IMLebanon

«توازن»؟

ليس أدلّ على نكبة السوريين عموماً وأهل حلب خصوصاً سوى المواقف الغربية التي يُراد منها الإيحاء بأن التوازن في هذه الدنيا قائم بالفعل: مقابل كل غارة روسية مدمرة، هناك تصريح ناري من واشنطن! ومقابل كل صاروخ عابر لظاهر الأرض، هناك كلام «خطير» يخرج من مكتب الأمين العام للأمم المتحدة ويَعْبُر الكرة الأرضية على وسعها حاملاً أحلى تعابير القلق الممكنة! ومقابل كل مجزرة ترتكبها الآلة العسكرية الروسية وبقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد والميليشيات المذهبية الإيرانية الهوى والأهواء في حق المدنيين، هناك جملة تخرج من دوائر صنع القرار في باريس أو برلين تقول إن العين مفتوحة وترى ما يحصل! والعدّاد شغّال ويسجّل «بدقة» عدد الضحايا ونوعية الأهداف المقصوفة والمنكوبة!

وتلك دلالات خزي بيّن، وضررها فعلي وأكيد. بحيث أن تلك الظواهر الصوتية الغربية، تشير من جهة، إلى دراية تامة بما يحصل وتنكر الادعاءات المألوفة بالغفلة (مثلما حصل أيام مجازر رواندا مثلاً!) لكن من دون الخروج إلى رد فعل يتعدى الصوت والصدى. وتشير من جهة ثانية، إلى شبهة تواطؤ (وأي شبهة؟!) مع مشروع جعل سوريا جزءاً من منظومة إقليمية محكومة بعيداً عن أكثرية أهلها وتدور في أفلاك مصالح أكبر منها، وتصل طهران بموسكو!

والمفارقة الغريبة (وكل مفارقة غريبة!) هي أنه كلما ارتفع منسوب الحديث عن توتر أميركي – روسي، وطارت الاتهامات المتبادلة على الهواء مباشرة، ومن مجلس الأمن إلى منصّات الناطقين الرسميين في واشنطن وموسكو، ارتفعت عملياً وتيرة العمليات العسكرية، وشعر المحور الروسي – الإيراني بالقوة مجدداً، وازداد تصميمه على الكسر والفرض والابتعاد أكثر فأكثر عن أحجية «الحل السياسي».. ودفع الشعب السوري المزيد من الدم والهدم!

والمنطق في كل حال لا يقول بغير ذلك: آلية الرعب محكومة بالتوازن وإلا انكسرت، وطاف الخراب.. تنعّم البشر على ما يقول التاريخ الحديث، بأطول فترة هدوء (شامل) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لأن التوازن النووي الإفنائي كان حاضراً ناضراً بكامل عدّته! ولولا ذلك، لما ظلت حرب فيتنام في دائرتها الجغرافية! وقبلها ومثلها الحرب الكورية، وصولاً إلى حروب الشرق الأوسط. والحسبة ذاتها تسري على الصغير والكبير: لا يمكن أن تحاور بالورقة من يضع مسدساً على الطاولة! ولا يمكن أن تتحاور أصلاً مع عبوة ناسفة! وطالما أن الروس أولاً وأساساً وقبلهم الإيرانيون، يعرفون تمام المعرفة (وعن حق!) بأن القادر (الأميركي) على لجمهم وتحجيم طموحاتهم ونزعاتهم الاستحواذية وأدائهم البلطجي، مستقيل من دوره «التوازني»! ومتنازل سلفاً عن نفوذه! أو عن حصّته! أو عن دوره في رعاية المشاع الدولي العام.. طالما أن الأمر كذلك وأكثر من ذلك، فإن هؤلاء لن يفوتوا الفرصة! لا في أوكرانيا، ولا في القرم، ولا في العراق ولا في اليمن ولا في سوريا! وطالما أن المعادلة رست على قاعدة تصريح مقابل غارة، فلا بأس بذلك، ولتمطر الدنيا تصاريح إدانات كيفما تشاء!

وكيف لا؟ طالما أن جون كيري تحوّل إلى محلل سياسي «يشرح» للعالم بين الحين والآخر «رأيه» في ما يفعله الروس! ويطوّر في حالات أخرى أداءه ليصير مثل مراقبي منظمة «هيومن رايتس» الذين يحصون الارتكابات ويوجهون الاتهامات ويستعينون بالإعلام لعرض مكتشفاتهم!! وقبله بالمناسبة، كان مستر أوباما في البيت الأبيض قد استمرأ لعب دور المحاضر الجامعي، وتناسى أنه رئيس أكبر وأخطر وأهم دولة على وجه الأرض!

.. حتى الأطهار، إزاء ذلك، كانوا تحولوا إلى شياطين. فكيف الحال أصلاً مع زعيمين من نوع خامنئي وبوتين، شديدي التصميم والحيوية والطموح، وكل منهما يحمل مشروعاً إحيائياً أكبر من قدرات بلده! ولا يجد طريقاً لتحقيقه سوى بالعودة إلى مناخات ما قبل الحرب العالمية الثانية بكثير..! ومن دون أي رادع جدّي!