IMLebanon

الكهرباء 24/24: 4 سنوات جديدة من الانتظار

التغذية بأدنى مستوياتها.. وإشكالات سياسية تؤخر المعامل

الكهرباء 24/24: 4 سنوات جديدة من الانتظار

ايلي الفرزلي

تقرير جديد يظهر بالتفصيل كيف يمكن للبنان أن يتحوّل إلى بوابة للتكنولوجيا في الشرق الأوسط

الوضع مزرٍ. كل القطاعات ينخرها الفساد. لكن لقطاع الكهرباء دائماً «رونقه» الخاص. ذهبت كل الخطط التي وضعت للوصول إلى مرحلة الـ24/24 أدراج الرياح، والأسوأ أن لا وعود جديدة تقدم، ولا آمال يعيش عليها اللبنانيون، سوى المساعي المحلية التي تجري في أكثر من منطقة للخروج من شرنقة «كهرباء لبنان»، باتجاه حلول مستقلة شبيهة بتجربة «كهرباء زحلة».

أما المعامل التي كان يفترض أن تركّب أو تجدّد، فما تزال على حالها. «فاطمة غول» وقريبتها «أورهان باي» اعتادتا البحر اللبناني وهو اعتادهما، فيما الشعب اللبناني يدين لهما بربع التغذية الكهربائية (360 ميغاواط من إجمالي 1300 ميغاواط في الساعة كانت معدل الانتاج في الأسبوع الماضي، حسب رئيس اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الطاقة النيابية محمد الحجار).

هل لهذا الوضع أن يتحسن؟

كل المؤشرات تفيد أن التغذية بـ «التيار» لا يمكن أن ترتفع أكثر من ساعتين يومياً في أفضل الحالات. وهو ما يعني أن الأزمة لن تنتهي في القريب العاجل وأن اللبنانيين سيضطرون إلى التعايش مع المزيد من العتمة.

تقدّر حاجة لبنان الكهربائية بين 3000 و3300 ميغاواط/ ساعة، فيما معدل الانتاج حالياً يصل إلى 1600 واط (بعد إصلاح أعطال معمل الذوق التي خفّضت الانتاج نحو 300 ميغاواط). وهذا الرقم مرشح للتحسن بشكل طفيف بعد زيادة قدرة الباخرتين التركيتين وإدخال المولدات العكسية التي أنجزتها شركة BWSC الدانمركية في معملي الذوق والجية، والتي يمكن أن ترفع التغذية ما بين 250 و300 ميغاواط.

وبالرغم من أن الشركة الدانمركية أنهت عملها، الذي سبق أن تأخر ثمانية أشهر بسبب التجاذبات السياسية المحلية، إلا أن خلافاً بينها وبين كهرباء لبنان نشأ مؤخراً على خلفية الفترة التجريبية وعملية وضع الوحدات الجديدة على الشبكة، حيث كان هذا الأمر محل نقاش في فرعية لجنة الطاقة النيابية، التي خصصت جلستها، أمس، لمتابعة ما يجري في معملي الذوق والجية. إلا أن مصادر وزارة الطاقة رفضت ما يحكى عن خلاف، مشيرة إلى أن التأخير تقني ويتعلق بإعداد عقد الصيانة.

كل الجهد ينصب حالياً على زيادة ميغاواط من هنا أو من هناك، لكن الحل النهائي والناجع للأزمة التي صار عمرها من عمر السلم الأهلي، يحتاج إلى الكثير من الأناة، ريثما تحل الخلافات السياسية أولاً. فهذه الخلافات حرمت اللبنانيين من إنجاز معمل دير عمار، الذي كان يفترض أن يكون قد وُصل إلى الشبكة منذ عام. فإذ بالعمل لم يبدأ حتى الآن، نتيجة الخلاف بين وزارتي الطاقة والمال، ومن خلفهما بين «التيار الوطني الحر» و«أمل».

في الذوق، مكانك راوح منذ سنوات. عملية التأهيل ما تزال بعيدة الأمد. شركة «انسالدو مدكا» التي كانت المتقدم الوحيد إلى المناقصة لم تباشر العمل. ثمة مشكلتان أساسيتان تعوقان ذلك، الاولى، مرتبطة بكونها الشركة الوحيدة التي تقدمت إلى المناقصة. الثانية، تتعلق بالعرض المالي الذي قدمته والذي يزيد بـ90 مليون دولار عن تقدير الاستشاري (170 مليون دولار). وبالرغم من أنها عادت وخفّضت المبلغ إلى 220 مليون دولار ربطاً بانخفاض سعر اليورو، إلا أن ذلك لم ينه الأزمة، التي صارت تتطلب موافقة مجلس الوزراء على توقيع عقد بالتراضي معها.

آخر التطورات كانت طلب كهرباء لبنان من الشركة إعادة تخفيض العرض، نتيجة تخفيض قيمة الأشغال (خلال 4 سنوات من التأخير، قامت المؤسسة بإجراء بعض التحسينات، فلم يعد «الذوق» بحاجة إلى الأعمال نفسها).

وتقول مصادر متابعة أنه حتى لو خُفّضت قيمة العرض، فإن ذلك لن يحل المشكلة، إذ أن وجود شركة واحدة يعني أن العقد سيكون اتفاقاً بالتراضي، وفي الظرف السياسي الحالي يُستبعد أن يتخذ مجلس الوزراء قراراً بهذا المبلغ وبالتراضي.

مع ذلك، طلبت اللجنة الفرعية من وزارة الطاقة وكهرباء لبنان أن يعودا إليها خلال شهرين بنتيجة التفاوض، علماً أن متابعين للملف يؤكدون أن مسألة التأهيل لم تحسم نهائياً بعد، بانتظار حسم القيمة النهائية له وتبيان جدواه بالمقارنة مع إنشاء معمل جديد.

الوضع في الجية على مساوئه، يبقى أفضل. فبعد حسم الأمر بعدم جدوى تأهيل المعمل الحالي، ربطاً بالتكلفة والانتاج، بدأت منذ فترة عملية البحث عن ممول. وبالفعل تم أمس الإعلان عن موافقة الصندوق العربي على تمويل معمل بقدرة إنتاج 600 ميغاواط، علماً أن القدرة الإسمية للمعمل تبلغ 250 ميغاواط، فيما انتاجه الحالي لا يزيد عن 80 ميغاواط ويمكن أن يصل إلى 120 ميغاواط، من دون احتساب إنتاج الباخرة التركية. لكن المشكلة أن المعمل ما يزال في مرحلة التحضير، حيث يفترض أن توقع كهرباء لبنان عقداً مع شركة كهرباء فرنسا (EDF) لدرس المخططات التوجيهية العامة والتعديلات المطلوبة على المحطة التي تأخذ في الاعتبار انشاء معامل جديدة في لبنان، فيما وقّع مجلس الإنماء والإعمار عقداً معها بغية إجراء دراسة حول تفكيك المعمل وتحديد قدرته من خلال تقدير قدرة شبكة النقل.

وبحسب المعلومات المتوافرة، يتوقع أن يكون مجلس الإنماء والإعمار قد أنجز ملف تلزيم معمل الجية مع نهاية العام الحالي. وعندها فقط يمكن البدء باحتساب فترة الأمل بتحسن التغذية بالتيار. علماً أنه لو أعلن اليوم عن حل الخلاف حول معمل دير عمار، وانتهى الإشكال المتعلق بمعمل الذوق، فإن على اللبنانيين أن ينتظروا ليس أقل من ثلاث أو أربع سنوات حتى يروا الكهرباء 24 على 24. لكن بحسب التجارب السابقة، ومن دون أخذ العجز الحكومي بالاعتبار، فإن أحداً لا يشك أن ساعة الصفر ستتأخر، وأن مطبات كثيرة ستؤخر الحلم الكهربائي المستحيل. وفي هذا الوقت، يترنح القطاع ويتجه نحو خصخصة متدرجة بدليل أن الجنوب صار بمعظم مدنه وقراه يحصل على كهرباء 24 على 24 من المولدات المحلية التي تديرها البلديات، وها هو الشمال ينتظر بناء المحطة التي أخذها على عاتقه الرئيس نجيب ميقاتي، وثمة من يستعد لاطلاق مشاريع مماثلة في جبل لبنان الشمالي والجنوبي..