض الأحيان. هكذا سرت أقاويل وشائعات ردد بعضها سياسي كبير ومحترف في بعض جلساته: إن عون آتٍ رئيساً لا محالة، فهذا ما يريده السعوديون والأميركيون أيضاً. الأميركيون؟ في هذه المرحلة لا سياسة لهم في لبنان وربما في المنطقة. سفيرهم ديفيد هيل يسأل من يلتقيهم مجرد سؤال عما يجري. ولو كان لا بد من ملاحظة عبارة إضيفت إلى خطابهم التقليدي: إنهم في لبنان مع حصول الإستحقاق الرئاسي في موعده “ولكن ليس بأي ثمن”.
لعلّ أسلوب الرئيس الحريري شجع من غير أن يدري على توقع ما لا يمكن توقعه منه. لعلّ الجنرال والمحيطين به استذكروا كيف تعامل الرجل مع موضوع “السين- سين” وتشكيل الحكومة في معزل عن حلفائه واستنتجوا أن الرهان على انقلاب جذري في توجهاته يمكن أن ينفخ الريح في أشرعة سفينة عون الرئاسية. لكن هذا شأن والرئاسة شأن آخر. يؤكد قريبون من الحريري إستحالة كاملة لتخليه عن حلفائه المسيحيين والتضحية بقوى 14 آذار، وفي سبيل ماذا؟ جنرال عون وفاقي؟ هل تُكتسب صفة الوفاقية بقرار ذاتي مفاجئ؟ في المقابل لسان حال هؤلاء كان يقول “حسناً، فلنهدئ الأمور ما أمكن إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً ويتضح مسار الأمور في المنطقة ولبنان لنبني على الشيء مقتضاه. الأوضاع رمادية فلنتتظر ونمررها بلا مواجهات عالية”.
المعطيات تفيد أن وزير الخارجية جبران باسيل يُفترض أن يكون تبلغ نهائياً من الرئيس الحريري أمس أنه لن يدعم ترشيح الجنرال عون. ماذا سيفعل الجنرال؟ هل يلعلع صوته ضد الحريري مجدداً، ويفتح ناره السياسية والإعلامية على جنبلاط الساعي إلى تسويق ترشيح النائب هنري حلو في السعودية؟