IMLebanon

الهزيمة «الخامنئية» في سوريا  

معركة «الباب» فتحت الأبواب على تنافسات وخلافات كامنة، بين مَن يُفترض أنهم «حلفاء» يخوضون حرباً مشتركة. الخلافات متحرّكة. ليس بالضرورة أن تكون بين طرفَين ضدّ آخر مشترك. اليوم حلفاء وغداً أمر.

الرئيس حسن روحاني سيزور موسكو في مطلع الشهر المقبل، ليلتقي «القيصر» فلاديمير بوتين. محور المباحثات سوريا وكيفية التعامل مع الرئيس دونالد ترامب. من غرائب هذه المرحلة، أن طهران وواشنطن تتواجهان على حافة الهاوية، فيما بوتين وترامب يتعاملان وكأن مستقبل التفاهمات مفتوح أمامهما. العقدة التي يجب حلّها، كيف سيتعامل الثلاثة مع بعضهم البعض، في وقت يريد فيه ترامب محاصرة إيران، و«القيصر» يريد المحافظة على حلفه مع طهران، إلى درجة إقامة علاقات استراتيجية بينهما. وهو ما لم يحصل في تاريخ العلاقات الروسية – الإيرانية، حيث التنازع على النفوذ يمتد من بحر قزوين إلى آسيا الوسطى مروراً بشمال القوقاز وما وراؤه. في الوقت نفسه عادت طهران إلى شعار الثورة «الموت لأميركا» وكأنها ما زالت أسيرة بدايات الثورة.

المرشد آية الله علي خامنئي هو «قائد الثورة». وبهذا فإن خامنئي هو الحاضِن والحافِظ للثورة ولخطها وفكرها. ما يحصل الآن بين موسكو وطهران من توجّهات للمواجهة الكبرى في سوريا، يُنتج وضعاً وكأنّ الثورة انتهت، لأنّ مصالح «الدولة» أصبحت الأساس لأنها مصيرية لعظمة إيران. التأكيد الإيراني اليومي عن قيام حلف استراتيجي مع روسيا، يشطب 38 سنة من عمر الثورة التي قامت على شعار «لا شرقية ولا غربية».

العجيب والطريف، أن سوريا هي في قلب هذا الانقلاب على الثورة. المرشد خامنئي جعل من «بقاء الأسد في السلطة إلى الأبد» خطاً أحمر على قاعدة أن سوريا هي «الضلع الثالث» في «المقاومة»، بينما إيران هي الضلع الأول، و«حزب الله» الضلع الثاني. اليوم، من أجل المحافظة على سوريا – الأسد يضحّي خامنئي بعمود الثورة، وهو عدم الانحياز إلى روسيا أو الغرب وتحديداً واشنطن. الحرب في سوريا، أكدت للمرشد وقادته من «الحرس الثوري» أن الانتصار مستحيل، لذلك تمّ اللجوء إلى «القيصر» ليتدخّل بطيرانه. فما كان من «لاعب» الشطرنج والجيدو والأمن الكبير، سوى قضم الأرض وصولاً إلى القرار، فأصبح بسرعة هو «القائد». بذلك خسر المرشد خامنئي القرار في سوريا.

الأصعب بالنسبة لطهران بقيادة آية الله علي خامنئي أنه وصل بسبب سوريا إلى حافة النزاع والمواجهة مع تركيا. العلاقات الإيرانية – التركية، تاريخياً تكاد لا تختلف عن طبيعة العلاقات مع روسيا. أي يوميات طويلة من النزاعات وحتى الحروب، وإرادة مشتركة بتلافي الخلافات والمحافظة دائماً على الحد الأدنى من التفاهمات، التي تبلورت تحديداً خلال سنوات القطيعة والمقاطعة الغربية لإيران، في تحويل السوق التركية إلى «رئة» مساعِدة للاقتصاد الإيراني.

الحرب في سوريا بدأت تحفر عميقاً في العلاقات الإيرانية – التركية. الخلاف بين أنقرة وطهران حول سوريا والأسد، بدأ منذ «الطلقة الأسدية» الأولى ضدّ الشعب السوري. العاصمتان عملتا على إحاطة الخلاف بمزيد من الرعاية وتسويره لمنع امتداد النار إليه. معركة «الباب» فتحت «جراح» التاريخ والحاضر معاً. طهران تخاف جدّياً من تقدّم تركيا في معركة «الباب» ووضع قواتها نهائياً في المنطقة. إذا حصل ذلك، وهو يبدو حاصلاً، تنحسر طهران أكثر فأكثر. ما أزعج طهران أكثر أن الرئيس رجب طيب اردوغان طوّر مواقفه وصعّدها من سوريا إلى العراق فاليمن، بالاتجاه المعاكِس للسياسة والمواقف الإيرانية. لذلك لأوّل مرّة، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير التركي وأبلغته رسمياً: «إن إنشاء منطقة آمنة قرار خاطئ، ونحن سنصبر إزاء سياسات تركيا ولكن للصبر حدود». مأزق طهران الكبير، أنها في زمن دونالد ترامب بحاجة إلى حلفاء، وإذا لم يكن ذلك ممكناً فعلى الأقل علاقات هادئة تخفّف عنها أعباء المواجهة مع أطراف عدة تضعفها في «المواجهة الكبرى» مع واشنطن، فإذا بها بسبب سوريا تكاد تكون «خاصرتها الضعيفة» مكشوفة.

السؤال الطبيعي ماذا ستفعل طهران مع تركيا إذا «نفد صبرها»؟ خصوصاً إذا ذهبت الأخيرة بعيداً في عملية تسليح المعارضة السورية عن كل المراحل السابقة بموافقة الرئيس ترامب. من الصعب جداً تحديد طبيعة الردّ الإيراني وتفاصيله، لأن كل التطورات في سوريا تتوقّف حالياً على طبيعة «المسار القيصري» وكيفية تنفيذه وأدواته، علماً أنه لا يمكن فصله عن «المسار الترامبي» باتجاه التقاطع أو البقاء مسارين متوازيين لا يلتقيان إلا بحدود!

الربيع القادم، سيكون حكماً مليئاً وغنياً بكشف الكثير من المواقف والمستور من الأهداف. لذلك ستجد كل العواصم نفسها أمام واقع جديد لا يمكن تجنّب أحكامه. بانتظار ما سيحدث فإن تطوراً يتشكّل بسرعة، ويبدو لا مفرّ منه، يتمثل في أن المرشد آية الله علي خامنئي، الذي يقاتل على جبهات عدّة في وقت واحد، بدأ يشعر بالخسارة ويعمل على تخفيف نتائجها، لذلك يصعّد داخلياً ويعمل على إزاحة المعتدلين من السلطة، على قاعدة أن التشدّد الداخلي وحده القادر على مواجهة التشدّد الترامبي. هذا التشدّد قد يثبتّه في السلطة مع تيّاره، لكن ذلك لا يحول دون وقوع «الهزيمة الخامنئية» في سوريا مع ما يعني ذلك من ارتدادات متعدّدة وعميقة على الجبهات الأخرى، ويفتح «الباب» حُكماً على التغيير لاحقاً في الداخل الإيراني، لأن لـ«الهزيمة أباً واحداً».