IMLebanon

حلب آخر محطات «الترانسفير».. والتغيير الديموغرافي

بصمت وخجل تمسح حلب اليوم دموعها وسط افراح عارمة في أوساط «الممانعة» التي نفّذ أسيادها وعودهم ودخلوها على جثث أطفالها ونسائها. مدينة ذُبحت أمام مرأى العالم وتحت أنظار المُجتمع الدولي وظلّت وحيدة تُصارع في عالم الوحوش وتستعطف ضمائر غابت عن السمع وعن مشهد استهداف المدينة وتركها وحيدة تنزف قتلاً ووجعاً وهي تئن في زوايا «الشعّار» وفي زواريب «صلاح الدين» وعلى أرصفة «الصاخور».

تماشياً مع المُخطط المُعدّ لها منذ سنوات، أُفرغت حلب بشكل شبه كامل خلال اليومين المُنصرمين. الباصات الخضر تحمل المدنيين إلى جهات مجهولة والممرّات الآمنة انكشفت حقيقتها بعدما تبيّن بأنها لم تُفتح في الأصل بهدف حماية المدنيين، بل كان المقصود افراغ حلب من أهلها بعدما تكفّلت طائرات النظام وروسيا وصواريخ «حزب الله» وايران بمحو المدينة عن خريطة الحياة وجعلها حقل تجارب لسلاح لم يُسبق أن استُعمل حتّى في حروب الدول الكُبرى، لا في زمن حرب الخليج ولا حتّى خلال احتلال جزيرة «القرم».

منذ اكثر من عام، تحوّلت حلب إلى وجهة حرب دموية بالنسبة إلى «حزب الله» والحلف الذي ينضوي ضمنه. فالحزب الذي تكبّد خسائر فادحة في الأرواح، يقرأ سيناريو ما يحصل اليوم من عملية تهجير لأبناء حلب، بأدق التفاصيل على الرغم من الثقة المُتأرجحة التي كانت تخلّلت العلاقات بين الروس والإيرانيين والتهم المُتبادلة في ما خص سير المعارك هناك. والاكثر غرابة أن «حزب الله» اعطى الحرب في حلب، أهمية تفوق تلك التي كانت سائدة خلال معارك «القلمون»، وهذا يعني في الميزان الإستراتيجي لقوى «المُمانعة»، أن الحزب كان يطمح منذ البداية الى يوم يُصبح فيه طرفاً اساسياً في تقاسم قطعة «الجبن».

السير في مُخطط إفراغ حلب، يعود إلى منتصف العام الماضي يوم أُعلن عن حصار نحو ثلاثمائة الف مدني داخل الجزء الشرقي من المدينة، يومها دخل «حزب الله» والنظام السوري وإيران في صفقة مع الروسي في جعل حلب نسخة طبق الأصل عن مدينة حمص و«الزبداني». وهنا لا بد من استرجاع تصريح لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قال فيه: «إن الجيش الروسي وقوات النظام وحلفاءه، يحضّرون لعملية إنسانية على نطاق كبير، من خلال فتح ثلاثة ممرات لخروج المدنيين وممر رابع للمسلحين من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب»، وقد تطابق هذا التصريح مع حديث مُماثل لبشار الأسد، يقضي بمنح عفو «لكل من حمل السلاح وبادر إلى تسليم نفسه وسلاحه للسلطات القضائية المختصة خلال مدة ثلاثة أشهر». وبعيداً عن لغة التخوين والمؤامرة، فقد كان من المُستغرب أيضاً، التلاقي الذي ابدته الأمم المتحدة لجهة التوجه الروسي في موضوع «الممرات الآمنة» والذي تزامن مع تصريحات أخرى ألمحت الى فرضية التوطين السوري في لبنان.

النظام السوري تعاطى مع أبناء حلب، على غرار التعاطي الذي انتهجته اسرائيل خلال اجتياحها لبنان في العام 1982، فيومها ألقت الطائرات الإسرائيلية مناشير تدعو فيها المدنيين إلى الخروج من بيروت تمهيداً لضرب الثورة الفلسطينية، لكن في حقيقة الأمر، فإن الإسرائيلي لم يُميّز يومها بين مدني وعسكري خصوصاً عندما جرت مُحاصرته في اكثر من منطقة. هذا الامر ينطبق على النظام السوري وحلفائه بحيث لم يعد هناك تمييز بين مسلح ومدني إذ إن الجميع أصبح تحت دائرة القتل بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ، وحتى المدنيين الذين يستسلمون تباعاً لتهويلات النظام ويُقرّرون الخروج من مناطق شرقي حلب، فغالبيتهم يتعرضون للاعتقال والسرقة والضرب بالإضافة إلى الإهانات التي لا ترحم كبيراً ولا صغيراً.

اليوم يبدو أن المُتغيّرات قد بدأت تفرض نفسهاعلى الأرض بقوة على المشهد السوري وتحديداً «الحلبي»، وذلك بعد أن كشفت القناع عن تجار السياسة الذين تحضّروا واستعدوا لهذه اللحظة لتنفيذ مُخططهم الرامي إلى إفراغ شرقي حلب من سكانه، ويبدو أن في المُخطط ما يُنذر بتقسيم المدينة إلى شطرين إذ لا حياة اليوم في حلب المنكوبة ولا بُنى تحتية ولا ما يدل على انها قابلة للحياة، وكأنها تعرضت لتدمير مُمنهج الغرض منه تحويلها إلى «قصير» أخرى أو إلى منطقة عسكرية يُمنع دخولها تحت أي ظرف كان. ومن شأن هذا المُخطط أن يدفع بتسريع عملية التقسيم لا على أساس «سوريا المُفيدة»، بل السيطرة على المُدن إلى ان يحين لاحقاً موعد «تحرير» الأرياف.

في منتصف العام 2012، انشقت الفرقة الخامسة في سوريا عن جيش النظام ويومها جرى تطويقها من قبل الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الاسد شقيق رأس النظام. المعلومات اليوم تُشير الى أن هذه الفرقة يُستعاد اليوم بناؤها من جديد، لكن المثير في الموضوع انها ستكون مؤلفة من عناصر سورية شيعية تنتمي إلى «حزب الله» في سوريا سواء من حلب او دمشق، كما الحزب على تدريبها وتسليحها بالعتاد اللازم. وضمن سياسة الإستيطان نفسها، فإن الحزب بدأ منذ فترة يُعدّ جزءاً كبيراً من عناصره للتأقلم مع طبيعة الأرض السورية بحيث سيُبقي على جزء كبير من قادته العسكريين وعناصره، داخل الاراضي السورية ولن يُسمح لهم بمغادرتها إلا من خلال تصاريح خاصة. والمعلومات في هذا الإطار، تؤكد أن القيادة العسكرية والسياسية الأم، ستبقى في لبنان، وأن عديد عناصره في سوريا، سيُقابله عديد مُماثل في لبنان لأسباب لوجستية لها علاقة بالتبديلات والإجازات.

آخر «وصلات» الحزب الإستعراضية والتقسيمية، جاءت على لسان رئيس كتلة نوّابه النائب محمد رعد أمس، عندما قال «إن مدينة حلب ستستعاد، والنصر فيها أصبح قريبا جدا، وعليه فإننا اقتربنا من حسم معركة أساسية ربما تعيننا على تسطير النتائج المرجوة في مواجهة التكفيريين في المنطقة». وهُنا لا بد أن يُسأل رعد عن الذنب الذي اقترفه الأطفال في حلب ليُقتلوا بطرق وحشية وعن الأشلاء والجثث التي تنتشر على الطرقات وداخل البيوت وعن الجوع والحصار والذل التي مورست كلها بحق سُكّان المدينة. أمّا مسألة «الجهاد» فهي تلحظ في قاموس رعد بدرجة متفاوتة بين حليف وعدو، إذ يقول « إن المقاومة استطاعت بتحالفها مع الجيش العربي السوري وبقية المجموعات المقاتلة والجهادية، أن تنهي هذا الفصل من العدوان التكفيري الإرهابي الذي هو جزء من عدوان كبير على أمتنا». فعن أي أُمّة يتحدث رعد وعن أي إنتصار في وقت تنتظر فيه حلب من ينتشل جثث أبنائها من أمام المستشفيات الميدانية ومن تحت الأنقاض؟!.