IMLebanon

الحراك يتقدم… نحو الإصلاح الأوسع

السلطة تهرب الى الفتنة: أنصار بري يعتدون على المتــظاهرين

الحراك يتقدم… نحو الإصلاح الأوسع

التظاهرة الكبرى التي حشدت لها مجموعات الحراك لم تنجح في الدخول الى ساحة النجمة، كما كان مقرراً، مكتفيةً بـ«إنجاز» كسر الطوق الأمني والوصول الى مدخل الساحة. هذه المرة، لم تمارس القوى الأمنية قمعها المعتاد، إنما أُوكلت المهمة إلى شبان، أجمع كثيرون على أنهم من عناصر حركة أمل، اعتدوا على المتظاهرين لدى مغادرتهم، فيما كانت القوى الأمنية تراقب من دون أن تتدخل، ما خلق حالة إرباك لدى الناس والمنظمين

إيفا الشوفي, حسين مهدي

لم تقع السلطة هذه المرة في فخ المواجهات المباشرة مع المتظاهرين، فحملة الاعتقالات والممارسات القمعية نهار الأربعاء الفائت ارتدت عليها سلباً وأعطت زخماً قوياً للحراك. لذا لجأت الى استبدال هراوات عناصر الأجهزة الرسمية بقبضات مجموعة من الزعران وسكاكينهم، ما أدى الى إشكالات متفرقة، دفعت بقسم من المتظاهرين الى المغادرة. لكن مجموعة كبيرة أصرت على الوصول إلى أحد مداخل الساحة، ما اعتبرته إنجازاً وكسراً للطوق الأمني.

عند الخامسة، كانت أعداد المتوافدين الى نقطة التجمّع في برج حمود خجولة. خاب أمل المنظمين الذين راهنوا على حشد أكبر، إلّا أنّ البعض عوّل على أن يلاقي الناس المسيرة في ساحة الشهداء وأمام مؤسسة كهرباء لبنان. كما التظاهرات الأولى للحراك، انفصل الناس الى مجموعات، كلّ لديها مكبّر الصوت الخاص بها، وكلّ ترفع شعاراتها الخاصة بدءاً من سلسلة الرتب والرواتب، مروراً بالحق في الكهرباء 24/24، وصولاً الى القضاء على النظام الذكوري.

أثبتت المسيرة أنّ النقاش الذي فُتِح الأسبوع الفائت بين المجموعات على خلفية إزالة سياج الدالية، حول أهمية عدم تشتيت الأهداف والتركيز على مطلب النفايات، غير حقيقي. فالناس الذين أزالوا السياج حضروا بزخمٍ أمس هاتفين ضد قرار الحكومة لمعالجة أزمة النفايات، ورافعين في الوقت عينه لافتة «لا تسوية في الأملاك العامة البحرية». يؤكد هذا الأمر أنّ التحركات التي حصلت خلال الأسبوع الفائت نجحت في استقطاب المزيد من الأشخاص والقضايا.

تجاوب الناس مع خطاب الحراك التصعيدي دون التزام سقف مطالبه المتدني. ساهموا في رفع سقف المطالب من حلول بيئية لأزمة النفايات الى ضمان الشيخوخة، وقف هدر المال العام، تحقيق العدالة الاجتماعية وإجراء انتخابات وفق القانون النسبي وحتّى إسقاط الدين العام.

عن غير قصد، ساهم رئيس جمعية التجار في بيروت نقولا شماس، أو «أبو رخوصة» كما يسمّيه المتظاهرون، في تكوين نوع من الإدراك لدى الناس بمساوئ الدين العام و»حقارة» سوليدير وما أنتجته من فرز طبقي، فهتف الجميع «يا شمّاس ويا قصّار بعتو البلد للتجار».

مشى الناس في الشارع الضيّق والمحاط بأبنية تراثية قديمة، لم تمتد يد الشركات العقارية إليها بعد، هاتفين للجالسين على شرفاتهم أن ينضموا إليهم، إلّا أن غالبية هؤلاء لم ينزلوا. بقوا على الشرفات يلتقطون الصور للمتظاهرين من دون أي تجاوب. يقول رجل أربعيني لإحدى المتظاهرات التي طلبت منه أن يشارك في المسيرة إنّ «الشباب مكفيين وموفيين». لا يشعر هؤلاء بالمسؤولية تجاه الحراك. يؤيدونه، لكنهم لا يشاركون ظنّاً منهم أنّ الآخرين يمكنهم أن يقوموا بمهمة التغيير. وبعدما تعب المتظاهرون من تكرار عبارة «نزال لاقي شعبك هون» من دون أي نتيجة، عادوا الى هتافاتهم.

بعض المتظاهرين نزلوا فقط ليثبتوا حقّهم بالتظاهر والتعبير بعدما استفزّهم قمع القوى الأمنية للمتظاهرين. تقول لمى الآتية من طرابلس إنها «شاهدت نهار الأربعاء القمع الذي مارسته القوى الأمنية على المتظاهرين وحملة الاعتقالات التي حصلت، ما يهدّد حرية التظاهر والتعبير وهو ما يجب حمايته».

اقتربت المسيرة من مؤسسة كهرباء لبنان، فتسارعت خطوات القوى الأمنية المواكبة خوفاً من أي عمل مفاجئ، إلّا أنّ المفاجئ كان أن المتظاهرين مروا من أمام المؤسسة من دون أن يلتفتوا إليها، ما عدا رجلاً واحداً وقف أمام بوابة المؤسسة رافعاً مجسّماً لـ»أبو رخوصة».

حضر شبان قال بعضهم صراحة «نحن أنصار الرئيس بري»

فعلياً، كان الهدف الوحيد للناس أمس دخول ساحة النجمة، وهو ما واظبوا على ترداده، لكن عندما تجاوز الناس مؤسسة الكهرباء، بدأت الأخبار تنتشر عن إشكال في ساحة الشهداء مع شبان تبين أنهم من أنصار الرئيس نبيه بري. تغيّر إيقاع المسيرة ومشى المتظاهرون بسرعة في اتجاه الساحة. عززت الأخبار العاجلة التي وصلت الى هواتفهم حالة القلق والتوتر، وهو ما أرادته القوى الأمنية التي أعلنت أنها «تعمل جاهدة على فض الإشكالات بين المتظاهرين، إنما الفوضى تصعب هذه المهمة»! بنظر القوى الأمنية، الإشكالات وقعت بين المتظاهرين أنفسهم. وما بيانها عن «صعوبة المهمة» سوى تخويف للمتظاهرين من أجل المغادرة.

من تمثال الشهداء حتى مبنى جريدة «النهار»، خلت الطريق من أي عنصر من عناصر مكافحة الشغب أو قوى الأمن الداخلي، على عكس التظاهرات السابقة. فجأة، حضر شبان قال بعضهم صراحة «نحن أنصار الرئيس بري»، وصار هؤلاء يدققون في لافتات المتظاهرين الذين سبقوا المسيرة، الى أن وجدوا سيدة في منتصف الأربعينات تحمل لافتة عليها صورة «الرئيس» (الى جانب صورتين للرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط)، فتلاسن معها شبان «أمل»، وأخذوا اللافتة. حاولوا إيجاد صور أخرى، ثم تلاسنوا مع المتظاهرين قبل ان ينهالوا على بعضهم بالعصي والسكاكين، مبررين ذلك بأنهم «سبّوا الرئيس» في تظاهرات سابقة. استنجد المتظاهرون بالقوى الأمنية الموجودة، لكن قوى الأمن اعتبرت الموضوع خارج نطاق صلاحياتها. وبعد وقت ليس بطويل، حضرت قوة من مكافحة الشغب، فعملت على التفريق، والتقط المصورون لحظة توقيفها لأحد عناصر الشغب.

قبل أن تصل المسيرة الى ساحة الشهداء، أجبرت القوى الأمنية، والتوافد المستمر للمتظاهرين، الموالين لحركة أمل على المغادرة من جهة جامع محمد الأمين هاتفين «بري بعد الله»، لكنهم نصبوا حواجز تحت جسر فؤاد شهاب وقبل نفق بشارة الخوري، وأوقفوا المارة والسيارات واعتدوا على عدد من المشاركين في التظاهرة، ومن بينهم الزميل في «الأخبار» أسامة القادري.

أدرك المتظاهرون أنّ هناك مخططاً لجرّهم إلى هذه المواجهة. وما إن وصلت المسيرة الى مبنى «النهار» كانت بوادر القلق والخوف واضحة على وجوه الناس، إذ إن هجوم مناصري حركة أمل على التظاهرة فعل فعله، فغادر الكثيرون الساحة، فيما تجمّع الآخرون بعيداً عن قوى مكافحة الشغب، في انتظار قرار الدخول الى ساحة النجمة.

قرابة السابعة، دخل المتظاهرون الى الساحة، فاقتربوا من الفاصل الذي أقامه عناصر مكافحة الشغب، وبقوا وجهاً لوجه مع القوى الأمنية التي قررت فجأة أن تسمح لهم بالمرور، بعدما تراجعت الى الخلف. عند كل مرة، كانت المسيرة تتقدم، كان عناصر الشغب يتراجعون الى خلف، حتى وصل المتظاهرون الى مدخل ساحة النجمة المواجه لمحلات «باتشي». وبعد مشاورات بين عدد من المنظمين، تقرر إنهاء التحرك، على اعتبار أنه وصل الى هدفه في كسر الطوق الأمني المفروض عليهم!