IMLebanon

لا رئيس تحت قبعة بري ولا «طبخة» على النار الدولية

عون يتعامل استراتيجيا مع جعجع وجعجع يتعامل معه تكتيكيا

باريس متوجسة من انعكاسات لعبة الخرائط على لبنان

غداً الشمال، الحلقة الاخيرة من مسلسل الانتخابات البلدية.

معركة طرابلس فقدت نكهتها بعد تدخل جهات داخلية وخارجية لغسل الايدي (ماذا عن غسل القلوب؟) بين الرئىسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي الذي سبق وتعرض لحرب ضروس من تيار المستقبل قبل ان تظهر استطلاعات الرأي للتيار انه قد لا يحصل على 30 في المئة من الاصوات.

في طرابلس، هناك رجل اول ورجل ثان، الوزير المستقيل أشرف ريفي يكافح ليكون الرجل الثالث، والا لن يكون أمامه سوى العودة (مهيض الجناح) الى بيت الوسط. غداً يوم الاختبار. وزير العدل المستقيل يخوض المعركة كما لو ان الجيش السوري لا يزال موجوداً في لبنان، وكما لو ان عزام عويضة عضو في مجلس شورى «حزب الله».

في بيت الوسط استغراب للتصريحات، واتصالات لمحاصرة حضرة اللواء الذي كان يؤدي التحية للشيخ سعد، ومخاوف من ان يثبت ريفي انه ايضاً رقم صعب في المدينة الى جانب كبار القوم…

معركة تنورين تبدو الأكثر اثارة، الثنائى المسيحي ضد وزير الاتصالات بطرس حرب الذي اعلن النائب سليمان فرنجية دعمه له. كلام عن ان الانتخابات البلدية في هذه البلدة تحدد من هما النائبان المقبلان عن قضاء البترون، لا بل ان البعض يذهب الى ابعد من ذلك بكثير. من تنورين قد يكون هناك «طريق فرعي» الى قصر بعبدا…

«الديار» زارت البترون، المشهد يبدو أكثر تعقيداً، ويعكس العلاقة السريالية بين التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية». حديث عن «علاقة غرامية ملتبسة» بين الطرفين اللذين لم يتمكنا من الاتفاق حتى على الانتخابات البلدية فكيف يتفقان على المسائل الجوهرية؟

ومن محازب لـ«القوات» كلام عن ان وزير الخارجية جبران باسيل يريد «ان يستأثر بالبترون واهل البترون»، والى حد القول انه «اخذ عن الجنرال هواية الغاء الآخرين»، وهو الامر الذي ينفيه مناصر للتيار يعتبر ان العماد ميشال عون يتعامل استراتيجياً مع اتفاق معراب في حين يتعامل الدكتور سمير جعجع معه تكتيكياً، وهذا هو السبب الذي جعل الاتفاق بين الاثنين مستحيلاً في معارك محورية مثل جونية والحدت والدامور وصولاً الى البترون.

وفي مناطق الضنية ـ المنية الاعلام الزرقاء كثيرة، كذلك المرشحون الزرق. واضح ان حضور تيار المستقبل كاسح في العديد من البلدات، ولكن الى درجة اختلاط الحابل بالنابل، والى حد اتهام القيادة في بيروت التي رفعت يدها عن الانتخابات البلدية في القضاء، كما في عكار، بأنها اوعزت الى «اصابعها» هناك بان تلعب لمصلحة مرشحين دون آخرين.

وتبقى القبيات مسرحاً لمواجهة عاصفة بين الثنائى المسيحي وثنائى مخايل الضاهر ـ هادي حبيش: لقاء الاضداد ضد الاضداد…

سياسياً في الحلقات الضيقة تتشابك المعلومات والتحليلات، وما يقال في الخفاء لا يقال في العلن، ومما يقال ان الجلسات التي تعقدها اللجان النيابية لصياغة قانون الانتخاب مثلها مبادرة الرئىس نبيه بري هدفها «الهاء الجمهور».

وفي احدى الحلقات ان بري يرى ما لا يراه الآخرون، ثمة عام كامل على انتهاء فترة التمديد للمجلس النيابي، وهذا العام سيكون حافلاً بتطورات اقليمية بالغة الاهمية، ولا بد ان تكون لهذه التطورات انعكاساتها الدراماتيكية على المشهد السياسي اللبناني.

حتى ان وزيراً بارزاً يبدو واثقاً من ان الاشهر المقبلة التي ستكون حامية، في رأي الجميع، ستعيد تشكيل قواعد اللعبة كما قواعد الاشتباك، وهو ما يؤثر بصورة مباشرة على خارطة القوى في لبنان، استطراداً، اذا ما تم التوافق على قانون للانتخاب في ايار 2016 فقد لا يكون قابلاً للتنفيذ في ايار 2017.

ويمضي الوزير الى القول ان ترحيب القائم بالاعمال الاميركي ريتشارد جونز بالمبادرة، ودعوته الاطراف السياسية الى التعاطي معها بجدية، يدخل ايضاً في سياق «الهاء الجمهور» كون الاميركيين يدركون جيداً ان «الطبخة» الدولية للاستحقاق الرئاسي لم توضع حتى على النار ليقال متى تنضج.

ـ صاحب الفخامة الستاتيكو ـ

حتى اشعار آخر «صاحب الفخامة الستاتيكو»، ودون ان يكون صحيحاً ما تدلي به جهات سياسية من ان التصلب الايراني وراء ارجاء وزير الخارجية الفرنسي جان ـ مارك ايرولت زيارته للبنان التي كان يعول عليها الكثير، فالأزمة عالقة في مكان آخر ايضاً، كما ان واشنطن لم تظهر اي حماس لمد يد العون الى باريس في الدفع باتجاه انتخاب رئىس للجمهورية.

يترافق ذلك مع تسريبات ديبلوماسية فرنسية بأن التقارير التي ترد الى اكلي دورسيه، وبعضها تقارير استخباراتية، تنطوي على الكثير من القلق حيال الوضع اللبناني، والى حد التساؤل ما اذا كان هناك من مبرر لبقاء «دولة لبنان الكبير» اذ ما اخذت بالاعتبار المؤشرات السياسية والاقتصادية التي لا تشي بالتفاؤل في حال من الاحوال.

مصادر ديبلوماسية تؤكد ان الازمة اللبنانية تندرج في سلة ازمات المنطقة، التسوية تندرج ايضا في سلة التسويات بعض الذين التقوا مساعد وزير الخزانة الاميركية لمكافحة الارهاب دانيال غليوفرز حاولوا قراءة ما بين السطور، ثمة حرب اميركية حقيقية ضد «حزب الله» ولكن الى اين تصل هذه الحرب اذا كان وراء الخط الازرق الثنائي بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان.

ثمة من يسأل ما اذا كانت واشنطن تدفع نحو الحرب من خلال كلام يستشف منه الاصرار على تجفيف المنابع، او القنوات، المالية للحزب دون اي اعتبار لحساسية وهشاشة التوازنات الداخلية ولردات الفعل التي يمكن ان تنتج اذا ما بلغ الضغط حدوداً معينة.

حرب من اجل التسوية، هذا ما توقعه منذ اشهر الديبلوماسي الاميركي المخضرم آرون ميلر، ولكن اي تسوية اذا كان باراك اوباما قد بدأ يحزم حقائبه، واذا كانت الحكومة في اسرائيل تزداد يمينية، بل وتأتي بوزير للدفاع، ومهاجر من مواخير البلطيق، يدعو الى وضع الفلسطينيين في حاويات والقائهم خارجاً؟

ويقول احد الوزراء «يبدو انه ليس للولايات المتحدة من عدو في كل منطقة الشرق الاوسط سوى «حزب الله» والى حد اصدار قانون للعقوبات المالية لا يمكن الا ان يخفي وراءه سيناريو ما لم تتضح معالمه حتى الآن».

ـ اشادة بالحزب ـ

وهناك اكثر من مسؤول لبناني سمع من ديبلوماسيين اميركيين انه لولا الدور الذي اضطلع به الحزب في احدى مراحل الحرب السورية لكان نصف لبنان تقريباً قد تحوّل الى ملحق ميداني للازمة السورية.

اشياء اخرى تقال في الحلقات الضيقة، وهي ان موفدين او مسؤولين اميركيين ابلغوا جهات لبنانية صديقة بان الولايات المتحدة التي تخطط لما بعد الحرب في سوريا والعراق اختارت لبنان ليكون مركزاً لمعظم النشاطات المتعلقة باعمار هذين البلدين ما يعني ان لبنان الذي عانى الامرين من تداعيات الازمة في سوريا سيجني الكثير من نتائج التسوية هناك.

هذا الكلام لا يقنع مسؤولين لبنانيين ينظرون بدقة الى ما يجري على الارض السورية، وكيف ترسم الكانتونات، وكيف توضع الخرائط، بالصورة التي تجعل حتى الفرنسيين يتوجسون من لعبة الخرائط ومن انعكاساتها على الوضع اللبناني.

هؤلاء المسؤولون لا سيما منهم الذين واكبوا ملف التنقيب عن الغاز، يلاحظون تلميحات منسق شؤون الطاقة الدولية، والموفد الاميركي الخاص آموس هوكشتاين حيث بدا كما لو ان واشنطن تربط ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل بان يجلس الطرفان الى الطاولة ويوقعان اتفاقا حدودياً بالنظر للتداخل الجيولوجي بين الحقول اللبنانية والحقول الاسرائيلية، وهو ما يجعل من اعتماد المعايير المعتمدة في القانون الدولي امراً مستحيلاً.

حتى اشعار آخر، لا خـط ازرق بحــريــاً، ولا حتى خـطــاً افتراضياً، بل التحرك خارج منطقة النزاع او التنازع.

ـ اقامة سلام ـ

واللافت ان جهات سياسية ترى ان الكلام الذي صدرعن رئيس الحكومة تمام سلام في مقابلته التلفزيونية الاخيرة يعني ان اقامة الرجل في السراي الحكومية طويلة جداً، كما تلقى اتصالا من الرئيس باراك اوباما وفهم منه ان اقامته في الرئاسة الثالثة (وعلى حافة الرئاسة الاولى) طويلة، فهو سيتلقى حتماً، اتصالاً للمعنى نفسه من دونالد ترامب او هيلاري كلينتون، لا شيء الآن سوى ملء الوقت الضائع.

في هذه الحال، ما على الرئيس الحريري ســوى الانتظــار.

الانتظار هناك على الكرسي الكهربائي، ويضيق صدره اكثر حين يردد المستشارون امامه ان الايرانيين يعرقلون الانتخابات الرئاسية ليس لاستخدامها ورقة في الصراع الاقليمي، وانما لانهم يريدون احداث تعديل في هيكلية السلطة في لبنان.

هو يعرف من يعرقل ايضاً، ولاسباب اقل ما يقال فيها انها مزاجية… وقبلية!