IMLebanon

مبادرة بكركي هي الحلّ؟

 

أبشع ما نعيشه في لبنان هو لعبة «الكذبة البيضاء» التي تُمارس في الحياة الإجتماعية وحتى السّياسية حيث أصبح الكذب على الذات والشعب القوت اليومي للمسؤولين الذين قالوا يوماً «اللّيرة بخير – البلد لن ينهار». لن ندخل الآن بالأسباب لأنّنا سنغوص مباشرة في الحل البطريركيّ ولنكن متّفقين أن نهوض البلاد من تحت الرّكام لن يكون سوى على يد دعم دولي، بحيث أنّ الإصلاحات بعيدة المنال وإن تحقّقت،نتيجتها سنلتمسها بعد أن يكون الأوان قد فات.

 

ولنكن متّفقين أيضاً أنّ هذا الدعم للبنان لن يكون عبر دول الممانعة، بل سيرتكز على مال خليجي وتسهيل في عملية الإقتراض مُقابل شروط بالطبع ستكون غربية. ولُبّ الموضوع سيكون عند هذه الشروط، وكأنّ الصّيّاد الأميركي دبّر لنا، نحن الفريسة، جزءاً من هذه الأزمة الإقتصادية ليَعود لاحقاً ويتفاوض معنا وعلينا فنكون نحن الطّرف الأكثر استعجالاً وضعفاً بسبب ما نمرّ به من انهيار وكساد. وهكذا يُمكن القول أنّ بكركي حاولت التوثيق بين حاجة لبنان إلى هذا الدعم من جهّة، وبين استحالة تنفيذ الشروط من جهّة أخرى. معظم هذه الشروط تودي بالبلاد إلى فوضى سياسية تُشعل الشارع وتُعكّره فتزيد احتمالات أل «ميني – حرب أهلية» التي ستكون حرب شوارع في مناطق متوزّعة وهذا، كما يبدو، لا يطلبه أحد. ولكنّ، هل الإدارة الأميركية تريد فقط مواقف قويّة ومتقدّمة تَهدف إلى تأسيس جبهة في المستقبل القريب؟ هل تنفيذ الشروط سيَكون في وقت متأخّر؟

 

وكما تسعى بكركي إلى التوثيق بين الإنفجار الشعبي والإنفجار الأمني، تهتمّ أيضاً أميركا بتأمين التوازن لخطّتها في الداخل اللّبناني، إذ إنّ أيّ انزلاق نحو مواجهة عسكريّة مع حزب الله ستُلغي كلّ نتائج الحرب الإقتصاديّة الّتي شُنّت على الحزب المُسلّح إيرانيّاً. مواقف البطريرك الراعي أتت لتصويب بوصلة الدّاخل اللّبناني، فمَن يُعيد الإصغاء إلى خطابه لن يجد فيه أيّ شائبة، لا بل العكس، شُرفة بكركي نَطقت بالحقّ: لا للسّلاح غير الشرعي، نعم لمؤتمر دولي يُعالج وضع لبنان، الحياد ومن ثمّ الحياد… بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق تحدّث عن مسلّمات يتمتّع بها أيّ بلد طبيعي؛ فالإنفتاح على العالم بقسميه الشرقي والغربي ضرورة، النأي بالنفس عن الصّراعات (وليس الحقوق) ضرورة، الجلوس على طاولة مستديرة تضمّ الجميع دون أنّ يتعالى أيّ فريق بقوّته على الآخرين… ضرورة!

 

كلّ الأسف على العقول الفقيرة الّتي اجتزأت مواقف بكركي وحوّرتها، وكلّ الشّفقة على أولئك الذين عيّروا بكركي بجمهورها غير مدركين أنّ زعماءهم وأسيادهم تنهمك أصابعهم الآن بإعادة ضرب وطرح الحسابات السياسية.

 

جيّدٌ أنّ الصّرح البطريركيّ، حامل مجد لبنان، دعا للحوار ولحلّ مشكلة النازحين والتنبّه من التوطين. كما جرى التشديد على تشكيل حكومة إنقاذية تَعمل على إصلاحات. بكركي صانت وحدة لبنان وكرامته بمواقف شجاعة لا يرفضها سوى الحاقد وصاحب أجندة الدويلة والإحتلال.

 

صحيح أنّ البطرك المارونيّ قام بثورة وطنيّة لها أبعاد سياسيّة وترسم خارطة المرحلة المقبلة، ولكنّ المخاوف اليوم تكمن في أن تقوم بعض الأحزاب اللّبنانية، الّتي تدّعي الحرص على المسيحيّين، بجرّ المجتمع المسيحي إلى تصادم فيَتشكّل عندها رأس حربة أضراره كثيرة ومنافعه شبه معدومة. هذه الأحزاب تملك أجندات تَخلق الخراب وتُغذّي الإنقسام والفتن وتُلغي دور بكركي الجامع الوطني. هذه الأحزاب ركبت موجة ثورة ١٧ تشرين وتُحاول اليوم ركوب موجات بكركي الصّادقة، فتَستغلّ كلام الحقّ بهدف تحقيق مشاريع باطلة…

 

خلط أوراق جديد حَصل في لبنان لا يدلّ سوى على توسّع في رقعة الحرب السّياسية التي لن تهدأ سوى بعد اتّفاقات وتسويات خارجيّة تنعكس على الداخل. حمى الله لبنان…