IMLebanon

النازحون والمخيّمات: قنابل موقوتة عسكرياً وسياسياً

هل انتهت مفاعيل عملية المخيمات في عرسال؟ وأين يكمن دور السلطة السياسية في متابعة ما أفرزته هذه العملية؟ بين الكلام الأمني وعودة السجال السياسي حول النازحين، يرجّح بقاء الخطر الأمني من دون معالجة سياسية جذرية

لا شك في أن عملية عسكرية بحجم ما حصل في مخيّمي القارية والنور في محيط عرسال، لا يمكن أن تنتهي بمجرد الاعلان عن عدد الانتحاريين الذين فجّروا أنفسهم، وإلقاء القبض على أكثر من 300 شخص والتحقيق معهم، وبمعالجة جرحى الجيش اللبناني من إصاباتهم الدقيقة.

قضية بالخطورة التي يتحدث عنها الجيش تتعدى ما حصل من سرد للوقائع بطريقة خيّل إلى البعض أنها مبالغ فيها، بعدما كثرت التحليلات والاخبار الترويجية والوقائع التي تبين أن لا صحة لها، لا سيما أن التحقيقات لا تزال في بدايتها. وكذلك تتعدى المحاولات التي جرت لربط توقيت العملية بزيارة قائد الجيش العماد جوزف عون لواشنطن قريباً.

في الوقائع بحسب المعنيين مباشرة، فإنها ليست المرة الاولى التي ينفذ فيها الجيش مثل هذه العملية في مخيمات النازحين. سبق له أن نفّذ مثلها ثلاث مرات أو أكثر في عام 2016. العملية بالمعنى العسكري مدروسة، لأنها تفترض ضرب قوة أمنية كبيرة طوقاً أمنياً واسعاً حول المخيم ودعوة قاطنيه الى الخروج من الخيم، وفرز النساء والاطفال والمسنين عن الفتية والشباب الذين يمكن أن يكونوا من حملة السلاح أو ينتمون الى تنظيمات إرهابية، وإجراء جردة تفتيش شاملة داخل المخيم.

ما حصل في مخيّمَي عرسال هو السيناريو نفسه السابق، مع فارق أساسي، هو أن أربعة انتحاريين فجّروا أنفسهم بأحزمة ناسفة جهّزت سلفاً، إما عند سماع أصوات الآليات وانتشار العسكريين حول المخيم، وإما عند بدء عمليات التفتيش. أثناء العملية، فجّر ثلاثة من الانتحاريين أنفسهم بالعسكريين، على مسافات قريبة منهم، وهذا ما يفسّر إصابات الجنود الحساسة. وكذلك فجّر أحدهم نفسه بعدما كان يحتمي بإحدى العائلات، وحين أقنعه الجنود بإخراج العائلة فجّر نفسه في اللحظة التي كان فيها أحد الجنود يحمل طفلة نازحة لإخراجها، ما أدى الى إصابته ومقتل الطفلة.

لكن القضية لا تنتهي هنا. عدة مؤشرات وخلاصات يمكن التوقف عندها عسكرياً:

سبق للجيش أن نفّذ عمليات مشابهة، وهو طوّر أسلوب مداهماته، فلا يرسل قوة مصغرة أو دورية للبحث عن مشتبه فيه، الأمر الذي كان يمكن أن يشكل ضربة كبيرة لأيّ قوة مماثلة فيما لو فجّر الانتحاريون أنفسهم بالقوة العسكرية. لذا لجأ الجيش الى هذا الاسلوب في ضرب الطوق الأمني. أما عن التوقيت، فيعود الى السبب الكامن وراء قرار الدهم. فكل التحقيقات التي أجريت أخيراً مع الموقوفين الارهابيين الذين تمكن الجيش من توقيفهم، دلت على وجود مكامن خطر حقيقي وإرهابي داخل المخيمين المذكورين، ووجود رؤوس مهمة فيه. كذلك تبيّن أن عناصر لهم صلة بأحداث آب عام 2014 خرجوا من هذين المخيمين. لذا اتخذ قرار الدهم وتنفيذ عملية نوعية، فلا تكون مكلفة ولا تشكل خطراً كبيراً على القوة العسكرية، فاعتمد الجيش نمطاً آمناً الى الحد الاقصى الذي يحقق الهدف بالقبض على المسلحين من دون تعريض العسكريين للخطر. من هنا يصف الجيش ما حصل بالعملية «النظيفة»، نافياً أي بعد سياسي أو غير سياسي لها، بل هي عملية أمنية بامتياز وبكل المعايير.

لا يمكن وفق ذلك التوقف عند نتائج العملية التي حظيت بمتابعة ديبلوماسية لافتة، باحتساب الاصابات وعدد الموقوفين الذين يحقق معهم ويخلى سبيل الابرياء منهم تباعاً بالتنسيق مع القضاء المختص، بل بما كشفت عنه لجهة وجود أربعة أحزمة ناسفة وأربع عبوات كان يمكن استخدامها لتنفيذ عمليات إرهابية مع المواد المتفجرة التي كشفت، والتي كان يمكن أن تشكل مسلسل تفجير خطراً. وهذا في حدّ ذاته عنصر أساسي يفترض أن يكون مكان متابعة دقيقة وجدية.

لكن ما هي الخطوة التي تلي ما حصل في عرسال؟ وهل كان يجب أن تنكشف الخطورة الأمنية لبعض المخيمات حتى يعاد فتح ملف النزوح السوري؟

لا شك في أن العملية حصدت ثناءً سياسياً واضحاً، وإشادات بأداء الجيش، لكنها أيضاً فتحت مجدداً ملفاً شائكاً لا يتعلق فقط بوضع النازحين ومستقبل وجودهم في لبنان، بل أيضاً بوضع المخيمات وضبطها أمنياً، وبآفاق الحلول التي يجب توافرها لإعادة النازحين الى بلادهم، علماً بأن هذه القضية طرحت على طاولة حوار بعبدا أخيراً، وسارع رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الى رفض الحوار مع الحكومة السورية في هذا الشأن. من هنا يمكن الكلام عن مستويين في مقاربة الملف؛ مستوى أمني ومستوى سياسي.

أمنياً، يطرح السؤال الآتي: ماذا لو تكرر وجود انتحاريين في المخيمين المذكورين أو غيرهما، وماذا لو تمكّنت أيّ مجموعات انتحارية من التسلل مجدداً الى أيّ مخيم أو تجنيد عناصر فيه وتهريب مواد متفجرة وعبوات وأحزمة اليه؟ ففي ظل المهمات الكثيرة الملقاة على عاتق الجيش، لا يمكنه عملياً أن ينشر كتيبة أو أكثر حول كل مخيم، خصوصاً أن في منطقة عرسال يوجد نحو 110 مخيمات، متنوعة الأحجام. لكنه سيكون بطبيعة الحال مجدداً أمام خيار عمليات الدهم وتشديد المراقبة بأقصى طاقاته. فهل هذا يكفي فعلياً، أم ان قضية المخيمات صارت ملحّة وخطرة وتحتاج الى معالجة جذرية أكبر من اهتمام وزارة الدولة لشؤون النازحين ووزارة الشؤون الاجتماعية؟ علماً بأن التعامل مع النازحين أمنياً لا يتعلق فحسب بالجيش، بل بكافة الاجهزة الامنية، كقوى الأمن الداخلي والامن العام، والتنسيق بين هذه الاجهزة الذي بدأ يتكرس بفاعلية أخيراً، وينصب على كشف المجموعات الارهابية بين صفوفهم.

المفارقة أن أوساطاً ديبلوماسية غربية بدأت أخيراً تتعامل بجدية مع مسألة الارهاب المتسلل الى مخيمات النازحين وتبدي قلقها أمام مسؤولين رسميين حيال تحول بعض المخيمات بؤراً إرهابية، بما يتعدى الجانب الانساني الذي تتعامل معه المنظمات الانسانية الدولية. لكن في المقابل، لا يبدو أن الحكومة تقارب ملف أمن المخيمات السورية بجدية. لا بل يظهر من طريقة تحويل عملية عرسال في اتجاه فتح خلاف جديد حول مستقبل النازحين، أن المشكلة ستبقى قائمة ومن دون حل جذري، وسط التضارب الحاد في المواقف بين تيار المستقبل والقوات من جهة، والتيار الوطني الحر وحزب الله من جهة أخرى، لا سيما لجهة التنسيق مع الحكومة السورية، علماً بأن هناك أفكاراً تطرح حول تفعيل عمل المجلس الاعلى اللبناني السوري الذي لا يزال قائماً، وإيكال هذه المهمة إليه، أو تكليف شخصيات أمنية معينة مهمة التنسيق مع الاجهزة السورية المختصة، فتنحصر مهمتها بقضية النازحين، بما يعفي رئيس الحكومة من إحراج تنسيق العلاقة مع الحكومة السورية في هذا الملف. لكن الأهم هو أن تبادر الحكومة الى طرح هذا الملف جدياً، من دون عزله عن الواقع الأمني والمعطيات الخطرة التي تملكها الأجهزة الأمنية.