IMLebanon

فيدرالية «نيترات الأمونيوم» أو نحرق البلد

 

تصدّر قائمة أثرياء الزعماء والقادة العرب بثروة تقدر بـ 131 مليار دولار، وهي ثروة تقارب ستة أضعاف موازنة ليبيا للعام 2011 البالغة 22 مليار دولار.عُرف بلقب «ملك ملوك افريقيا» وصاحب «الكتاب الأخضر» الذي طرح فيه النظرية العالمية الثالثة البديلة عن نموذج الرأسمالية والماركسية.

 

حَكم العقيد معمر القذافي ليبيا لأكثر من 42 عاما وضع خلالها خارطة طريق لمعظم الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية لقمع واضطهاد شعوبها بقوله: انشروا الأكاذيب وازرعوا الفوضى وتلاعبوا بسير الأحداث والوقائع، اقتلوا كل من يواجهكم لتبينوا له كلفة التحدي، ثم ازرعوا الشكوك وانشروا الانقسامات بين الشعب ليحارب بعضه بعضا. استمروا حتى لو دمرتم البلد، فإما ان يبقى القائد او نحرق البلد!

 

بعد الغارة على موكبه من قبل طائرات حلف شمال الأطلسي، اعتقله «ثوار ليبيا» في مدينة سرت وهو مازال على قيد الحياة حيث تمت تصفيته في 20 تشرين الأول 2011 وكان يصيح «حرام عليكم» ملتمسا الرأفة من الثوار. قُتل معه وزير دفاعه أبو بكر يونس وبعض الحراس الشخصيين كذلك ابنه المعتصم، وتمّ لاحقا القبض على ابنه سيف الإسلام حيث بترت أصابع يده التي رفعها يوما مهددا ومتوعدا بها الشعب الليبي والثوار بالقصاص.

 

***

 

أوصي عموم قادة الاحزاب والتيارات السياسية اللبنانية وبالأخص التيار الوطني الحرّ، التوقف ملياً أمام مصير العقيد معمر القذافي وأخذ العِبر من نهاية كل مستبد وظالم يتحدّى إرادة شعبه، كما المجتمع الدولي في ذات الوقت.

 

لقد راهن التيار العوني ان درب استعادة حقوق المسيحيين وبلوغ الوزير جبران باسيل كرسي رئاسة الجمهورية يمّر بالضاحية الجنوبية وبالتحديد عبر سراديب وأنفاق «حزب الله» المصنف إرهابيا. فأمّن للحزب الغطاء المسيحي ويسّر له التوغل واستخدام مختلف مرافق وإدارات الدولة اللبنانية، تماما كما فعل المسلمون ابان الحرب الاهلية العام 1975 حين خالوا بان استعادة حقوقهم من النظام اللبناني والتحرّر من «عقدة الغبن» يتحقق لدى اعتبارهم «الفلسطينيون جيش المسلمين» وبأن «طريق فلسطين تمرّ عبر مدينة جونية». فكان الاجتياح الإسرائيلي العام 1982 الذي دمّر لبنان ووصل الى قلب العاصمة بيروت، حيث أُرغم القائد العام لحركة فتح «أبو عمار» ومعه المقاتلون الفلسطينيون على المغادرة براً عبر سوريا وبحراً انطلاقا من الشواطئ اللبنانية.

 

بيد أن التيار العوني لم يستنبط الدروس والعبر من فواجع الحرب الاهلية اللبنانية ومآسيها، فغامر بتهور بإلقاء نفسه بين أحضان «حزب الله»، متوهما بأن دولة إسرائيل أوهن من «بيت العنكبوت»، كما يحلو للسيد حسن نصرالله أن يردد في خطبه لإلهاب حماسة جمهور المقاومة. لكن ما نتج عن التفجير التخريبي لمستودعات الذخيرة التابعة لـ «حزب الله» في مرفأ بيروت، ومن تهديم لثلث مساحة العاصمة وإلحاق الاضرار الجسيمة في المناطق ذات الأغلبية المسيحية، دفع بالرأي العام اللبناني عموما والمسيحي خصوصا الى توجيه الملامة باتجاه العهد والتيار العوني وحليفهم «حزب الله» مع تحميلهم مجتمعين بالتضامن والتكافل مسؤولية سقوط قوافل الشهداء والجرحى، الى جانب الخراب والدمار الهائل الذي لحق بالعاصمة بيروت نتيجة الانفجار المريع، التي صنفته وكالة رويتز على انه اقوى رابع انفجار في العالم بقوة تتجاوز 300 طن من المتفجرات!

 

بالرغم من معرفة العهد كما التيار العوني بأن جيش الدفاع الإسرائيلي يقصف باستمرار قوافل ومخازن الأسلحة التابعة لـ «حزب الله» في كل من إيران والعراق وسوريا ولبنان. ورغم ان الوزير جبران باسيل يعلم منذ سنوات بان «حزب الله» يُخزّن الصواريخ الذكية وغير الذكية كما المتفجرات ضمن المناطق السكنية وبين الاحياء مستخدما أرواح وممتلكات اللبنانيين كدروع بشرية، فقد عمد بتاريخ 1 تشرين الاول 2018 الى معاونة الحزب على تمويه هذا الأمر والتستر عليه حين أقدم على دعوة عشرات الديبلوماسيين العرب والاجانب لزيارة منطقة مطار بيروت، بعد ان كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو امام الأمم المتحدة بتاريخ 27 أيلول 2018 عن وجود ثلاث مواقع تحت الأرض بالقرب من مطار بيروت الدولي، تحتوي على صواريخ دقيقة تابعة لتنظيم «حزب الله».

 

اللافت للنظر ان الناطق باسم جيش الدفاع الاسرائيلي كشف أيضا في شهر تموز العام 2019 بأن «إيران وجهات سورية تقوم بتهريب مواد ثنائية الاستخدام الى لبنان من خلال مرفأ بيروت بهدف تعزيز تطوير مشروع «حزب الله» لإنتاج الصواريخ». فلماذا تجاهل الوزير باسيل الأمر ولم يصطحب الديبلوماسيين العرب والأجانب لزيارة مرفأ بيروت؟ لربما شكل بزيارته ضغطا على «حزب الله» للإسراع بتفريغ مستودعاته في مرفأ بيروت من مادة «نيترات الأمونيوم»، كما سبق له أن فعل ذلك في منطقة مطار بيروت الدولي، هذا مع الأخذ في الاعتبار ما ورد في مجلة «دير شبيغل» الالمانية حيث أكدت «عن وجود علاقة بين مالك السفينة التي جلبت شحنة نيترات الأمونيوم الى ميناء بيروت، و«حزب الله» اللبناني المدعوم من طهران… وبأن كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم المخزنة في الميناء اختفت قبل الانفجار الذي هزّ العاصمة اللبنانية».

 

بل لربما كان من واجب العهد قبل التيار العوني الطلب بل الإلحاح على قيادة «حزب الله» سحب مادة «نيترات الأمونيوم» والصواريخ من المناطق المسيحية وغير المسيحية المحايدة، وتخزينها حصريا ضمن حدود فيدرالية «حزب الله»، تماشيا مع ما طالب به غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته الجريئة بل الوطنية، حيث دعا السلطات اللبنانية «الى دهم كل مخابئ السلاح والمتفجرات ومخازنه المنتشرة من غير وجه شرعي بين الاحياء السكنية في المدن والبلدات والقرى»!

 

***

 

كيف للتيار العوني أن يَحمل راية «حزب الله» بعد أن أثبتت المحكمة الخاصة بلبنان تورط الحزب في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري، وأيضا ارسال الحزب شبابه للقتال في سوريا نصرة لنظام دموي واستبدادي يرفع شعار «الاسد أو نحرق البلد» كما يَطرح نظرية «نحكم البلد بوضع حذاء الحاكم فوق رؤوس الشعب»؟ نظام سوري فتح بين الاعوام 2004 و2007 بوابات معتقلاته لإرسال السجناء والانتحاريين والإرهابيين للانخراط في صفوف تنظيم «القاعدة» فرع العراق، بعد إمدادهم بالمال والعتاد العسكري.

 

الاهم من كل ذلك، وفْقَ أي منطق ينتهج التيار العوني سياسة مناقضة بل مخالفة تماما لهوية وتاريخ وحضارة المسيحيين في لبنان، بل تتنافى مع ثقافتهم التي تكونت عبر الأجيال على ركائز متينة من الانفتاح والتحرر والمحبة والتسامح والعيش المشترك، كذلك على تشبثهم بالحرية والديمقراطية وتمسكهن بحقوق الانسان التي نادى بها وزير خارجية لبنان الراحل الدكتور شارل مالك، العربي الوحيد الذي شارك في صياغة وإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948؟ انها تساؤلات يتوجب على التيار العوني الرد عليها اليوم قبل الغد!

 

نناشد عموم اللبنانيين الذين يقطنون خارج حدود فيدرالية «حزب الله» مطالبته بسحب مادة «نيترات الأمونيوم» والصواريخ والعتاد العسكري من المناطق المدنية المحايدة وتخزينها حصريا ضمن حدود فيدرالية «حزب الله» للكف عن الاستظلال بالمواطنين الآمنين واستخدامهم كرهائن وكدروع بشرية، الا إذا كان هناك من مُخطط سرّي ومشبوه ينفذه «حزب الله» بالتنسيق والتعاون مع التيار العوني لتهجير اللبنانيين بالإكراه من المناطق المسيحية والاسلامية التي لا تؤازر خط المقاومة، عبر دفعهم نحو الهجرة الكثيفة أو إرغامهم على بيع ممتلكاتهم في الأحياء المنكوبة كـ «الجميزة ومار مخايل والأشرفية…» تمهيدا للانقلاب النهائي على هوية لبنان السياسية عبر التلاعب الديمغرافي والعبث بالنسيج السكاني، اسوة بما جرى في «أحياء دمشق القديمة» خلال الحرب الاهلية في سوريا، حيث أُجبر السكان على بيع ممتلكاتهم لصالح الميليشيات الإيرانية، تطبيقا لمفهوم «سوريا المفيدة» وترجمة لشعار «الاسد أو نحرق البلد»!