IMLebanon

تصدير «الجحيم»

في موسم الخيانات

ـ ١ ـ

في مصر لا صوت يعلو فوق صوت «توحش» الدولار…

أخبار أسعار الدولار، تستولي على الاهتمام والمشاعر، بما في ذلك خبر اكتشاف محاولة اغتيال للرئيس السيسي في نواكشوط…

هذا الانشغال يحمل مؤشرات مرحلة «الرمال المتحركة» التي كانت أحد أسرار الرعب قبل كانون الثاني (يناير) 2011، لكنها الآن أصبحت «الواقع» ما يعني ذلك حرفيا.

الأزمة أكبر من الدولة لأول مرة، ولهذا أخبار السوق السوداء تنتشر في كل المواقع الرسمية، على اعتبار أنها «الواقع» بينما تصريحات المسؤولين «خيالية» بكل ما تتضمنه من «سلطوية قديمة» و «كفاءة غائبة» تشعل السعر ليتحول الدولار من «عملة» الى «سلعة» بمعناها المادي (لهاث الناس وراء الاحتفاظ والاكتناز باعتبارها عنوانا لمكاسب قادمة أو حفاظا على حياة تتسرب من بين الأيادي) والرمزي (هي سلعة استقرار الدولة والنظام السياسي.. ومؤشر تدهور الدولة الوطنية..).

ولن يخفي على أحد الشعور بأن «بحر الرمال» لم يعد رواية في الخيال، لكنه واقع يومي، يستيقظ فيه سكان مصر على سؤال واحد: «الدولار بكام النهارده»؟ ويخفت في المقابل كل الكلام المحشو بشعارات «وطنية» أو «بلاغة» لم تعد تحتملها الهموم التي تجعل الحياة في مصر مشكلة لقطاعات كانوا يعتبرونها من «الطبقات الطافية»، أما الطبقات الغاطسة… فسيتأكد «غرقها…الكامل..».

وهذه لم تعد رؤية «المتشائم» أو «المعادي لنظام السيسي»، لكنها أسئلة «حياة يومية» لم يعد دقيقا وصفها «بالأزمة»، خاصة بعدما أصبح مستحيلا عبور الأزمات بخطابات عاطفية أو شعارات «وطنية» تبيع «الخوف»… وبعدما استطالت حالة «الطورارئ» ولم تمنح المشروعات القومية وعودها.. ولم يبق من قدرات الدولة الاقتصادية إلا قدرتها على تدوير «الثروة» من نخبة الى نخبة… وحتى هذا التدوير لم يعد قادرا على الإيهام «بالحركة».

أي أن الوضع اليوم هو سكون في بحر الرمال…

ـ 2 ـ

وهذا لا يرتبط فقط بانعدام الكفاءة… لان النموذج التركي يقول العكس تماما..

فالدولة التي حققت نمواً اقتصادياً جعلها «موديل..» الدول ومحط أنظار الحالمين بالخروج من «الرمال المتحركة»، تدخل مرحلة أفولها الدموي… وربما تذهب الى بحر الرمال مصحوبة بصيحات أردوغان «تركيا تدخل الديموقراطية من أوسع الأبواب…».

أردوغان «سلطوي» من بقايا الحالمين بموقع «أمير المؤمنين» يقود شعبا غُسلت أدمغته لينتظر «عودة الخلافة» وهو اليوم يلتهم «النمو» الذي صنعه بكل ما في ذلك من تراجيديا تركية ينتظرها الحلفاء قبل الأعداء ويلخصها رئيس الوزراء الإيطالي بحديث الى نظراء أوربيين: «… يجب علينا الاستعداد لاستقبال لاجئين أتراك قريبا..»..

ويبدو أن انتظار اللاجئين هي علامة النهاية… ليس نهاية تلك البقعة ـ الشرق الأوسط المعقد ـ التي كانت «لعبة الأمم» وأصبحت الآن جحيم الأمم، حيث يتصارع السلطوي العسكري والإسلامي على صنع هذا الجحيم… وتصديره الى الخارج في صورة «انتحاري» و»لاجئ»، والفارق بينهما أن الإرهابي لا يريد الهرب… بل يتورط من أجل تصدير «المنظومة» السلطوية الى العالم كله في صورة «عالم متخيل» يعتبره خلاص العالم… بينما اللاجئ يبحث عن فرصة في الحياة، يهرب من المنظومة ليبني مكانا جديدا…

وكيف سيؤثر «تصدير» الجحيم على مستقبل العالم؟

ـ 3 ـ

في أميركا يتوقعون «نهاية الديموقراطية» مع اقتراب وصول ترامب للبيت الأبيض.

ترامب يبيع «الخوف» كما يفعل الطغاة العرب الذين التهموا شعوبهم وهم يرددون نظريات المؤامرة… وأحلام دخول القدس.

المؤامرة لم تنته ولم يصل أحد منهم، ولا من سلالتهم الى أبعد من الميكرفون الذي يحمل هتافاته وصرخاته.

ترامب يلعب على «ناخب» يدافع عن «حياته» أولا، ويشعر بالتهديد من انفلات العالم الذي تحوّل الى «شركة تنظيم رحلات اللاجئين…» من وجهة نظر الفرد الذي يعيش تحت منظومة دول ما بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا وأميركا أو ما عُرف بدول «الرفاهية..» التي لم يعد من الممكن بعد انفجار العالم القديم، أن تحافظ على رفاهيتها.

لهذا يستثمر ترامب في عجز «النخبة» القديمة بما تمثله هيلاري كلينتون وبإمعان، في الوصول الى إجابات أو التحفيز على أفكار… وهذا ما سيجعله غالبا لن يضيّع فرصته ويقطع المسافة القصيرة التي تسبقه بها «أول سيدة» للبيت الأبيض.

هنا يبدو ساذجا بما يكفي السؤال عن: هل سيهتم أحد بما يحدث في «خيمة» نواكشوط….؟

هل ما زالت الانقسامات بين الكتل العربية مصدراً للتسلية بعد وصولها الى القمة مع مونولوجات القذافي…؟

وهل أصبحت مصطلحات مثل «الممانعة» و «المقاومة» كافية لفهم المواقف بين بنية الدول ومعاركها الوجودية؟

ولماذا لم يلتفت الناس الى زيارة الجنرال والكاتب السعودي أنور عشقي لإسرائيل ووعده: «نلقاكم في الرياض..»؟

و… لماذا لم تعد الحروب مع اسرائيل كافية لتبرير «الاستبداد»؟

…هل هو أفول أو موت أنظمة وتنظيمات طحنت ناسها؟ أم «هو تخلٍّ…» عن القضايا والانفضاض عن صخبها وشعاراتها ودمويتها؟

أم انه تغير أكبر باتجاه «البحث عن موقع في الحياة» لا في «شعارات القضايا المصيرية»؟

… هو في كل الأحوال: سقوط السلطوية العربية المعاصرة.. يمينها ويسارها/ سلطتها ومعارضتها /قاتليها وضحاياها….

كلهم في «جحيم واحد» هناك من يصدّره للعالم وهناك من يهرب منه.. فاختر مكانك بدلا من انتظار «عودة» الماضي الذي على هواك…