IMLebanon

أيّ ثورة هذه، وأيّ إسلام هذا؟

نتضامن مع أهلنا في عرسال الذين رفضوا أن يسلّموا بلدتهم إلى المسلحين المجرمين، واكتشفوا الحقيقة ولو بعد حين. نتضامن معهم، ومع أهلنا في طرابلس وصيدا وغيرهما، الذين رفضوا أيضاً تسليم مدنهم للمتطرفين والمسلحين، واستُعملوا، في وقت ما، رهينة لدى هؤلاء. ونتضامن مع الجيش اللبناني في وجه هذا الإجرام الذي يواجهه ببسالة، كما نتضامن مع أنفسنا، فمن دون الجيش يصبح لبنان دويلات متقاتلة ومتناحرة كأبشع ما تكون الجاهلية.

ولكن على الجميع أن يعترف بأن ما وصلنا إليه هو نتيجة أخطاء منهجية وقع فيها شركاؤنا في الوطن الذين أخطأوا كثيراً في توصيف الأمور وفي اتخاذ المواقف المناسبة، وذلك منذ اغتيال الرئيس الحريري رحمه الله، مروراً بالعدوان الإسرائيلي 2006 وأحداث أيار 2008، وصولاً إلى بداية الفتنة في سوريا.

لو أردنا أن نلخّص هذه الأخطاء والمنهجية، نتحدث عن نقاط خمس:

ــــ الاختلاف على توصيف الأحداث في سوريا: يصر البعض على اعتبار ما حصل ثورة تهدف إلى العدالة والحرية وما إلى ذلك من الشعارات التي يحترمها الجميع، في حين تكشّف يوماً بعد يوم، وبعد أشهر فقط على بداية الأحداث، أن ما يحصل هو مؤامرة على سوريا، أو بالحد الأدنى فتنة اختلط فيها الحق والباطل، وأن من المستحيل أن نختزل الموضوع بأنه ثورة على نظام جائر… بعد كل ما حصل، وبعد أحداث عرسال وشمال العراق و«الدولة الإسلامية» المزعومة في الرقة والموصل، وبعد مشاهد الذبح والقتل والإبادة، هل يجوز الاختلاف على ما يحصل في سوريا؟ وإذا اختلفنا على توصيف النظام واختلفنا وعلى المقارنة بين حسناته وسلبياته، فهل يجوز الاختلاف بعد كل ما حصل على البديل المطروح، المتمثل فقط في «داعش» و«النصرة» وأمثالهما، وليس هناك جهة أخرى قادرة على إثبات نفسها على أرض الواقع؟ هل هذا البديل المطروح أفضل من النظام السوري؟ وهل الظلم الذي مارسه النظام السوري، حسب قولكم، يقارن بالظلم الذي تمارسه «داعش» وأخواتها؟ فلنبق مختلفين على الموقف من النظام السوري، ولكن هل يجوز أن نبقى مختلفين على توصيف ما يحصل في سوريا، وهل يجوز بعد كل ما حصل أن يتحدث البعض عن ثورة وثوار، وعن شعب يريد التغيير، وقد ثبت أن الأكثرية مع الاستقرار واستمرارية النظام، وليست مع التغيير نحو المجهول الذي أصبح واضحاً كيف سيكون؟

ــــ الاختلاف على المقاومة: هل يجوز أيضاً، بعد وضوح الخطر الذي كان محدقاً بلبنان، أن نتهم المقاومة بأنها تتحمل جزءاً من المسؤولية عن تنامي التطرف والتكفير، أم أن المقاومة استشعرت الخطر قبل غيرها وقدّمت خدمة للوطن، كل الوطن، بحمايتها حدوده الشرقية من تمدّد التكفير والفتن المرتبطة به؟ وهل هناك قوة في الوطن غير المقاومة حفظته وجمعت مختلف ألوان الانتماء إليه في بوتقة واحدة مفيدة ونافعة؟ وهل كان الوطن وطناً لو لم تكن هناك المقاومة؟

ــــ احتكار التفسير الإسلامي: استطاع البعض أن يفرض «اجتهاده» الإسلامي المزعوم على الآخرين، وإيهام جزء كبير من أبناء الوطن بأن الإسلام هو أفكار تتشابه وتتقاطع كثيراً مع أفكار وأقوال التكفيريين والمتطرفين والمجرمين الذين قام أمثالهم بالهجوم على الجيش اللبناني في عرسال، وبالاعتداء على الوجود المسيحي وعلى الآخرين جميعاً في الموصل. إن اختزال الإسلام بأفكار وهابية تشوّه سماحة الإسلام وسعة أفقه وعمقه في التاريخ سبب حقيقي من الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه. ومن المعلوم أن المال السعودي الذي يبذل بسخاء على جهات معينة يحول دون انتقاد المذهب الوهابي وتبيان الأخطاء الكبيرة التي تنسب للإسلام من خلال الفهم الوهابي المشوه. ومن جملة هذه الأفكار تصوير أهل السنة والجماعة كفرقة من الفرق الإسلامية، وليس كوعاء جامع للجميع، أو قبّة واسعة تظلل الجميع. كما أن تصوير أهل السنة والجماعة بأنهم فقط أولئك الذين يعتمدون الفكر الوهابي ويتبنّون تفسير فكرة «البدعة» بتلك الطريقة البشعة التي تعطل العقل البشري وتلخص الإسلام بكل ما يعرقل التطور البشري.

ــــ اجتزاء الصورة: يرى البعض مثلاً أن 7 أيار خطأ خطير واعتداء صارخ قام به حزب الله، وأن تدخل الحزب في سوريا خطأ تاريخي لا يغتفر. ولنفترض أن الأمر كذلك، فهل يلغي هذا بطولة حزب الله وما قدمه للأمة من عزة وكرامة واستعلاء على المؤامرات والفتن؟

ــــ الاعتماد الأجنبي: ليس سراً أن الذين نختلف معهم في الوطن يراهنون على التدخل الأجنبي من دون أي حرج. وقد قالها الرئيس سعد الحريري أخيراً عندما اعتبر أن المجتمع الدولي قصّر في واجبه بتغيير النظام في سوريا، نادماً على القرار الأميركي الذي أُلغي في آخر لحظة، وهو قصف دمشق وفرض تغيير النظام بالقوة. ونسأل الرئيس الحريري، والآخرين المتباكين على «التردد» الأميركي عن التدخل المباشر في سوريا: هل يعجبكم ما يحصل اليوم في ليبيا، أو ما يحصل في العراق من تفجيرات يومية وأزمات طائفية متواصلة؟ هل كان الشيعة عملاء عندما استقدموا الأميركي لتغيير النظام في العراق، فيما السنة وطنيون عندما يأتون بالأميركي إلى ليبيا وسوريا؟

ينبغي أن يكون معلوماً أن مايسترو واحداً يحرّك ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق»، ويحرك التكفيريين في لبنان وسوريا، والإسرائيلي في فلسطين. وإلا كيف نفسر هذا التوقيت: مجازر في حق المسيحيين والأقليات، واعتداء على الجيش في لبنان، في الوقت الذي تسطّر فيه المقاومة في فلسطين أعظم ملاحم الصمود، أليس هذا للفت الأنظار عن المقاومة، ولكي تقول إسرائيل وأميركا للعالم كله إن الذين يقاتلوننا في غزة هم إسلاميون من نوعية هؤلاء «الدواعش» وأمثالهم؟ هذا هو التطرف الذي يقتلنا…