IMLebanon

الأزمة الإقتصادية والمالية: الأسباب وآفاق الحلول!

 

جاء شهر تشرين الأول من العام ١٩٩٢ بكثير من التغيّرات ونقاط التحوّل للبنان على الصعيد السياسي والاقتصادي والمالي ليفتتح مسار جديد بعد معاناة البلد خلال خمسة عشر سنة سبقت. إلا أن توقف الحرب الأهلية والأعمال العسكرية وكافة المخططات والمشاريع المحضّرة مسبقاً والبدء الفوري للتنفيذ التي بدأت به حكومة الشهيد الرئيس رفيق الحريري (حكومة مختلطة بين سياسيين واختصاصيين) منذ التكليف في 15 تشرين الأول ١٩٩٢ لم تنجح في بناء الدولة والمؤسسات القوية والارتقاء بلبنان إلى مستوى الدول السيادية والمتطوّرة، فقد أفشلت المخططات الخارجية طموحات الداخل اللبناني وأدخلته في متاهات عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي والمالي.

 

منذ ذلك الحين، لم تفلح الحكومات المتتالية بإرساء قواعد اقتصادية ومالية تتوافق مع المعايير الدولية، وما كان من زلزال العام ٢٠٠٥ المتمثل بإغتيال الرئيس رفيق الحريري ليعيد البلاد إلى حقبة الأعوام ١٩٧٥-١٩٩٠. وعليه، فإن شرارة الحراك المدني في ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ الذي فجّر الأزمات الاقتصادية والمالية كانت نتيجة ٢٧ عاما بالتمام والكمال من العبث بالوطن ونتيجة نزاعات أطراف خارجية منها من يطمح ببناء الدولة الحقيقية وأخرى يسعى إلى تقويض الدولة وإرتهانها لمصالح دول ومحاور.

 

إزاء الأوضاع التي مرّ بها لبنان وما يزال، ونتيجة السعي الدؤوب من كل طرف إلى تناتش البلد والاستفادة القصوى من الفوضى للمكاسب الشخصية، ضاعت الخطط العلمية المتوجب تطبيقها لتصحيح الخلل في مالية الدولة واتجهت الحكومات المتعاقبة إلى المزيد من الإستدانة لتمويل مصاريفها الخدماتية غير المنتجة بسبب عدم كفاية الجباية والفساد المستشري وخدمة الدين العام وكلفة اللجوء السوري.

 

جاءت الإشارات المنبّهة من شركات التصنيف وأولها «فيتش – Fitch» التي خفّضت تصنيف لبنان لأول مرة منذ أمد طويل، وثانيها من البنك الدولى الذي أصدر تقرير بيّن فيه أن العجز فى الميزان التجاري يمثّل 11.50% من الدخل لقومي ونسبة الدين العام ١٥١% من الدخل القومي.

 

وكأن منتصف شهر تشرين الأول يحمل دلالات إلهية في التحوّلات اللبنانية. فبعد ٧ ٢ عاما، قال الشعب اللبناني كلمته بالوقوف في وجه الطبقة السياسية الموالية لأنانياتها السياسية والمنفعية وأعلن بدء مرحلة التغيير.

 

توقع اللبنانيون، أو البعض منهم، أن تأتي حكومة الأخصائيين التي طالبوا بتشكيلها وبرنامجها التنفيذي جاهز والمقررات الإنقاذية حاضرة للتطبيق وإعادة إنطلاق البلد بصيغته المصحّحة سيجري على قدم وساق مستنكرين حكومات الشهيد الرئيس رفيق الحريري الأولى.

 

تقاعست الحكومة الاخصائية بإتخاذ التدابير الصارمة عند دراسة الملفات، المفترض أن تكون معروفة بالتفاصيل الذين لم يأتوا من الفضاء، وإتجهت نحو تشكيل اللجان بدلا من طرح الحلول العلمية وتنفيذها، وغاصت في وحول الإستتباع السياسي التى لا تنفك من التبرأ منه على لسان رئيسها في كل مناسبة، وغابت عنها القرارات التصحيحية التي لا تتطلب إختصاص بل مجرد منطق يطبقه بكل إحترام أصحاب دكاكين أصغر حي في أي دولة في العالم: دراسة المداخيل والمصاريف ووضع آليات التوازن فيما بينها عبر التخفيف من الأعباء قبل زيادة المداخيل.

 

من أجل تحقيق بعض التوازن بين المداخيل والمصاريف، أخص بالذكر حجم موظفي القطاع العام المضخم والذي يخدم المحاسيب السياسية بدلا من خدمة الدولة وشعبها. أشارت الحكومة إلى هذه النقطة ضمن بيانها الوزاري ووعدت بالحلول الناجعة لها وفعلت، فبدل من أن تتوجّه إلى دراسة إحتياجات القطاع العام من الموظفين استنادا إلى الإجراءات المعتمدة والوصف الوظيفي لهم وإجراء المناقلات ضمن المؤسسات العامة للاستفادة من خدمات أجرائها الذين يتقاضون رواتبهم وتقديماتهم الاجتماعية والطبية والدراسية وسلسلة رواتبهم دون أي تأخير في حال إلتزموا بالقوانين الوظيفية أم لم يلتزموا، توجهت الحكومة، واستكمالا لمبدأ شلّ واحد من أهم ركائز الاقتصاد الوطني المنتج والذي بدأت معالم ضربه بالسياسة، إلى طرح موضوع تقليص عدد المصارف العاملة في لبنان عبر الدمج أو الاستحواذ مما يعني تخفيض القوة العاملة في هذا القطاع من حوالى 25 ألف موظف إلى 15 ألف، ما سيؤدّي إلى زيادة في نسبة البطالة التي تضغط على الشباب وذوي الخبرات وتعمّق المشاكل الاجتماعية.

 

تعمد الحكومة من جديد إلى التعميّة عن المشاكل الحقيقية الضاغطة على مالية البلد وإقتصاده عبر الهروب إلى الأمام بدلا من وضع الحلول الإجتراحيّة على طاولة التنفيذ وذلك مراعاة للطبقة السياسية التي عيّنتها. وكي لا يتهمنا المشككين بأننا هواة «نقّ وطقّ»، نلفت نظر الحكومة أن ما يلزم لبنان هو تطبيق مفاهيم الصيرفة الإسلامية التي شرّعها الله منذ 15 قرنا لترسيخ العدل بين كافة أفراد المجتمع لكونها ترتكز على تنمية الأصول التي من نتاجها تموّل المصاريف، وللدولة اللبنانية أصولا يمكن الارتكاز عليها للإنطلاق في تغيير النمطية الاقتصادية والمالية.

 

فيا دولة رئيس مجلس الوزراء، ندعوكم إلى تشكيل لجنة من الخبراء الماليين والمصرفيين المتخصصين في الصيرفة الإسلامية لإقتراح تعديل القانون رقم ٥٧٥ الصادر بتاريخ 00/2/2004 خاصة فيما يتعلق بالمواد التي تعرقل أعمال المصارف الإسلامية في لبنان وإطلاق عملية المشاركة بين القطاع العام والقطاع الخاص لأجل لبنان وشبابه ومستقبلهم.