IMLebanon

قرارات الحكومة اللبنانية تقتصر على «الضروري جداً»

انعقد مجلس الوزراء اللبناني أمس، وأخذ قرارات في شأن 3 قضايا مالية ملحة، في غياب وزراء «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي و «حزب الله» الستة، بعدما تعذر التوصل الى تسوية عمل لها رئيس البرلمان نبيه بري في الـ24 ساعة الماضية، حول اعتراض رئيس التكتل العماد ميشال عون والحزب على إنفاذ 70 مرسوماً لقرارات صادرة عن المجلس بتوقيع 18 وزيراً بدلاً من 24 في الجريدة الرسمية.

وإذ تجاوب رئيس الحكومة تمام سلام بتجميد إصدار المراسيم لإفساح المجال أمام وزراء تكتل عون و «حزب الله» لمراجعتها والتوقيع على ما يقتنعون بالتوقيع عليه منها، لضمان تطبيق مبدأ الشراكة في قرارات الحكومة من الوزراء كافة بالنيابة عن صلاحيات رئيس الجمهورية في ظل الشغور الرئاسي، فإن الاتصالات التي جرت حول هذه التسوية عادت فاصطدمت بمطالب العماد عون الاتفاق على آلية اتخاذ القرارات في الحكومة بالإجماع لا بالأكثرية، وفقاً لما جرى التوافق عليه عند الشغور الرئاسي، وعدم الاكتفاء بحل قضية المراسيم، إضافة الى وجوب إيجاد مخرج لمسألة التعيينات في المناصب العسكرية.

إلا أن مصادر وزارية أبلغت «الحياة» أن اتصالات مكثفة جرت ليل أول من أمس، بين بري و «حزب الله»، ومن ثم بين رئيس البرلمان وكل من الرئيس سلام ورئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة ورئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط، انتهت الى توافق على عقد جلسة مجلس الوزراء أمس وحصر القرارات التي يمكن أن تتخذها ببت الأمور المالية الملحة، أي نقل اعتمادات من الاحتياط الى بند الرواتب في الخزينة وقبول بعض الهبات والقروض الإنمائية وتمثيل لبنان في دعوى التحكيم مع شركة طيران بريطانية، من دون أن تتطرق الجلسة الى بقية جدول الأعمال المؤلف من 39 بنداً.

وهذا ما حصل في جلسة الأمس، التي ناقشت ملف النفايات من دون التوصل الى قرار نهائي في شأنه أو إيجاد حل سريع له بعد إلغاء نتائج المناقصة الثلثاء الماضي، والذي سيكتمل بحثه في جلسة لاحقة. وقال المصدر الوزاري إن ما حصل كان تفاهماً ضمنياً مع فريق عون و «حزب الله» على أن تُصدر الحكومة القرارات المالية التي صدرت، لأن لا أحد يمكنه الاعتراض عليها، كونها تمس مصالح قطاعات واسعة من المواطنين، فيكون الرئيس سلام حقق ما أراده بدعم من الرئيس بري و «المستقبل» وجنبلاط وكتلة وزراء الرئيس ميشال سليمان والمستقلين. ويكون المعترضون عبروا عن احتجاجهم في شأن آلية عمل مجلس الوزراء والتعيينات الأمنية من دون أن يحولوا دون اتخاذ القرارات المالية المطلوبة، والتي يرجح أن يوقّعوا على مراسيم إصدارها، لتعلقها بمصالح المواطنين.

وقالت مصادر وزارية وسياسية متعددة لـ «الحياة»، إن اتصالات آخر ليل الأربعاء أسفرت عن تعذر التسوية التي كان يمكن أن تقود الى حضور وزراء عون و «حزب الله» الستة جلسة الأمس، لأنهم لم يكتفوا بالمخرج الذي طرحه بري باسترداد المراسيم وتجميد نشرها تمهيداً لتوقيع المعترضين على جزء منها، بل طالبوا بالعودة الى تكريس آلية الإجماع في عمل مجلس الوزراء، وبحل قضية التعيينات الأمنية. وذكرت المصادر أن مسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا تولى طرح هذين الموضوعين مقابل طرح بري قضية المراسيم، وأنه التقى أول من أمس النائب جنبلاط ناقلاً إصرار قيادة الحزب على ألا يقتصر المخرج على قضية المراسيم وحدها، بل أن يشمل الاتفاق الإجماع في قرارات الحكومة واعتماد مخرج ترقية مجموعة من الضباط من رتبة عميد الى رتبة لواء (10 أو 12)، الذي يضمن بقاء العميد شامل روكز الذي يرشحه عون لقيادة الجيش، في المؤسسة سنتين أخريين، وتعديل قانون الدفاع لرفع سن التقاعد لقائد الجيش العماد جان قهوجي وعدد من الضباط، بحيث يصبح التمديد له في منصبه -الذي اعتبره عون غير قانوني- قانونياً. وأبلغ صفا جنبلاط أن «حزب الله» مع مطالب عون هذه، وأن الآخرين هم الذين نكثوا بوعدهم إياه تعيين روكز قائداً للجيش بعدما كانوا وعدوه بدعم ترشحه للرئاسة، كما أبلغه أن على سائر الفرقاء إرضاء العماد عون، وأن الحزب سيقف الى جانبه إذا انسحب من الحكومة أو إذا قرر النزول الى الشارع احتجاجاً على تجاهله.

وتردد أن بري عارض قرار ترقية عدد من الضباط، وذكرت مصادر أخرى أنه ربط موقفه بموافقة سائر الأطراف عليه، لا سيما تيار «المستقبل»، الذي نقل إليه جنبلاط الاقتراحات التي قدمها صفا. كما أن أحد الاقتراحات شمل ترقية لواءين حاليين في الجيش الى رتبة عماد مقابل ترقية قهوجي الى عماد أول، لكن بري عارضه، وكذلك «المستقبل». وأفادت مصادر سياسية بأن الأفكار التي طرحها «حزب الله» مع جنبلاط وبري شملت صيغة لتفعيل عمل البرلمان، باعتبار الصيغة المتعلقة بالضباط تتطلب تشريعاً نيابياً.

وأشارت المصادر الى أن فكرة ترقية بضعة ضباط لإرضاء عون كانت مدار بحث بين السفير الأميركي ديفيد هيل وبعض الفرقاء اللبنانيين. وأوضحت أن اهتمام هيل في الأيام الماضية بعدم انفجار الحكومة بفعل الخلافات على التعيينات العسكرية وغيرها من المواضيع، دفعته الى نصح بعض القيادات بالسعي الى تسوية على ترقية عدد من الضباط إذا كان هذا الأمر يحول دون تعريض الاستقرار الحكومي الذي تعتبره واشنطن أولوية لضمان استمرار التهدئة في لبنان للاهتزاز، وأن موقف هيل هذا أيدته ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ وسفراء غربيين آخرين.

وبينما أوحت مصادر وزارية أن اتخاذ الحكومة أمس القرارات الثلاثة الضرورية حصل في إطار تسوية لن يعارضها عون والحزب، فإن الأوساط التي واكبت طروحات «حزب الله» مع جنبلاط وبري، أكدت أن هذا الاستنتاج لا يستبعد لجوء عون ومعه الحزب الى التصعيد في الشارع. وإذ تترقب هذه الأوساط المؤتمر الصحافي الذي سيعقده عون اليوم لمعرفة ما إذا كان سيدعو الى المشاركة في تظاهرة حملة «طلعت ريحتكم» غداً السبت في ساحة رياض الصلح أم لا، وإذا كان «حزب الله» سينضم إليها، فإن هناك من يتوقع أن يطلب «حزب الله» تأجيل النزول مع عون الى الشارع الى ما بعد المهرجان الذي تنظمه حركة «أمل» بعد غد الأحد في الذكرى الـ37 لاختفاء الإمام موسى الصدر. وأجرى النائب جنبلاط أمس اتصالاً بعون، وقالت مفوضية الإعلام في الحزب الاشتراكي إن جنبلاط أكد لعون أنه «يعوّل على حكمته في المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان، مؤكداً الحرص على استمرار التواصل والتشاور بينهما».

وقال وزير الدولة محمد فنيش لـ «الحياة»، إن «الحزب تغيب مع وزراء عون عن جلسة مجلس الوزراء أمس لأن الموضوع ليس موضوع مراسيم وقعها 18 وزيراً خلافاً لاتفاق على آلية عمل الحكومة القاضية بتوقيع 24 وزيراً منذ الشغور الرئاسي فحسب، بل لأننا يجب أن نتفق على آلية القرارات في الحكومة أيضاً». وأضاف: «لا يحق لأحد إلغاء الاتفاق السابق في هذا الشأن، ونحن لسنا معترضين على مضمون القرارات التي اتخذت أمس، كونها تتعلق بالرواتب وأمور الناس، لكن السؤال هو كيف نتخذ القرارات في الجلسة التالية أو بعدها؟»، واعتبر أن «المشكلة ليست مع الرئيس سلام بل مع القوى السياسية، لكن الموقف منه يعود الى أنه قرر نشر المراسيم بتوقيع 18 وزيراً، وهذا لا يتناسب مع سياسته السابقة». وأضاف: «هناك مشكلة التعيينات الأمنية التي تحتاج الى مخرج، والعماد عون قَبِلَ بالمخرج الذي اقترحه اللواء عباس إبراهيم (المدير العام للأمن العام) لكن الآخرين رفضوه». وأوضح فنيش لـ «الحياة» أن الحزب «لم يأخذ بعد قراراً بالنزول الى الشارع بالتضامن مع عون، لكن نتمنى ألا يوصل أحد الوضع الى حد يضطرنا الى ذلك. نحن لسنا راغبين أو متحمسين، لكنه خيار ليس ملغى من حساباتنا، ونحن ضد التجاهل من الآخرين…».