IMLebanon

جهة عربية نقلت إلى “حزب الله” تحذيراً إسرائيلياً!

كتب وليد شقير  في صحيفة “الحياة”:

تعددت التفسيرات في الدوائر السياسية والرسمية الضيقة لأسباب التهديدات العالية التي أطلقها الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله الخميس الماضي في اتجاه إسرائيل، وصولاً إلى التلويح باستهداف مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي، والذي هو سابقة في الصراع بين الحزب وإسرائيل.

ومن التفسيرات، وفق قول مصادر واسعة الاطلاع لـ “الحياة”، أن جهة عربية نقلت معلومات دولية إلى “حزب الله” في الآونة الأخيرة، عبر قنوات خاصة، تحذّر من إسرائيل، بالاستناد إلى معلومات دولية، بأنها ستقدم على ردّ عسكري كبير ضد الحزب ولبنان، إذا أقدم الحزب على عمل عسكري ضدها انطلاقاً من الأراضي السورية أو اللبنانية. وأشارت المصادر إلى أن الجانب الإسرائيلي يرصد تحركات الحزب في سورية وفي لبنان، لجهة استمرار تزوده بأسلحة وتواجده في مناطق في سورية قد تستخدم ضده في أي عمل عسكري ضدها.

وترجح المصادر نفسها لـ “الحياة” أن يكون التحذير الذي نقل إلى نصرالله من الجهة العربية، على أنه جدي ويشمل استعداد حكومة بنيامين نتانياهو لاستهداف الحزب والأراضي اللبنانية كافة باعتبار الحزب يتمتع بتغطية منها، هو الذي دفع نصرالله، إضافة إلى عوامل أخرى، إلى رفع مستوى التهديد المقابل. وذكرت المصادر إياها أن التحذير العربي لـ “حزب الله” شمل تقديراً بأن لدى نتانياهو قدرة على الحركة الإقليمية وضد الحزب، في عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، أعلى بكثير من قدرته إبان رئاسة سلفه باراك أوباما، ما يستدعي توخي الدقة والحذر والحكمة من جميع الأطراف المعنيين، لأن إدارة ترامب تتمتع بعلاقة وثيقة جداً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو أمر كان أحد المواضيع التي اطلع عليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال زياراته العربية، حيث استمع إلى معطيات وتقديرات في شأن الخصوصية المستجدة لتلك العلاقة الإسرائيلية – الأميركية والمسببة للقلق العربي. هذا فضلاً عن أن عون تلقى نص الرسالة الإسرائيلية.

وفي موازاة هذا التفسير للتهديد العالي النبرة من نصرالله، تقول أوساط أخرى متصلة بدوائر رسمية في لبنان، أن الرسالة الإسرائيلية إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة التي اعتبرت كلام عون عن أن سلاح الحزب مكمل لدور الجيش، تشريعاً لنشاطات الحزب، ودليلاً على تعاونه مع الجيش، هي تبرير لاستهداف الجيش اللبناني أيضاً، وتحريض على عدم دعمه بالسلاح من جانب الدول الكبرى، من جهة واستكمال لسياسة التحذير المتواصلة منذ سنوات للحزب ولبنان من جهة أخرى. لكن هذه الأوساط تعطي تفسيراً إضافياً لموقف نصرالله، يتصل وفق تقديرها بقلق “حزب الله” من التطورات الخارجية وبالتسويات المحتملة في سورية نتيجة ما يحكى عن توافق محتمل أميركي – روسي، كالآتي:

1- إن التهديد المتواصل للحزب منذ أشهر والذي تعكسه وسائل الإعلام الإسرائيلية، كان يستهدف إبقاء توجيه ضربة له مسألة حية في المجتمع الإسرائيلي. ومن متابعة وسائل الإعلام هذه يمكن ملاحظة أن القادة الإسرائيليين كانوا يعتبرون أن الظرف المناسب لاستهداف الحزب هو انتظار تزايد استنزافه في سورية، وأن لحظة عودته منها يكون بلغ الدرجة الأعلى من هذا الاستنزاف، هذا فضلاً عن أن الانفكاك العربي عنه يكون ازداد نتيجة العداوة المتنامية بفعل تدخلاته في الدول العربية واليمن. لكن ما ينشر في الإعلام الإسرائيلي يعكس اقتناعاً بأن الحزب بلغ الحد الأقصى من هذا الاستنزاف، بحيث لن يستنزف أكثر مع استمرار تواجده في بلاد الشام.

2- إن إدارة ترامب قلبت المعادلة التي أرساها أوباما أثناء تفاوض إدارته مع إيران على ملفها النووي بفصله عن التفاوض على وضع المنطقة. وباتت معادلة الإدارة الجديدة هي مواجهة نفوذ طهران الإقليمي بمعزل عن الاتفاق النووي. وأبرز أذرع إيران الإقليمية بالنسبة إلى هذه الإدارة “حزب الله”.

3- العلاقة غير المسبوقة بين ترامب ونتانياهو، من طريق صهره جاريت كوشنير المستشار الخاص للرئيس الأميركي، والذي كشف تقرير لـ “نيويورك تايمز” مدى عمقها العائلي منذ صغره مع نتانياهو خصوصاً. وتعتبر هذه الأوساط أن هذه العوامل تقف وراء استشعار نصرالله الخطر من إسرائيل الذي أخذت تباشيره تتصاعد في الإعلام الإسرائيلي، ما دفعه إلى الرد الردعي.

لكن هذه الأوساط تعتبر أن رده كان له مفعول عكسي ارتد على لبنان، على رغم قوله أن عدوانية إسرائيل ليست مرتبطة بترامب أو غيره. وأبرز أسباب ذلك أنه بدل السعي إلى إضعاف الحملة الإسرائلية المتواصلة لدى المجتمع الدولي، عبر إبراز عدوانية إسرائيل ضد لبنان واستمرارها في خرق سيادته واحتلال جزء من أرضه، ذهب إلى حد التلويح باستهداف منشأة نووية إسرائيلية، الأمر الذي يسبب قلقاً دولياً، لدى أوروبا على الأخص، نتيجة احتمال تأثر دولها القريبة بأي تفجير نووي يحصل في المنطقة. كما أنه في مقابل مراهنة إسرائيل على مزيد من الانفكاك العربي عن الحزب صعّد العداء مع السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين، لا سيما أنه ربط التهديد لمفاعل ديمونة بالموقف الإسرائيلي من الملف النووي الإيراني، حين قال أن “إسرائيل تملك سلاحاً نووياً، وتعترض على برنامج إيران النووي السلمي. ولكن نحن نستطيع أن نحول التهديد الإسرائيلي إلى تهديد لإسرائيل ولمستوطنيها”، بعد أن قال: “هم يعلمون إذا أصابت الصواريخ مفاعل ديمونة ماذا سيحل به

تأييد عون للسلاح

وفيما دفع ردع نصرالله أوساطاً ديبلوماسية إلى قراءة تهديده لإسرائيل بأنه رد إيراني بنسبة 70 في المئة على تهديدات ترامب حيال إيران ودورها الإقليمي، وبأنه موجه الى واشنطن بالدرجة الأولى، سألت الأوساط المتصلة بالدوائر الرسمية اللبنانية: “ما هي المصلحة في تحميل لبنان وزر صراع أميركي- إيراني عبر إقحامه بحرب محتملة لا علاقة له بها من جهة، وتوريط عهد الرئيس عون في الصراع الإيراني مع دول الخليج العربي، عبر تصعيده اللهجة ضد هذه الدول في وقت سعى رئيس الجمهورية خلال زيارتيه للسعودية وقطر إلى استدراك الأزمة معها التي نشبت نتيجة عداء الحزب وإيران لها من جهة ثانية؟

ورأت هذه الأوساط في تفنيدها مساوئ التهديدات التي أطلقها نصرالله، أن المشكلة الإضافية أن نصرالله استند إلى كلام الرئيس عون المؤيد لسلاح الحزب من أجل إطلاق تهديده لإسرائيل، بالتزامن مع حملته على الدول الخليجية التي ما زالت في طور اختبار مدى قدرة رئيس الجمهورية على اتباع سياسة مستقلة عن الحزب. ولم تعر الأوساط نفسها اهتماماً للتفسير القائل إن هجوم نصرالله على الرياض كان بمثابة اعتراض سلبي لـ “الحرس الثوري” الإيراني على توجهات الرئيس الإيراني حسن روحاني أثناء زيارته الكويت لمناقشة الحوار بين إيران والدول العربية. ولاحظت الأوساط نفسها أن كلام نصرالله جاء بعد يومين على تبلّغ لبنان نص الرسالة التحريضية على تصريحات عون، والتي لسخرية القدر اتهمت لبنان بخرق القرار الدولي 1701، فيما الديبلوماسية اللبنانية دأبت على توجيه الشكاوى إلى المنظمة الدولية حول خرق إسرائيل له، عبر تعديها على السيادة واستمرارها في احتلال أراض لبنانية.

وترى الأوساط المتصلة بالدوائر الرسمية أنه على رغم أن الرئيس عون حاول تصحيح كلامه عن الحزب، أثناء وجوده في القاهرة بالقول أن سلاحه مطروح على الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية، بعدما سمع محيطه ملاحظات على ما قاله، فإن تداعيات موقفه الأول ثم خطاب نصرالله، طرحت أسئلة كثيرة حول البعد الداخلي لتفاعلاتهما. فرئيس الحكومة سعد الحريري لم يجد بداً من الرد على كل منهما، وإن تقصد عدم تظهير التباين مع عون من طريق الاستشهاد بكلامه الإيجابي عن اعتدال السعودية في معرض تأكيده العلاقة الممتازة معها رداً على نصرالله، بهدف التشديد على التزام القرار 1701، رداً على الرسالة الإسرائيلية. والهدف كان تجديد انسجامه مع موقف المجتمع الدولي بعد أن أكدت ممثلة الأمين العام للأمــم المتحدة سيغريد كاغ أن القرار الدولــــي ينص على أن السلاح الشرعي في يد الدولة فقط. هذا فضلاً عن أن السفيرة الأميركية إليزابت ريتشارد أبدت انزعاجها من أن تبني سلاح “حزب الله” يصعب مهمة الدول التي يهمها دعم الجيش ومنها واشنطن.