IMLebanon

عون والحريري يُطلقان انقلاباً على الشغور الرئاسي

قضي الأمر وأعلن زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري تأييده ترشيح زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون للرئاسة اللبنانية، في مطالعة مطولة غلب عليها الطابع العاطفي، خاطب فيها جمهوره والمعترضين من نواب كتلته، مستحضراً والده الرئيس الراحل رفيق الحريري، وتاركاً «الحكم للتاريخ علينا»، ومعترفاً بأن خياره «مخاطرة سياسية كبرى… لن تكون الأولى والأخيرة التي نفتدي فيها الوطن والاستقرار بمصلحتنا السياسية والشعبية». وأُعتبر اعلان ترشيح عون وقبول الأخير «انقلاباً» على الشغور الرئاسي.

ودخل لبنان بذلك مرحلة جديدة بالغة الدقة، تفصله عن موعد جلسة انتخاب الرئيس في البرلمان في 31 الجاري، يفترض أن يسعى خلالها العماد عون إلى تذليل اعتراضات وازنة على تبوئه الرئاسة، أبرزها من رئيس البرلمان نبيه بري ومنافسه المرشح الرئاسي النائب سليمان فرنجية، وفق طلب حليفه «حزب الله».

وجاء إعلان الحريري قراره وسط حضور الغالبية العظمى من أعضاء كتلته وبعض الحلفاء، بمن فيهم معارضون علناً انتخاب عون، وأعضاء في المكتب السياسي لتياره وهيئات أهلية. وانتقل عون بعد قليل من تلاوة زعيم «المستقبل» بيان دعمه إلى منزل الأخير في وسط بيروت، يرافقه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، فعقدا خلوة لا ثالث بينهما فيها، قبل أن ينتقل إلى مقر رئيس البرلمان نبيه بري لمحاولة تبديد اعتراضه على انتخابه. وسبق ذلك، فور انتهاء الحريري من تلاوة بيانه، إعلان عدد من معارضي هذا الخيار في كتلته أنهم لن يصوتوا لعون، وأبرزهم رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة، الذي قال: «كنت مع الرئيس الحريري وسأبقى»، والنائبان أحمد فتفت وعمار حوري، إضافة إلى الحلفاء نائب رئيس البرلمان فريد مكاري والوزير بطرس حرب والنائب دوري شمعون. واعتبر رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي أنها «مغامرة جديدة نخشى أن تقود الوطن إلى مزيد من الانقسام والتأزم».

وتحدث الحريري في بيانه باسم والده الراحل سائلاً غير مرة: «ماذ كان رفيق الحريري فاعلاً»… في تعداده محطات دخوله المعترك السياسي منذ اغتيال الأب في 14 شباط (فبراير) عام 2005، والأزمات الحرجة التي واجهها من 14 آذار إلى عدوان إسرائيل في تموز (يوليو) 2006 وإرهاب النظام السوري في نهر البارد، وصولاً إلى 7 أيار 2008 وما بعد انتخابات 2009، انتهاء بالسين -سين (التقارب السعودي السوري في حينها) والانقلاب على الحكومة عام 2011… وسأل الحريري هل كان والده ليقبل «بإبقاء الفراغ الرئاسي إلى أبد الآبدين؟»، وقال: «علينا مواجهة الأمور بكل واقعية وصراحة والتحرّك المبادر لإنقاذ بلدنا عوضاً عن الاستسلام لمخاطر الفراغ والمكوث في أسر الماضي». وعدد المبادرات لتدارك الفراغ منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام والعمل على وصول مرشح 14 آذار الدكتور سمير جعجع والرئيس أمين الجميل للرئاسة ثم طرح أسماء توافقية وتأييد النائب سليمان فرنجية «على أمل أن يؤدّي ذلك بحلفائه المقاطعين إلى حضور جلسة الانتخاب… من دون نتيجة».

وأشار الحريري إلى شلل المؤسسات والأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تنخر لبنان، وإلى «عودة اللغة القديمة الجديدة وتعابيرها القاتلة للهويّة الوطنية والمنافية للعيش المشترك والسلم الأهلي والاستقرار، لغة «ما عاد بدنا نعيش سوا، وما بقا ينعاش معن» و «فشل الطائف وضرورة فرط النظام وإعادة تركيبه»، بينما تتسابق العراضات الميليشيوية على الشاشات». وقال: «الوضع اليوم أخطر وأصعب بكثير ممّا قد يكون ظاهراً للكثير منكم»، محذراً من «طروحات تؤدّي إلى حرب أهلية»، معتبراً أن «في كل مرة وقع فيها لبنان في فراغ رئاسي ولم يبادر فيه أحد للتسوية، انتهت الأمور بالخراب والمآسي، وبتسويات مجبولة بالموت والدم والدموع»، مشيراً إلى حصول ذلك في أعوام في 1958 و1988 و2008. وأضاف: «أنا لم أتسلّم القيادة السياسية كي يصل بلدي إلى هذا… ولو أردنا الاستسلام للغرائز وردود الفعل الهوجاء التي يتمناها ويراهن عليها خصومنا قبل المزايدين، لكنّا دخلنا في صدام أهلي دموي في 7 أيار 2008 لكني رفضت يومها، ونحن من مدرسة، تاريخها وحاضرها ومستقبلها قائم على التضحية من أجل الناس، لا التضحية بهم».

وقال: «لو أردت الثروة لما دخلت الحياة السياسية أصلاً وأنفقت فيها كلّ ما ورثت دفاعاً عن حلم من أورثني. رفيق الحريري ثروة وثورة. ذهبت الثروة حماية للثورة. الثورة على العنف والكيديّة وعلى الأحقاد».

وكرر الحريري التحذير من مخاطر إجراء الانتخابات النيابية بعد أشهر في غياب رئيس للجمهورية، معتبراً أن «من يريد أن يعطي الدولة فرصة التشوازن مع قوى السلاح غير الشرعي، وفرصة ليتخلص من عدم اكتراث المجتمع الدولي وأصحاب القرار حول العالم يجب أن يضع حداً للفراغ الرئاسي اليوم قبل الغد».

وأضاف إنه «بقي هناك خيار واحد، العماد ميشال عون، منذ تبني حلفائنا في القوات اللبنانية ترشيحه، ونحن والعماد عون وصلنا إلى مكان مشترك. هو لا يريد للدولة والنظام أن يسقطا، واتفقنا على أنّ أحداً لن يطرح أي تعديل على النظام قبل إجماع وطني». وأكد الاتفاق مع عون على «تحييد الدولة اللبنانية بالكامل عن الأزمة في سورية، وعزل دولتنا عنها، حتى إذا ما انتهت الأزمة واتّفق السوريون على نظامهم وبلدهم ودولتهم، نعود إلى علاقات طبيعية معها». واعتبر أن عون «وفق القواعد التي التقينا عليها مرشّح ليكون رئيساً لكل اللبنانيين، وحارساً لسيادتهم وحريتهم واستقلالهم وخيارات الإجماع بينهم، لا خيارات الانقسام، سواء جاءت من حليف له أو من خصم اختار مواجهته. وسيحرص، كما سنفعل نحن، على الانفتاح على كل القوى السياسية القادرة على دعم مسيرة بناء الدولة». وأوضح الحريري أن «ما نحن بصدده هو تسوية سياسية، لكنّني لن أختبئ خلف إصبعي، فأنا أعلم أنّ الكثير منكم غير مقتنع بما أقوم به، وبعضكم خائف من مخاطره عليّ، شخصياً وسياسياً، ويشكك بناء على تجارب الماضي بنوايا حزب الله الحقيقية. إني أخاطر من دون أي خوف، لأن خوفي الوحيد هو على لبنان وعليكم أنتم».

وختم بالقول: «سنسمع المزايدين قبل الخصوم يقولون: أيضاً تضحية جديدة»، لكنه أردف: «عندما تكون نجل الذي ضحّى بحياته لأجل وطنه وشعبه، لا تسأل عن ثمن التضحيات، مهما كبرت».