IMLebanon

الحدث في سوريا وليس في لبنان

الحدث الأساسي لا يزال في سوريا وليس في لبنان. هذا ما يُفترض به ألا يغيب عن اللبنانيين، على الرغم من كلّ المحاولات التي يبذلها «حزب الله« لإغراق الوطن الصغير في أزمات داخلية، من بينها أزمة النفايات وحالات الشغب المفتعل في وسط بيروت.

من الضروري عدم الغرق في الوحول اللبنانية كي تنعدم رؤية الحدث الأهم في المنطقة، والمتمثل في أنّ لا مرحلة انتقالية في سوريا بوجود بشّار الأسد… ولا يمكن للبنان ان يرتاح ما دام النظام السوري قائما. 

هذا نظام انتهت صلاحيته، وهو الوجه الآخر لـ«داعش« وارهابه. لا يمكن عزل توسّع «داعش« عن النظام السوري، مثلما لا يمكن تجاهل أن «داعش« لم يكن يستطيع الإنتشار في العراق والوصول إلى الموصل والسيطرة عليها قبل ما يزيد على سنة لولا الحاضنة التي وفّرتها له حكومة نوري المالكي المدعومة مباشرة من ايران. 

كان التمييز بين العراقيين والحملة المنظمة التي تعرّض لها السنّة في بغداد وخارج بغداد خير معين لـ«داعش«. كانت المذهبية التي مورست في العراق بمثابة دعوة مباشرة لقسم لا بأس به من المواطنين للتعاون مع «داعش« والوثوق به والإعتماد عليه وتوفير ارض مرحّبة به على تماس مع الأراضي السورية.

كان مفيدا الإستماع إلى الحوار الذي اجراه بشّار الأسد قبل أيّام مع فضائية «المنار« التابعة لـ«حزب الله« من أجل التأكد من أنّ لا فائدة من المحاولات الهادفة إلى تلميع النظام السوري واظهاره في مظهر الشريك في الحرب على الإرهاب. لم يجد بشّار الأسد ما يقوله سوى الدعوة إلى توحيد البندقية بين الميليشيات التابعة له وميليشيا «حزب الله«. الدولة السورية بالنسبة إليه طائفة معيّنة، فيما لبنان يختزله حزب مذهبي مسلّح يتلقى اوامره من طهران!. 

لا يمكن لأي حرب على الإرهاب أن تحقق أي نجاح في ظل النظام السوري الذي بنى تاريخه على الإبتزاز وعلى أنّه حاجة اقليمية. منذ قيام هذا النظام، نجد أنّه يفعل كلّ ما يستطيع من أجل تشجيع الإرهاب ثم التظاهر بأنّه قادر على السيطرة عليه. لا حاجة إلى التذكير بأنّه كان، منذ مطلع السبعينات، يرسل الأسلحة إلى كلّ المنظمات الفلسطينية التي كانت في لبنان وإلى كلّ الميليشيات الطائفية الموالية لهذه المنظمات والمعادية لها. كان مهمّا للنظام السوري توريط الفلسطينيين في قتل اللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم، كي يقول للإدارة الأميركية أنّه الطرف الوحيد القادر على وضع اليد على «مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية« في لبنان. وهذا ما حصل بالفعل بعد موافقة الإدارة على ذلك، عندما كان هنري كيسينجر وزيرا للخارجية الأميركية في العام 1976 من القرن الماضي.

استطاع كيسينجر الحصول على موافقة اسرائيل على دخول الجيش السوري إلى لبنان، ولكن بعد وضع حكومة اسحق رابين وقتذاك، خطوطها الحمر. كان من بين هذه الخطوط عدم تجاوز القوات السورية نهر الأولي في جنوب لبنان. كان الإسرائيليون يريدون بقاء المسلحين الفلسطينيين في جنوب لبنان وذلك في ضوء «الحاجة إلى الإشتباك معهم بين حين وآخر« على حد تعبير رابين الذي اعترض على امكان انتشار الجيش السوري على طول خط الهدنة بين لبنان واسرائيل.

تبدو اللعبة التي يمارسها النظام السوري كلاسيكية. تقوم هذه اللعبة على اشعال النار في مكان ما ولعب دور الإطفائي القادر على اخماد هذه النار. لذلك، شجّع النظام السوري «داعش« واطلق مئات المتطرفين من سجونه. أراد في البداية استخدام هؤلاء في شنّ هجمات على القوات الأميركية في العراق واقناع واشنطن بأن النظام السوري لاعب اقليمي لا يمكن تجاهله.

لا مجال لأي تسويق للنظام، خصوصا عندما يبرر بشّار الأسد الإستعانة بـ«حزب الله« لقتال الشعب السوري بقوله أنّ المقاتلين الذين ينتمون إلى هذه الميليشيا، إنّما دخلوا الأراضي السورية بناء على طلب «الشرعية«. عن أي شرعية يتحدّث رئيس النظام عندما يستعين بميليشيات مذهبية عراقية ولبنانية وافغانية… من أجل متابعة الحرب على السوريين؟

انتهت صلاحية النظام السوري. لا مجال لتمديد هذه الصلاحية بغض النظر عن كلّ الجهود التي تبذلها موسكو وطهران، وعلى الرغم من كلّ الأسلحة المتوافرة للنظام، بما في ذلك البراميل المتفجرة التي تتساقط على السوريين الآمنين… وعلى الرغم من الموقف المتذبذب لإدارة باراك اوباما التي تراهن على تفتيت سوريا.

تستطيع الحرب الشاملة على «داعش« الإنتظار، في ما يبدو. ليس ما يشير إلى أن هناك في العالم، خصوصا في واشنطن، من يريد حقّا التخلص من «داعش«. السؤال هل مطلوب التخلص من سوريا أوّلا ثمّ تقسيم العراق عن طريق اطالة عمر «داعش«؟.

يبدو طرح مثل هذا السؤال مشروعا، لا لشيء سوى لأنّ «داعش« هي الأمل الوحيد لإطالة عمر النظام السوري. 

ليس ما يشير إلى رغبة حقيقية في انهاء المأساة السورية سريعا، مثلما أن هناك غيابا للرغبة في الإنتهاء من «داعش«. ولهذا، على اللبنانيين الرويّة وعدم الإنجرار إلى أيّ نوع من المغامرات الداخلية. 

المؤسف أن على السوريين دفع ثمن غال في الأشهر القليلة المقبلة، إلى أن يكتشف الأميركي ما ليس في حاجة إلى اكتشافه، أي ان التخلص من بشّار الأسد هو الطريق الأقصر للانتهاء من «داعش«.