IMLebanon

اللبنانيون كفروا بأداء السلطة المركزية!

lebanon-flag-1

كتب بيار عطاالله في صحيفة “النهار”:

“الفيديرالية حتماً” ليس عنواناً من أرشيف الحرب اللبنانية، ولا شعاراً لحركة “لبناننا” التي كان أسسها النائب سامي الجميل مع رفاقه، بل هي عنوان حوار دعت اليه بلدية الدكوانة – مار روكز- ضهر الحصن لمناقشة ما كتب في الدعوة: “الإنماء المتوازن ما بين اللامركزية الإدارية والفيديرالية”، وذلك في حرم كلية الهندسة في الجامعة اليسوعية – مار روكز.

الكلام على الفيديرالية وعنها لم يعد من المحرمات، فإضافة إلى الاخبار التي تتداولها وسائل الاعلام عن مشاريع الفيديرالية في سوريا سبيلاً الى حل النزاعات الدموية والحرب الاهلية المتمادية، دون اغفال العراق الفيديرالي والمكرس ثلاث مناطق سنية وشيعية وكردية في الدستور والقانون، ثمة من يتداول الفيديرالية على جدران الشوارع بعبارات مثل: “الفيديرالية مش تقسيم” الى شعارات اخرى تتحدث عن الفيديرالية بتعابير ملطفة في لبنان، على مثال اللامركزية والمناطقية والأقضية والاتحادية وغيرها من تعابير يستنبطها اللسان اللبناني. والفكرة من وراء ذلك ان النظام المركزي “اليسوعي” الصارم الذي اختاره الانتداب الفرنسي لإقامة دولة لبنان الكبير العام 1920 ولاحقاً دولة الاستقلال العام 1943 ما عاد يصلح نموذجاً للتعددية والتنوع اللبناني الذي يختلف على كل الامور والقضايا التي يمكن ان تخطر ببال، لكن ثمة اجماعاً على ضرورة التوصل الى حل ينتشل اللبنانيين من أزماتهم الأبدية.

لم يكن سهلاً الكلام على الفيديرالية خلال سني الاحتلال السوري المديدة من العام 1990 الى 2005، ولاحقت تهمة الفيديرالية رئيس حزب “القوات” سمير جعجع في مراحل عدة من محاكماته الشهيرة أمام المجلس العدلي، وكانت سيفاً يشهره القضاة في وجهه يتهمونه بها على خطى نظريات البعث السوري والقوميين العرب في رفض أي رأي أخر اولاً ورفض تمايز اللبنانيين والاعتراف بتعدديتهم وتنوعهم الطائفي.

وتشاء سخرية القدر ان تندلع الحرب الاهلية في سوريا وتصبح الفيديرالية خياراً لإنقاذ ما تبقى من مناصري البعث السوري. لم يجرؤ اي انسان على طرح فكرة الفيديرالية واستطراداً اللامركزية خلال 15 سنة، لا لشيء إلا لأن “الجبهة اللبنانية” كانت قد تبنت في مقررات خلوتها الشهيرة في سيدة البير في المتن، تبني تعابير مثل التعددية والتنوع والفيديرالية سبيلاً لحل الازمة اللبنانية. ولاحقاً تبنى بعض قيادات الاحزاب المسيحية هذه الافكار بدون ان ينتقلوا بها الى حيز التفكير العملاني، باستثناء قيام سمير جعجع بتنظيم المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرته واخضاعها لنظام معين انتهى بحرب أهلية بين المسيحيين أنفسهم. وهكذا كان على دعاة الفيديرالية ان يمارسوا التقية طيلة سنين الى ان اخذت تطرح بقوة مع الانسحاب السوري وبدء مسار الانهيار في مؤسسات الدولة المركزية العاجزة عن جمع النفايات وتأمين الكهرباء والمياه لمواطنيها، اضافة الى امور بسيطة أخرى مثل التأمين الصحي وضمان الشيخوخة وغيرها. وكانت تقابل هذا الفشل الذريع للسلطة المركزية “نجاحات” و “خطوات ايجابية” للمؤسسات البلدية والخاصة ابرزها ما قامت به كهرباء زحلة، التي استطاعت تأمين الكهرباء 24 على 24 وبصورة محترمة وإن بوسائل تقليدية قديمة، في مقابل فشل كهرباء لبنان في مهمتها على مستوى لبنان ككل، الامر الذي شكل حافزا لفاعليات طرابلس للبدء بتجربة مماثلة لزحلة، وثمة كلام على استعدادات لاطلاق نماذج اخرى في جبل لبنان والجنوب.

شكل فشل الحكومة والسلطة المركزية في تأمين حل لأزمة النفايات، الشعرة التي قصمت ظهر البعير، واكدت للرأي العام ان انتظار الحلول من السرايا الحكومية والوزارات المعنية لن يؤدي الى اي نتيجة، فكان ان بدأت البلديات او بعضها بمعالجة نفاياتها بطريقة علمية وصحية كما جرى في النبطية وبكفيا وزحلة ومناطق كثيرة قررت ان تحزم امرها وتعمل على الحلول. ولو صرفت السلطة المركزية الوقت على تدريب البلديات على استيعاب النفايات وبناء معامل الفرز والتخمير لكان ذلك افضل من الحلول التعيسة التي وصلت اليها.

يقول الفيديراليون ان اكثر من نصف سكان الارض يعيشون في مجتمعات فيديرالية، من الولايات المتحدة الاميركية الى روسيا الاتحادية والمانيا وبلجيكا والهند، وتاليا لا مبرر امام اللبنانيين لرفض فكرة الاتحادية ما داموا متفقين على رفض التقسيم والحكومة الواحدة والجيش الواحد والعملة الواحدة والديبلوماسية الواحدة، وترك الاقضية تتولى امور نفاياتها ومواردها الطبيعية والبيئية وتنظيم بناها التحتية بما يتناسب ومصالحها.