IMLebanon

معركة ضارية في زحلة: كل شيء مباح

تتصارع ثلاث لوائح في مدينة زحلة في واحدة من كبرى المعارك الانتخابية على مستوى لبنان. وحتى الآن، لا يبدو أن أياً من اللوائح قد حسمت فوزها النهائي، فيما يتوقّع أكثر من طرف أن تتداخل اللوائح ويخرق مرشحون متعددون، ما يصعّب تشكيل مجلس بلدي متماسك

تبدو معركة الانتخابات البلدية في مدينة زحلة كبرى معارك اليوم الانتخابي الأول في 8 أيار المقبل، مع ظهور اهتمام بالغ بالمعركة من قبل مختلف القوى السياسية في البلاد، وبروز ثلاث لوائح تتنافس بـ«كلّ الوسائل» على 21 مقعداً بلدياً.

ويمكن القول إن معركة زحلة تحمل أبعاداً سياسية عدّة، أوّلها محاولة حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر تظهير تحالفهما السياسي ــــ الانتخابي الجديد في أكبر مدينة كاثوليكية مشرقية عبر تشكيل لائحة مشتركة برئاسة الرئيس السابق للبلدية أسعد زغيب. وثانيها، التفاف القوى التي تدعم وصول النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية على خيارات رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف، في مقابل التحالف العوني ــــ القواتي، بتشكيل لائحة يرأسها يوسف سكاف، في تركيبة متداخلة ومعقّدة من الحسابات العائلية والزحلية. وتبرز إلى جانب لائحة زغيب المدعومة من القوات والتيار الحر وحزب الكتائب اللبنانية، ولائحة الكتلة الشعبية بعنوان «زحلة الأمانة»، لائحة موسى فتوش شقيق النائب نقولا فتّوش بعنوان «زحلة تستحق»، بعد فشل التوافق بين آل فتّوش ولائحة التيار ــــ القوات، بإصرار من رئيس القوات سمير جعجع، واستحالة التحالف بين سكاف وفتّوش.

وحتى بعد ساعات على إعلان زغيب لائحته، التي يؤكّد النائب السابق سليم عون لـ«الأخبار» أنها «لائحة واحدة من عشرين مرشّحاً لا فرق فيها بين قواتي وعوني»، واعتداد القواتيين والكتائبيين بها، لا تزال اللائحة «غير متجانسة»، باعتراف أكثر من مرشّح فيها، بعد اعتراف زغيب نفسه، خلال اجتماع مع مقرّبين منه قبل أيام، بـ«خطأ التورّط مع الأحزاب».

وقبل أيام معدودة، لم تكن لائحة زغيب في وارد أن تبصر النور على رغم القرار العوني ــــ القواتي بتشكيل لائحة موحّدة، في ظلّ الخلاف على توزيع الحصص، والصراع على مقعد نائب الرئيس، الذي ناله التيار الوطني الحرّ أخيراً، بشخص منسّقه في زحلة طوني أبو يونس، من خارج العرف السائد في المدينة بمنح مقعد نائب الرئيس لأبناء حي المعلّقة، كما هي الحال في لائحتي سكاف وفتّوش، علماً بأن أبو يونس ليس اسماً جدلياً في المدينة، ومقبول من مختلف الأطراف. وبدا واضحاً سعي مهندسي ورقة إعلان النوايا بين معراب والرابية، رئيس جهاز التواصل في القوات ملحم رياشي والنائب إبراهيم كنعان، في الأيام الماضية، إلى تذليل العقبات في زحلة، للوصول إلى إعلان اللائحة أمس. ويتخوف أعضاء في لائحة زغيب من التشطيب. ففي «معلوماتهم وقراءتهم» أن النائب الكتائبي إيلي ماروني، الذي لا يزال يعترض على «حصّته»، ربما يوعز لعدد من المقرّبين منه بـ«تشطيب» أسماء على لائحة زغيب، ومن بينها أسماء كتائبية، فيما يتخوّف القواتيون من إمكانية تقدّم زملائهم العونيين عليهم، في ظلّ امتناع الصوت الشيعي في المدينة عن التصويت للمرشحين القواتيين، في مقابل الاقتراع لمصلحة العونيين، ما يحتّم على القواتيين حرمان العونيين جزءاً من أصواتهم. وبحسب المعلومات الأوليّة، فإن أصوات حزب الله وحركة أمل ستتوزع بين سكاف والتيار الوطني الحر ولائحة فتّوش، مع رفض الطرفين التعليق على سير المعركة الانتخابية جملة وتفصيلاً.

ماروني قد «يشطّب» أسماء من لائحة زغيب بينهم كتائبيون

وفيما يخوض زغيب والقواتيون حرباً إعلامية ضروس ضدّ سكاف، على خلفية استقبالها الرئيس سعد الحريري، تحت عنوان «التحالف مع الحريري لكسر التحالف المسيحي»، سقطت حملة زغيب ضد سكاف بالضربة القاضية، بعد اللقاء الذي جمع الحريري بجعجع، وتأكيدهما «الإعلامي» التحالف في الانتخابات البلدية والنيابية. وعلى رغم التكتّم حول فحوى اللقاء بين جعجع والحريري، علمت «الأخبار» أن اللقاء لم يثمر تفاهماً واضحاً حول زحلة. فمبادرة جعجع بالطلب من الحريري منح تيار المستقبل أصواته في المدينة للائحة زغيب، المقرّب أصلاً من التيار، في مقابل وعد من جعجع بمنح المستقبل أصوات القواتيين في الانتخابات النيابية، لم تلقَ آذاناً صاغية عند الحريري، الذي أكّد أنه «لا يمون على كل الأصوات السنية في زحلة»، فيما أكّدت مصادر مستقبلية لـ«الأخبار» أن «أصوات المستقبل ستصبّ لمصلحة سكاف»، علماً بأن لتيار المستقبل مرشّحاً شبه رسمي على لائحة سكاف هو عبدو حسنه. وزغيب هو شريك رئيس مجلس إدارة «سوليدير» عبد اللطيف الشماع في تنفيذ مشروع «سوليدير المصغرة»، على أرض الرهبنة الشويرية، أو «البستنة» كما يسمّيها الزحليون، وهو منفّذ مطابخ قصر الحريري في قريطم، وربّما «شعرة معاوية» بين الحريري وجعجع.

وتستفيد الكتلة الشعبية مّما يعدّه الزحليون «فرضاً للأمر الواقع من خارج زحلة بترشيح زغيب»، من دون مراعاة خصوصية زحلة، حيث يشعر الكاثوليك اللبنانيون تاريخياً فيها بأنهم على هامش المارونية السياسية. إلّا أن ما يردّده «الكتلويون» ويتردّد في مجالس آل فتّوش، أن «زغيب فُرض أصلاً على زحلة من قبل السفارة الأميركية، كما فُرض على الراحل (النائب) إيلي سكاف سابقاً». ولا يخرج ما سمعه رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون من أحد السفراء الأميركيين، عن أن «زغيب أبرز شركائنا»، عن سياق الدعم الأميركي للأخير، وما يتردّد عن متابعة القائم بأعمال السفارة الأميركية في لبنان ريتشارد جونز معركة زحلة باهتمام بالغ، فضلاً عن أن خروج زغيب من عباءة سكاف يشكّل سبباً إضافياً ليكون الأقرب الى قلب النائبة ستريدا جعجع. غير أن التحالف القواتي ــــ العوني وما يحكى عن دعم أميركي لزغيب، لم يترجما دعماً مالياً للأخير الذي يواجه ماكينتي سكاف وفتوش الماليتين، ما يدفعه إلى تحمّل جزء من الحملة الانتخابية على نفقته الخاصة، والبحث عن مصادر تمويل من أصدقاء متموّلين. ويقول سليم عون لـ«الأخبار» إن «التيار الوطني الحرّ يتخوّف من الضخّ المالي، ومن تدخّل الأجهزة الأمنية في الانتخابات»، علماً بأنه جرت عدّة مناقلات أمنية في زحلة قبل أقل من شهر.

على مقلب الكتلة الشعبية، لم تستطع سكاف تحقيق المفاجأة المنتظرة بعد إعلانها لائحتها، وبروز أكثر من سبعة أسماء في اللائحة من المجلس البلدي القديم، الذي تتّهمه بالفساد. لكنّ إسقاط زغيب على الزحليين، في المدينة التي تتمسّك حتى اللحظة بخصوصيتها، يشكّل حالة تعاطف مع وريثة إيلي سكاف التي تتوقّع أكثر من جهة من خارج زحلة لها الفوز، إضافة إلى المنفعة التي تعود عليها بوجود لائحة ثالثة برئاسة فتوش. فلفتوش جزء من «البلوك» العوني، وعلى ما تقول مصادر آل فتوش لـ«الأخبار» فإن «لائحة موسى فتوش ستحقّق نتائج تذهل الجميع»، مدعومة بماكينة انتخابية ــــ خدماتية ضخمة، وصولاً إلى ضخّ المال الانتخابي المطلوب. ويجري الحديث في زحلة عن بدء بورصة «الدفع» لشراء الأصوات انطلاقاً من 300 دولار للصوت، وصولاً إلى 800، مع توقّعات بارتفاع «سعر الصوت» يومي الجمعة والسبت إلى 1500 دولار، وانخفاضه يوم الأحد إلى أقل من 300.