IMLebanon

الفراغ رجَّح كفَّة التمديد

أمّا وقد تمّ التمديد، فالسؤال الذي طرح نفسَه في الساعات الأخيرة تمحوَر حول الآتي: هل دخلَ لبنان في مرحلة سياسية جديدة، أم أنّ مرحلة ما بعدَ التمديد تشكّل استمراراً لما قبله؟ وهل التمديد لسنتين وسبعة أشهر لمجلس النواب يشكّل تمديداً للحكومة والفراغ الرئاسي، أم أنّ الأمور غير جامدة وتحريكُها يتطلّب تطوّرات خارجية لا أحد يستطيع التكهّن بتوقيتها وظروفها؟ وماذا بعد التمديد؟ لا شكّ في أنّ التمديد خطوة غير شعبية، خصوصاً في لبنان الذي كان سبّاقاً على مستوى العالم العربي بإجراء انتخابات دورية نيابية ورئاسية، ولكنّ عدم انتخاب رئيس للجمهورية والإشكالات الدستورية التي يمكن أن تنجم عن انتخابات نيابية في ظلّ الفراغ الرئاسي، خصوصاً لجهة الاستشارات لتكليف رئيس للحكومة، فضلاً عن الوضع الأمني الدقيق والحاجة إلى تفريغ 33 ألف عنصر في كلّ لبنان، في ظلّ تحدّيات أمنية في طرابلس وعرسال وغيرهما، حتّما التمديد، وتحديداً بعد أن أصبح الخيار ليس بين الانتخاب والتمديد، إنّما بين الفراغ والتمديد، حيث إنّ معظم القوى السياسية وعلى اختلافها ليست مستعدّة لإدخال لبنان في المجهول، في مرحلة تشهد حروباً في المنطقة وانهيارَ أنظمةٍ وتبدّلات وتحولات ومخاطر وجودية. فالتمديد نتيجة الظروف أعلاه أصبح طبيعياً، ولكنّ التحدّي الأساس اليوم هو في تحويل هذا التمديد من تمديد للوضع القائم إلى تغيير هذا الوضع، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية، مروراً بالتوصّل إلى قانون انتخاب جديد في سياق الدعوة التي وجّهها رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى اللجنة النيابية المكلّفة درسَ قانون الانتخاب إلى الاجتماع مجدّداً، وصولاً إلى إجراء انتخابات نيابية في أقرب فترة ممكنة، وذلك بعد انتخاب الرئيس وإنجاز القانون. ويبقى، إذا كان اتفاق الطائف قد صُنّفَ، بعد توقيعِه، من قِبل بعض المرجعيات الروحية والسياسية بأنّه اتّفاق الضرورة، فإنّ التمديد اليوم، وفقَ معظم الطبقة السياسية، هو تمديد الضرورة نجنّباً للفراغ، وبالتالي المجهول والفوضى…

على وقع تحرّكات احتجاجية «مدنية» خجولة رفضاً له، سلكَ التمديد النيابي طريقه، بعدما أقرّ المجلس النيابي قانون التمديد المعجّل مدّة سنتين و7 أشهر حتى حزيران 2017، وتأمّنت له صفة الميثاقية مع انضمام «القوات اللبنانية» الى نادي الممدّدين، فعبرَ التمديد بأصوات 95 نائباً توزّعوا على مختلف الكتل، في مقدّمها كتلُ «المستقبل» و«المردة» و»التنمية والتحرير» و»الوفاء للمقاومة» وكتلة النائب وليد جنبلاط، إضافة الى نواب مسيحيين مستقلين، وبرّروا تصويتهم لصالحه بمنعِ الوقوع في الفراغ على مستوى السلطة، فيما عارضَه نائبا «الطاشناق»: أغوب بقرادونيان وأرتور نظاريان، وقاطعَ الجلسة نواب الكتائب و»التيار الوطني الحر» الذي أعلن انّ وزراءَه في الحكومة لن يوقّعوا على مرسوم إقرار قانون التمديد.

وقد أضيف الى قرار التمديد فقرة مفادُها: «بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وبعد الإتفاق على قانون إنتخابات جديد، وإذا زالت الظروف الإستثنائية عندها تقصّر مهلة المجلس الممدّد وتجرى انتخابات نيابية».

وما إن تحوّل التمديد واقعاً حتى اشتعلت جبهة الرابية ـ معراب، فيما جدّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي معارضته للتمديد قائلاً من سيدني إنّ التمديد يُعتبر في الأنظمة الديموقراطية «غيرَ شرعيّ وغير دستوري». في وقت شدّد رئيس الحكومة تمام سلام على أنّ «التمديد اليوم هو لمنعِ الوقوع في الفراغ على مستوى السلطة»، وأملَ في ان يكون هناك فرصة جديدة للتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

هيل

وعبّر السفير الاميركي ديفيد هيل من دار الفتوى عن قلقه الشديد «إزاء شلل المؤسسات السياسية في لبنان، والذي بدأ بالفشل في انتخاب رئيس في شهر أيار الماضي. ونحن نأسف أنّ أحد النتائج المهمّة للفراغ الرئاسي، هو القرار الذي اتّخذ في وقت سابق اليوم بتأجيل الانتخابات النيابية وتمديد فترة ولاية البرلمان الحالي مرّة أخرى».

هجوم الرابية

وكان رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون تابعَ من الرابية مع أعضاء في «التكتّل» وقائعَ جلسة التمديد. ووصفَ عضو «التكتّل» الوزير جبران باسيل ما جرى بأنّه «عملية سطو على خيار الناس في المجلس النيابي، بالتمديد سنتين و7 أشهر، أي دورة كاملة، وهذا الموضوع تكمن خطورته في أنّه قد يتكرّر، مما يعني أنّها عملية كاملة للاستيلاء، من مجموعة لديها الأكثرية في المجلس النيابي، ومن الممكن أن نعيش مجدّداً تجربة 1972 لغاية 1992» . واتّهم «القوات» بخرقِ الإجماع المسيحي مجدّداً «منذ أن رفض العماد عون من قصر بعبدا اتّفاق الطائف، عندئذ كان للفريق الآخر خيارٌ آخر معاكس».

وقال باسيل: «في الماضي القريب الحديث لدينا ثلاث تجارب:

1- الاتفاق على القانون الأرثوذكسي، ثمّ الخروج عنه من «القوات اللبنانية» بشكل فاضح، وكلّنا نذكره، وبذلك فوّتنا فرصة المناصفة الفعلية على اللبنانيين في المجلس النيابي.

2- الخروج عن الأكثرية المسيحية التي اختارها الشعب، سواءٌ في 2005 أو 2009، وما نشهده من فراغ في رئاسة الجمهورية هو نتيجة عدم الإقرار بالخيار الشعبي للمسيحيين.

3- والنقطة الثالثة هي ما شهدناه اليوم مجدّداً من خروج عن الأكثرية المسيحية من فريقٍ قرّر سَلفاً أن يسير بالتمديد، وقام بكلّ المسرحية التي شاهدناها اليوم.

دفاع معراب

كلام الرابية سرعان ما وصل صداه الى معراب، فعقد رئيس حزب «القوات» سمير جعجع مؤتمراً صحافياً دافعَ فيه عن خطوة «القوات» بالتصويت لصالح التمديد، شارحاً الأسباب التي دفعتها لذلك، وشنّ حملة عنيفة على تكتّل «التغيير والإصلاح» ورئيسه النائب ميشال عون، وقال: «عون بطل المغامرات الفاشلة والحروب الخاسرة، وهو يخوض حروباً فاشلة والمسؤولية في النهاية تتحملها «القوات اللبنانية»، مؤكّداً أنّ المناطق المسيحية الحرّة لم تسقط إلّا بعد مجيء عون وبطولاته الوهمية وهذه ليست صدفة.

واعتبر أنّ هدف «التكتل» من وراء تعطيل الاستحقاق الرئاسي تغيير النظام برُمّته. وذكر أنّ «التكتل» ترك البلد 5 أشهر من أجل مرشّحه، واليوم يتباكى على التمديد، وهو كان جزءاً مما حصل.

«التيار»

واستغربَت مصادر بارزة في «التيار الوطني الحر» كلامَ جعجع، وقالت لـ»الجمهورية»: «إذا كان جعجع يشعر بأنّه أخطأ فعليه أن لا يفشّ خلقه فينا»، ثمّ هو كالعادة يرتكب جريمته ويتّهم الآخرين بها». وأضافت: «ليكفّ عن التذرّع والقول إنّه مدَّد لأن لا رئيس للجمهورية، ونذكّره بأنّه سار في التمديد الأوّل بوجود رئيس الجمهورية».

ثمّ إنّ الملفت في كلامه أنّه مدّد كي لا يذهب البلد الى الفراغ، حسناً، إذاً أنّ «حزب الله» ضدّ الوصول إلى الفراغ، يعني «التيار» ليس تابعاً للحزب، يعني لا الحزب يديره ولا نحن ندير الحزب»، فليحدّد جعجع، إمّا نتبع الحزب وإمّا نحن مستقلّون عنه». وقالت المصادر: «إذا أمرَت السعودية جعجع بالتمديد وهو لا يستطيع تغطية خطوته شعبياً فنحن نعذره، وإنّما الشعب اللبناني لن يعذرَه».

«القوات»

وقالت مصادر بارزة في «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» إنّ المشكلة مع العماد عون ما زالت نفسها منذ العام 1988، وهي إمّا التسليم بطموحه الرئاسي أو يحرق البلد، وذلك من «حرب التحرير» التي دمّرَت المنطقة «الشرقية» آنذاك ومهّدت إلى اتفاق الطائف، إلى حرب الإلغاء التي شنّها انتقاماً لعدم انتخابه رئيساً.

وقالت المصادر إنه وفَورَ عودته من المنفى انقلبَ على كلّ الشعارات التي رفعَها، واستطراداً على خطّه السياسي، وتحالفَ مع «حزب الله» والنظام السوري كردّ فعل على 14 آذار التي رفضَت الخضوع لشروطه، فتحوّل من مدافع عن الدولة إلى مدافع عن الدويلة».

وأشارت المصادر إلى أنّه وبعد كيلِه الاتهامات على تيار «المستقبل» وشتم الشهيد رفيق الحريري في قبره والتهجّم على المملكة العربية السعودية، عاد وتراجعَ عن خطابه العدائي ضد السُنّة 180 درجة عندما لمسَ وتأكّد أنّ وصوله إلى بعبدا غير ممكن في ظلّ هذه العدائية.

ورأت المصادر أنّ كلّ هدف عون من رفض التمديد كان الوصول إلى الفراغ من أجل أن ينهار البنيان اللبناني، في استنساخٍ لتجربة عامي 1988 و1990، ولفتت إلى أنّ مَن أوصَل إلى التمديد هو عون، بعدما وضعَ اللبنانيين بين خيارَي الفوضى أو التمديد.

خليّة الأزمة

وعشية جلسة مجلس الوزراء، عَقدَت خلية الأزمة الوزارية المكلفة متابعة ملفّ العسكريين المخطوفين اجتماعاً لها عصر أمس برئاسة سلام، وخُصّص للبحث في تطوّرات هذا الملف.

وقالت مصادر تواكب الملف لـ«الجمهورية» إنّ الساعات القليلة الماضية لم تشهد أيّ تطور، وإنّ آخر ما سُجّل على هذا الخط كان عندما قام الوسيط القطري – السوري الجنسية بنقل شروط «جبهة النصرة» إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وهي نفسها التي تضمّنتها الورقة التي عمّمتها الجبهة عبر وسائل الإعلام الخاصة بها وحدّدت فيها ثلاثة خيارات.

وقالت المصادر إنّ شروط «النصرة» وُضعت بالتنسيق مع قيادة «داعش» في القلمون، كما أبلغت الوسيط القطري، ولذلك لم يدخل الطرفان الخاطفان في قضية الأسماء التي يطالبون بالإفراج عنها، بل اكتفيا في هذه المرحلة بالحديث عن المبدأ. وفي حال قبِلَ لبنان بمبدأ المقايضة على أساس الخيارات الثلاثة سيعود البحث في الأسماء.

ولفتت المصادر الى انّ الوسيط القطري ما زال في بيروت يُجري بعض الاتصالات، بانتظار جلسة مجلس الوزراء اليوم التي ستناقش في مضمون الورقة ونتائج اجتماع خلية الأزمة وما أوصَت به.

واعتبرَت المصادر أنّها المرّة الأولى التي تسلك فيها العملية التفاوضية طريقاً محدّداً بانتظار ما ستكون عليه ردّة الفعل اللبنانية للسير بالخطوات اللاحقة.

رسالة فرنسية إلى سلام

وفي هذه الأجواء علمت «الجمهورية» أنّ السفير الفرنسي في بيروت باتريس باولي سيُطلع رئيس الحكومة قبل ظهر اليوم على تفاصيل العقد الذي وقّعته المملكة العربية السعودية وحكومة بلاده أمس الأوّل في الرياض بشأن الهبة المالية – العسكرية السعودية بقيمة ثلاثة مليارات دولار، والمراحل اللاحقة التي سيسلكها بروتوكول التعاون بين البلدين لصالح الجيش اللبناني.

جنبلاط

وكما أشارت «الجمهورية» قبل أيام، توجَّه النائب وليد جنبلاط الى موسكو مساء أمس على رأس وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي ضمّ، الى وزير الصحة وائل ابو فاعور، نجلَه تيمور ونائبَه للشؤون الخارجية دريد ياغي وعدداً من المسؤولين.

وقالت مصادر الحزب إنّ الزيارة تأتي تلبيةً لدعوة من وزارة الخارجية، وسيلتقي خلالها كبار المسؤولين يتقدّمهم، حسب ما هو مقرّر، وزير الخارجية ونائبه لشؤون الشرق الأوسط – موفده الى المنطقة وعدد من كبار الشخصيات. ولم تستبعد المصادر ان يتمّ ترتيب لقاء بين جنبلاط والرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذا سمحت الظروف بذلك خلال الزيارة التي تستمر حتى يوم السبت المقبل.