IMLebanon

لمصلحة مَن التوتّر التركي – الأوروبي؟

من الواضح أنّ الأزمة التركية – الأوروبية أبعد من أن تكون مسألة فتح الطريق أمام الناخب في الطرفين للذهاب إلى صناديق الاقتراع بحرّية وديموقراطية. الأزمة التركية – الأوروبية خدمت وفي قراءة سريعة لاعبين أساسيين من دون شكّ.

حزب «العدالة والتنمية» الذي زاد نقطتين على الأقلّ من نسبة التأييد والدعم له في حملات الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وكذلك حركات اليمين القومي في الدول الأوروبية التي ستواصل تماسكها وصعودها نتيجة الدعم الذي ستلقاه بعد امتحان روتردام بين الأتراك والهولنديين.

رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم يقول «بفضل تركيا إستطاعت هولندا إبعاد حزب «الحرية» اليميني القومي من السلطة»، فما الذي ستقوله هولندا بعد 16 نيسان المقبل مع إعلان نتيجة الاستفتاء التركي؟

هولندا سقطت في فخٍّ قد يكون البعض رسمه لها أو فرضه عليها عندما ألغت تصريح هبوط طائرة وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو على أراضيها، ورفضت دخول وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية إلى مقرّ قنصلية بلادها في روتردام، ثمّ أبعدتها إلى ألمانيا. لكنّ هولندا كانت جزءاً من خطّة تحرّك أوروبي مشترَك في التعامل مع التصعيد التركي.

التوتّر الديبلوماسي والسياسي سيتراجع عاجلاً أم آجلاً، لكن إرتدادات العبارات القاسية المستخدَمة في المواجهة لن تزول بسهولة، فهي بمنحى صبّ الزيت على نار تاريخية دينية عرقية جاهزة للاشتعال.

من الممكن إحتواء الأزمة هذه المرّة أيضاً، لكنّ الجسر المعلّق الذي يربط تركيا بأوروبا يهتّز ويترنّح.

مَن سيستفيد ويخرج منتصراً من هذا التوتّر التركي – الهولندي؟

تركيا تُردّد منذ فترة أنّ المشروع الأوروبي برمّته يُعاني من أزمة كبيرة في ظلّ المشكلات الاقتصادية، وخروج بريطانيا والخلافات الأميركية – الأوروبية حول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ونشاطاته.

فإذا ما أضفنا لذلك تصاعد اليمين في عدد من الدول الأوروبية وحملات العداء للاجئ والمهاجر المسلم، يمكننا القول إنّ أنقرة باتت على قناعة كاملة أنّ عضويتها تبتعد أكثر فأكثر ولا خيار سِوى طرح البدائل في علاقاتها الإقليمية والدولية.

المواجهة تحوّلت أيضاً من ثنائية بين تركيا وهولندا أو تركيا وألمانيا، إلى مواجهة تركية – أوروبية بعد الإصطفاف الأوروبي الواضح في وجه تركيا، وبعد التصريحات والمواقف الكثيرة التي أطلقتها القيادات السياسية التركية والتي كانت تشمل أوروبا وثقافتها وقيمها أوّلاً.

لكنّ المقلق حالياً أن تتحوّل إلى أزمة بين تركيا والمؤسّسات الغربية التي إلتحقت بها مثل «المجلس الأوروبي» و(الناتو)، لتنتقل إلى أزمة تركية – غربية أكثر تشابكاً وتعقيداً هذه المرّة.

أوروبا بعد هذه الأزمة ستزيد من إستعداداتها لمواجهة تركيا التي تتحداها، لذلك هي ستسعى وراء تقليص إسم تركيا في روزنامة أعمالها المقبلة، والأتراك سيبدأون البحث عن بدائل وخيارات إستراتيجية أخرى قد تكون عند الأميركيين والروس والصينيين والدول الخليجية مثلاً.

الصعود الإقليمي التركي والتقارب المتزايد بين أنقرة وموسكو والذي يكاد يتحوّل إلى إستراتيجي، وتراجع النفوذ الأوروبي المتزايد في الشرق الأوسط لمصلحة أميركا وروسيا والذي يفتح الطريق أوسع أمام تركيا كصلة وصل لا بدّ من التفاهم والتنسيق معها. زحف الثقل الاستراتيجي العالمي من الغرب إلى الشرق، من أوروبا إلى آسيا بين ما يغضب القيادات الأوروبية أيضاً.

بين أسباب اعتماد خيار التصعيد مع أنقرة تراجع الثقل الاستراتيجي الأوروبي في الشرق ومضي القوى الفاعلة في آسيا مثل روسيا والصين وتركيا وإيران والسعودية نحو تعزيز العلاقات بين دول القارة، وبناء منظومة علاقات ثنائية أقوى تبقي رأس المال والتبادل التجاري والصناعي والتكنولوجي تحت نفوذها وداخل حدودها.

روسيا أيضاً هي بين المستفيدين من الأزمة التركية – الأوروبية، فأحد أهمّ أهداف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضرب التقارب التركي – الأوروبي والتركي – الغربي في (الناتو).

أردوغان لم يتردّد في تمرير الرسائل الإيجابية بهذا الخصوص لروسيا في الشهرين الأخيرين عندما شعر أنّ الغرب يُخادع ويُناور فقط للوصول إلى ما يريد في ملفات مشترَكة مع تركيا، بينها الملف السوري وقضية اللجوء.

أوروبا ترصد بانزعاج مشروع التقارب التركي – الروسي الاستراتيجي في مجالات الطاقة والتسلّح والتنسيق في الملفات الإقليمية. منظّمة «شنغهاي» قد لا تكون الهدف لكن هناك ما يكفي من أسباب ليقلقها أكثر فأكثر.

لم لا نقول أيضاً إنّ التوتّر التركي – الأوروبي الأخير هو من مصلحة أميركا التي يهمّها بعد الآن تعطيل تقارب الطرفين لضرب العلاقات أكثر فأكثر بينهما. الإدارة الأميركية الجديدة تريد أيضاً الإطاحة بالتقارب التركي – الأوروبي في ملفات سياسية وأمنية إقليمية لتتحرّك كما تريد مستغلّة الفراغ الذي سينشأ لمصلحتها؟

وضعت الحكومة التركية قبل أيام الحجرَ الأساس في مشروع بناء الجسر المعلّق فوق مدينة «شنقله» التاريخية ليكون سادس خطّ يربط آسيا بأوروبا، وليكون أطول جسر في العالم.

أهمّية الجسر في العلن قد تكون زيادة التقارب التركي – الأوروبي، لكن أن تكون شركة كورية هي مَن يشرف على المشروع وأهمّية الجسر بالنسبة لروسيا من الأمور التي يجب أن تقلق أوروبا أيضاً.

الحكاية التركية معروفة الخراف بطبيعتها، مسالمة، ردة فعلها الأقوى هي الاكتفاء بإدارة وجهها والالتفات إلى الجانب الآخر لتجنّب الخطر، أبعد أشكال المقاومة عندها هو الرفس وهي تذبح وهي تعرف أنّ ما تفعله لن يتجاوز وخز الابر في اليد. قيادات «العدالة والتنمية» تُحذّر يومياً هذا النوع من الجبناء.