IMLebanon

حكومة الوقت الضائع!

 

فيما شهد العالم، امس الاول، على ممارسة ديمقراطية سليمة عبر تصويت الكونغرس الاميركي على قرار اتهام الرئيس ترامب باستغلال نفوذه لتحقيق مكاسب سياسية خاصة تدعمه في سباقه الرئاسي المقبل، وإعاقة عمل الكونغرس عبر رفضه التجاوب مع التحقيقات، مما يحيله للمحاكمة وتصويت مجلس الشيوخ على عزله اذا ما صوت ثلثي الاعضاء، أي سبعة وستون بالمئة، لا يزال لبنان يتخبط في مستنقع اللاديمقراطية واللادستور الذي أغرقته به الطبقة السياسية، التي لم تستنفد أموال الدولة ومقدراتها لتحويلها للحسابات الخاصة وحسب، بل أمعنت بتقويض شعبها عبر استغلالها لقمة عيشه وسائر حاجاته الاساسية لإحكام إطباقها على مفاصل الحياة السياسية، حيث ربطت الخدمات الواجبة عليها بالتبعية الطائفية والسياسية المقيتة… ولطالما استسلم الشعب اللبناني طويلاً لهذا الواقع السقيم الى ان طفح الكيل ولم تعد كرامته تحتمل هذا الكم من الاستغلال والذل، فانتفض في ثورة ١٧ تشرين، وما زال حتى اليوم في الشوارع ينادي بأبسط الحقوق بدءاً بحكومة اخصائيين جديرة باستعادة الثقة المفقودة داخلياً وخارجياً، قادرة على الخروج من هذه الازمة غير المسبوقة بأقل قدر من الأضرار.

 

إلا انه لا حياة لمن تنادي… والطبقة نفسها هي اليوم تصم آذانها لصرخة الشارع وتحاول بشتى الوسائل حماية وجودها تارةً عبر قمع الثوار وتارةً عبر بناء جدار عازل ليفصل بينها وبين مصدر شرعيتها، ولا تزال تستمر بكيديتها ومناوراتها بالرغم من وقوف البلاد على شفير الانهيار الشامل والإفلاس الكامل.

 

إن تسمية الدكتور حسان دياب التي تمت البارحة، بغض النظر عن شخصه المستقل وكفاءته الأكاديمية المشهودة، ما هي إلا شكل آخر من الاستفزاز الذي تمارسه السلطة تجاه الشارع من جهة، وتحدٍ للميثاقية من جهة أخرى، التي يتمسك بها التيار الوطني الحر طالما تخدم مصالحه، ويتجاوزها إذا ما تناقضت مع مخططاته.

 

إن هذا التكليف ما هو الا هروب الى الامام في ظل منظومة فشلت في التحرر من التزاماتها الخارجية التي لطالما استخدمتها داخلياً لتحقيق السطوة على مفاصل الحياة السياسية، خاصة ان طريق التأليف، المفترض ان يكون بأسرع وقت، محفوف بالصعوبات في ظل شارع رافض لخيار السلطة من جهة وطبقة سياسية متناحرة فيما بينها وضغوطات خارجية هائلة تسعى لحكومة تستعيد ثقة المجتمع الدولي لتحرر الدعم المالي للوطن الصغير!

 

فهل سيستطيع الرئيس المكلف ان يتحرر من التزامه تجاه من سمّاه؟ وهل سينجح في تأليف يرضي الشارع الثائر على طبقة سياسية؟ وهل سيحظى بثقة الداخل تمهيداً لاستعادة ثقة الخارج، وهو الذي قبل التكليف من سلطة لم تستطع التلاقي مع شارعها ولا تلبي حاجاته ومطالبته بحكومة كفاءات مستقلة تخرجه من المأزق الواقع به؟.

 

ليس مهماً نبش الماضي وتضخيم الوقائع لاسقاط الرئيس المكلف، فالعبر بخواتيم الأمور والتحدي الأكبر الذي إما سوف يسقطه او يسجله في تاريخ لبنان كرئيس نجح في إدارة الازمة واخراج البلاد من قعر الانهيار السحيق، هو بقدرته على التأليف المستقل والفاعل وليس استنساخ حكومة كالتي أسقطتها الثورة او حتى الفشل في التأليف الذي يعني اضاعة وقت إضافي للوصول الى مخارج الازمة، ودفع البلاد الى مصاف الدول المارقة!

 

في حين كان النأي بالنفس السبيل الوحيد لتحييد لبنان عن صراعات المنطقة، كانت هذه المنظومة تدفع به لربط مصيره بهذه الصراعات ولا تزال حتى اليوم، ويدفع اللبناني هذا الثمن باهظاً من قوته اليومي، فهل ستتمكن هذه الحكومة من إخراجه من هذا الكباش أم انها ستكرسه كطرف فيه بعدما صُبغت بلون واحد؟