IMLebanon

تركيا تصفّي آخر جيوب الانقلاب

اردوغان يطالب الأتراك بالبقاء في الشارع والملك سلمان يهنّئه بعودة الأمور إلى نصابها

تركيا تصفّي آخر جيوب الانقلاب

مع حلول ساعات مساء أمس، كانت قوات الأمن التركية تصفّي آخر جيوب الانقلابيين في وسط البلاد وفي العاصمة الاقتصادية اسطنبول، فيما كان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يطالب الشعب بالبقاء في الشارع أسبوعاً دعماً لحكومته. ولفت اتصال قام به العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بالرئيس التركي مهنئاً بعودة الامور إلى نصابها في البلاد، ومؤكداً «ترحيب المملكة العربية السعودية باستتباب الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق».

فقد شدد الرئيس التركي على ضرورة مواصلة المواطنين مواقفهم الداعمة للشرعية وبقائهم في الميادين خلال الأسبوع الجاري، قائلا: «هذا الأسبوع بالذات يعد مهماً للغاية، لن نغادر الميادين، فأنتم من سيملؤها، وسنواصل طريقنا بشكل حازم».

وأضاف في كلمة له خلال مشاركته في تشييع عدد من ضحايا محاولة الانقلاب العسكري، في جامع الفاتح بإسطنبول، قوله إن «شعبنا بمجرد دعوة ونداء وجهناه له ملأ شوارع وساحات كل المدن، وأخمد محاولة الانقلاب».

وفي معرض تعليقه على هتافات المشيعين للجنازات المطالبة بإعادة عقوبة الإعدام لتنفيذها بحق الانقلابيين الذين خانوا الأمانة، أضاف أردوغان «في الديموقراطيات لا يمكن تجاهل مطالب الشعب، هذا حقكم، وهذا الحق ستتم دراسته دستوريًّا واتخاذ القرار بشأنه لدى الجهات المعنية. تخلينا حتى اليوم عن العواطف، واتخذنا قراراتنا بعد التفكير ملياً. والآن سنقدم على هذه الخطوة بنفس الطريقة وبغاية الإيجابية«.

وتابع في ذات السياق «لسنا انتقاميين، والله هو العزيز المنتقم. لهذا علينا الإقدام على خطواتنا بالتفكير والعقل والعلم والخبرة بعيدًا عن الشعارات«. وقال إن «حركة من لم ترقهم وحدة بلدنا ولحمة شعبنا من أجل السيطرة على دولتنا، تحولت إلى عمل مسلح في 15 تموز بأمر من عقول مدبرة«.

وأشار الرئيس التركي إلى أن عمليات الاعتقال والتوقيف والإبعاد التي طالت أعضاء السلك القضائي في عموم تركيا «ضرورية لكنها غير كافية«.

ولفت أردوغان، إلى استمرار العمليات بجميع مؤسسات الدولة لإزالة ما سماه بالـ«الفيروسات« (منتسبي منظمة فتح الله غولن)، التي تغلغلت في جميع أجهزة الدولة كالسرطان»، مضيفاً «بدأت المنظمة تتساقط وتتهاوى«.

وأكد أردوغان أنهم اقتحموا أوكار المنظمة بشكل فعلي، مضيفا «في الوقت الراهن سنطالب أميركا ودول الغرب، بشكل مكتوب عبر وزارتي العدل والخارجية، بتسليم هؤلاء (غولن ومناصريه)، وسنرى مواقفهم«.

وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، في وقت متأخر من مساء أول من أمس محاولة انقلابية فاشلة، نفذتها عناصر محدودة في الجيش، تتبع منظمة «الكيان الموازي» الإرهابية حسبما تؤكد الحكومة التركية، حاولوا خلالها إغلاق الجسرين اللذين يربطان شطري مدينة إسطنبول، والسيطرة على مديرية الأمن فيها وبعض المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة، وفق تصريحات حكومية وشهود عيان.

وقوبلت المحاولة الانقلابية باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات التركية، حيث توجه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان، ومديريات الأمن، ما أجبر آليات عسكرية حولها على الانسحاب، مما ساهم في إفشال المحاولة الانقلابية.

وقال وزير العدل التركي بكر بوزداغ إن عملية تطهير العناصر الإنقلابية بالجيش متواصلة، مشيرًا إلى توقيف نحو 6 آلاف عسكري، ومن المحتمل ارتفاع عددهم، على خلفية تورطهم في محاولة انقلاب فاشلة شهدتها تركيا.

جاء ذلك في حوار أجراه الوزير التركي مع التلفزيون الرسمي للدولة «تي آر تي«، أشار فيه الى أن «تركيا نجت من خطر وتهديد كبيرين«. وبيّن بوزداغ، أن «(فتح الله) غولن يقف وراء المخطط الانقلابي«، مشيدًا بدور الإعلام التركي، بكافة أطيافه الداعم للحكومة والمعارض، في دحر المحاولة الانقلابية، على حد تعبيره.

وأوضح بوزداغ، أن «حماية الولايات المتحدة، لغولن، سيضرّ بموقفها وسمعتها»، معربًا عن اعتقاده أنها «لن تواصل حماية شخص يستهدف تركيا«. وأضاف، «وإن فعلت عكس ذلك، فإنها لن تستطيع تبرير ذلك لمواطنيها الذين يؤمنون بحقوق الإنسان، والمواطنين الأتراك، وهذا يضعف من موقفها واعتبارها«.

وتابع «لقد قمنا بإعداد ملفات بخصوص إعادة غولن إلى تركيا، إلى جانب أدلة بصدد جمعها من إفادات المتورطين في محاولة الانقلاب الأخيرة»، مستدركًا «إلا أن ذلك لا يمنع مطالبتنا بإعادته من الناحية السياسية«.

وبعد انذار الانقلابيين بأنهم «سيدفعون ثمنا باهظا»، نفذت الحكومة تهديدها ببدء حملة توقيفات واسعة النطاق في كل انحاء البلاد واوقف نحو ثلاثة الاف جندي وعشرات الجنرالات والقضاة والمدعين بحسب الاعلام.

واعلن تلفزيون «ان تي في» توقيف 34 جنرالا برتب مختلفة حتى الساعة، غالبيتهم من الشخصيات الشديدة الرمزية في الجيش على غرار قائدي الفيلق الثالث اردال اوزتورك والفيلق الثاني المتمركز في ملاتيا ادم حدودي.

كذلك اعلنت وكالة انباء الاناضول توقيف قائد حامية دنيزلي (غرب) الى جانب 51 جنديا في وقت مبكر صباح الاحد.

وأوقف ايضا الجنرال بكير ارجان فان من سلاح الجو الى جانب نحو 12 ضابطا من رتب ادنى السبت في قاعدة انجرليك (جنوب) التي يستخدمها التحالف الدولي لمكافحة تنظيم «داعش» في سوريا، على ما ذكرت صحيفة «حرييت» مضيفة انهم يخضعون حاليا للاستجواب.

وافاد مسؤول تركي ان انقرة تشتبه باستخدام قاعدة انجرليك لامداد الطائرات المقاتلة التي استخدمها الانقلابيون مساء الجمعة.

وذكرت وكالة انباء الاناضول القريبة من الحكومة ان مساعد الرئيس رجب طيب اردوغان قد اعتقل في اطار التحقيق حول محاولة الانقلاب الفاشلة. واضافت الوكالة ان نيابة انقرة طلبت وضع الكولونيل علي يازجي، مساعد اردوغان منذ 12 آب 2015، والمقرب بصفته هذه من الرئيس، في الحبس على ذمة التحقيق.

وبحسب قناة «سي ان ان تورك» الاخبارية فإن يازجي كان في انقرة عند وقوع محاولة الانقلاب في حين كان اردوغان في اجازة في مرمريس جنوب غربي البلاد ومنها اتجه الى اسطنبول.

وقال بيان لوزارة الخارجية التركية إن عدد القتلى من محاولة الانقلاب التي شهدتها البلاد زاد على 290 مضيفا أن عدد المصابين أكثر من 1400. وتابع أن بين القتلى أكثر من مئة شاركوا في محاولة الانقلاب وأنه ما من شك في أن المحاولة الانقلابية دبرها أتباع رجل الدين فتح الله غولن الموجود في الولايات المتحدة.

واضافت الاناضول ان الحملة لم تقتصر على الجيش، لافتة الى صدور مذكرات توقيف بحق 2745 قاضيا ونائبا عاما في كل انحاء تركيا. واكد تلفزيون «ان تي في» توقيف اكثر من 500 منهم حتى الان.

وفي ظل صعوبة تحديد عدد الموقوفين الاجمالي، تحدثت وكالة دوغان من جانبها عن توقيف 44 قاضيا ومدعيا ليل السبت – الاحد في مدينة قونيا (وسط) و92 في غازي عنتاب (جنوب شرق).

وطالب اردوغان واشنطن بتسليم عدوه اللدود، فيما ذهب وزير العمل في حكومته سليمان سويلو ابعد من ذلك، متهما الولايات المتحدة بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية. وقال «الولايات المتحدة تقف وراء هذا الانقلاب. بعض المجلات الصادرة هناك تنشر معلومات (في هذا الاتجاه) منذ بضعة اشهر. الولايات المتحدة ملزمة بتسليمنا فتح الله غولن». 

وأفاد مسؤول تركي ان مواجهات اندلعت مساء بين قوات الامن التركية وجنود انقلابيين في قاعدة قونيا الجوية في وسط البلاد، حيث كانت تجري عملية لقوات الشرطة. وافادت وكالة انباء الاناضول ان العملية انتهت مضيفة انه تم اعتقال سبعة عسكريين.

وكان المسؤول التركي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه قال في وقت سابق ان «مواجهات تجري في قاعدة قونيا الجوية بين قوات الامن وانقلابيين يقاومون اعتقالهم».

وافاد المصدر نفسه ان عناصر الشرطة اطلقوا رصاصات تحذيرية في مطار صبيحة ثاني اهم مطارات اسطنبول اثناء عملية توقيف انقلابيين آخرين استسلموا في آخر المطاف.

أما خارجياً، فكان اللافت الاتصال الذي قام به الملك سلمان بن عبدالعزيز بالرئيس التركي هنأه خلاله بعودة الأمور إلى نصابها في تركيا وترحيب المملكة باستتباب الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق بقيادة اردوغان، واستمرار الحكومة التركية بممارسة أعمالها.

وقد عبر إردوغان عن شكره وتقديره لخادم الحرمين على مشاعره الصادقة وحرصه واهتمامه بما يحدث في تركيا مثمناً العلاقات المتميزة بين البلدين الشقيقين.

وأبرزت فضائية «العربية» نبأ اعتقال السعودية الملحق العسكري التركي لدى الكويت في الدمام بناء على طلب سلطات بلاده، حيث كان في طريقه إلى أوروبا.

ولفتت كذلك مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الاتصال بإردوغان معزياً بالضحايا الذي سقطوا خلال مواجهتهم «المتآمرين»، وفق تعبير الرئيس الروسي. 

وامل الرئيس الروسي خلال اتصال هاتفي بنظيره التركي، عودة الاستقرار سريعا بعد الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا.

وقال بيان للكرملين ان بوتين «قدم تعازيه بالعدد الكبير من الضحايا في صفوف المدنيين والشرطيين الذين واجهوا المتآمرين، وامل عودة سريعة للنظام الدستوري والاستقرار».

واثارت عملية التطهير قلقا بالغا لدى الغرب وردود فعل حازمة. وذكر الرئيس الاميركي باراك اوباما تركيا «بالحاجة الحيوية» الى ان يتصرف جميع الاطراف المعنيين «في اطار دولة القانون» بعد محاولة الانقلاب.

وطالب وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت باحترام دولة القانون في تركيا، معتبرا ان الانقلاب لا يعطي «شيكاً على بياض» للرئيس التركي من اجل تنفيذ حملة «تطهير».