IMLebanon

لبنان في “عنق زجاجة” قانون الانتخاب

كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:

شكّل تعليق رئيس البرلمان نبيه بري مشاركة ممثّله وزير المال علي حسن خليل في الاجتماعات التشاورية ذات الصلة بقانون الانتخاب في لبنان، الإشارة الأكثر تعبيراً عن عودة هذا الملف الى «المربّع الأول» على وهج ملامحِ أزمةٍ سياسية تطلّ برأسها من بوابة الاستقطاب الحاد على خطّ الثنائي الشيعي (بري و«حزب الله») والثنائي المسيحي («التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية») ومعه رئيس الحكومة سعد الحريري.

وجاءت «غضبة» بري في ملاقاةِ تطوريْن بالغيْ الأهمية: الأوّل الضربة التي تلقّاها طرْحه الذي قام على أساسِ التلازُم بين إقرار قانون انتخابٍ يقوم على النسبية على أساس 6 دوائر أو أكثر ويفضي الى برلمان تراعى فيه المناصفة المسيحية – الاسلامية بالتزامن مع إنشاء مجلس شيوخ يمثل العائلات الطائفية، وذلك بعدما تولّى رئيس «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) وزير الخارجية جبران باسيل تقويض هذا الطرح عبر «فاكسٍ» ليلي أبلغ فيه فريق رئيس مجلس النواب تعديلاتٍ على مشروعه تشمل صلاحيات مجلس الشيوخ بما اعتُبر نسفاً لصلاحيات البرلمان، ناهيك عن تَمسُّك «التيار» بأن يكون رئيس هذا المجلس المستحدَث (نص عليه اتفاق الطائف) مسيحياً، على عكس ما يريده الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط مستنداً على مداولات «الطائف» التي اعتبرتْه مدخلاً لتمثيل وازن لدروز لبنان في النظام السياسي.

والتطوّر الثاني تمثّل في تولّي الرئيس سعد الحريري «محاصرة» الجلسة التي حدّدها رئيس البرلمان للتمديد لمجلس النواب في 15 ايار المقبل، بوضعه «فيتو» على أي تمديد بمعزلٍ عن قانونٍ جديد، وذلك في سياق ما اعتبرتْه دوائر سياسية «مناورةً كبرى» رمتْ إلى زيادة الضغط في اتجاه إقرار القانون في الفترة الفاصلة عن منتصف الشهر المقبل وفي الوقت نفسه تكريس سياسة تحييد نفسه عن الصراع بين الثنائي الشيعي والثنائي المسيحي، وتالياً قطْع الطريق على «مكائد» سياسية تريد جعْل «تيار المستقبل» بمثابة «بيضة القبان» التي ترجّح كفّة «توجيه صفعة» للقوى المسيحية الوازنة في سياق «حربِ قانون الانتخاب» من خلال تمكين بري و«حزب الله» من الفوز بورقة التمديد المبكّر واستكمال مسار التفاوض حول القانون خلال فترة التمديد (سنة) من موقعِ قوّة وصولاً إلى الهدف الأمّ لـ «حزب الله» القائم على النسبية الكاملة بشروطٍ تخدم رؤية الحزب لمجمل الواقع اللبناني وتوازناته وحتى حساباته ذات الصلة بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

وبري الذي يشعر للمرة الثانية في ستة أشهر بأنه خُدع، بعدما تمّ تمرير صفقة الانتخابات الرئاسية التي أفضتْ الى وصول عون إلى قصر بعبدا من وراء ظهره، يرى هذه المرّة أنه في موقع مختلف تماماً، باعتبار انه يستفيد من وقوف «حزب الله» في الخندق نفسه معه في ما كان رئيس البرلمان نفسه وصفه «الجهاد الأكبر» حول قانون الانتخاب الذي غالباً ما قاربه الحزب من زاوية استراتيجية، يرى خصومه انها كانت حاضرة في «المسرح السياسي» لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005 ثم في أحداث 7 ايار 2008 العسكرية في بيروت والجبل.

ومن هنا، كانت بالغة الأهمية اندفاعة بري بوجه ما اعتُبر «الانقلاب على التمديد»، إذ تدرّج من التذكير بأن «أصل الفتن يكمن في عدم الاتفاق على قانون للانتخاب»، مستحضراً أسباب ثورة الـ58 واتفاق الدوحة (في اعقاب أحداث 7 ايار 2008)، وصولاً الى ما نُقل عنه أمس رداً على «فاكس» الوزير باسيل في ما خص مجلس الشيوخ «شو عم نلعب؟ هيدا مش شغل»، مضيفاً: «يريدون اللعب على حافة الهاوية أنا حاضر، يريدون تطيير مجلس النواب والحكومة فليكن ولنذهب إلى مؤتمر تأسيسي حتى وإن كنتُ شخصياً غير راغب فيه»، مضيفاً «الكرة لم تعد عندنا… وأنا لا أريد التمديد بلا قانون»، وواصفاً عرْضه حول قانون الانتخاب ومجلس الشيوخ بأنه على طريقة take it or leave it مضيفاً: «يراهنون على تأييدي التمديد، حتى إذا تعذّر يظنون أن في وسعهم استدراجي الى القانون الذي يريدونه. يلعبون لعبة حافة الهاوية؟ إنها شغلتي القديمة. ليجرّبوا».

وأتى كلام رئيس البرلمان على وقع النتائج السلبية التي خرج بها الاجتماع الذي عُقد عصر الجمعة الفائت في مكتب باسيل بمشاركة ممثّل لجنبلاط للمرة الاولى في «ورشة التفكير» حول المشاريع الانتخابية الى جانب ممثلين لكل من «حزب الله» و«القوات اللبنانية» و«المستقبل» وغياب ممثّل بري. وفي هذا الاجتماع عاد رئيس «التيار الحر» الى التمسّك بصيغة التأهيلي التي كان طرحها (من مرحلة انتخابٍ طائفي على الأكثري ضمن القضاء الى اقتراعٍ وطني ضمن 10 دوائر بالنسبي) كحلّ أفضل للأزمة الانتخابية، طارِحاً إقرار إنشاء مجلس الشيوخ في آن واحد مع «التأهيلي»، وسط معلومات عن أن نادر الحريري، مدير مكتب الرئيس الحريري، أيّد باسيل في ما ذهب إليه. علماً ان رئيس البرلمان كان نعى أكثر من مرّة «التأهيلي» واعتبر أنه طواه، ناهيك عن أن ربْطه بمجلس الشيوخ ينسف كل «فلسفة» إنشاء الأخير الذي يرى بري انه غضّ النظر في سياق قيامه عن وجوب ان يسبقه قيام مجلس نواب خارج القيد الطائفي، كما انه قدّم اشارة ايجابية بطرحه ان يكون البرلمان الذي يوازي إنشاء مجلس الشيوخ مناصفة بين المسيحيين والمسلمين (من دون أن يلحظ توزيعاً مذهبياً داخل كل منهما) وذلك بمعزل عن المسار الذي يرى كثيرون انه ينبغي ان يُعتمد لجهة البدء بإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، ثم إلغاء الطائفية السياسية، ثم انتخابات لمجلس نيابي على أساس وطني وصولاً إلى مجلس الشيوخ.

وفي رأي أوساط مطلعة في بيروت ان رفْع بري سقف التحدي في قانون الانتخاب، الذي يفترض ان يكون محور كلمة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بعد غد الثلاثاء، يعكس احتدام «المعركة» على هذه الجبهة التي تتساقط فيها صيغ الحلول الواحدة تلو الأخرى، فيما قانون الستين النافذ الذي لمّح عون الى إمكان ان يكون «رصاصة» قتْل الفراغ دونه حسابات معقّدة لـ «حزب الله» الذي لا بد أنه يقاربه من زاويتيْن حسابيتيْن: الاولى الخط الأحمر أمام نيْل الثنائي المسيحي الثلث المعطّل في البرلمان والثانية انه سيفضي الى برلمان أكثر من ثلثيْه «خارج سيطرة» الحزب.

وتبعاً لذلك، فإن لبنان يتجه الى حافة الهاوية وسط رهانٍ على فتْح دورة استثنائية للبرلمان حتى انتهاء ولايته في 20 حزيران المقبل لتمديد فترة السماح للمفاوضات حول قانون الانتخاب أو «معجزة» تسمح بالتوافق على إطار عام للقانون يشكّل أرضية لتمديد تقني.