IMLebanon

الوطني الحرّ تفهّم مقاربة جعجع الكهربائية

تكهنات كثيرة خرجت من أفواه غرقت في كلمات الدكتور سمير جعجع، تستجدي موادّ خلافيّة من تصريحه حول خصخصة الكهرباء لترميها في سوق التداول الإعلاميّ، فترمي وتروم من خلالها إلى زعزعة الهيكل المسيحيّ والعمل على تصديعه وإحداث العطب في بنيته وجلبه إلى غير وجهته في سبيل إعادة الأمور إلى مربعها الأوّل الشديد التبعثر والتفكك والمأخوذ إلى صدام وصراع دائمين.

أوساط مشتركة بين القوات والتيار توقفت أمام ما صدر من مزاعم وتكهنات، لتشير وفقًا لمعلومات تمحورت حول لقاء رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع في قصر بعبدا، بأنّه كان طيبًا للغاية والرئيس عون وكما أشار الدكتور جعجع في تصريحه كان مستمعًا جيّدًا وبصورة إيجابيّة حول ما طرحه بما خصّ تخصيص الكهرباء بصورة علميّة ومن دون أن يضيع حقّ الدولة في عملية الاستثمار، فتتأمّن الكهرباء للمواطنين بطريقة لا ترهق كاهلهم على الإطلاق. والنقاش بينهما بدوره كان راقيًا وعلميًّا ولم تشبه شائبة ولم تصبه نائبة، وما قدّمه جعجع من تصوّر حول هذه المسألة وبحسب تلك المصادر أخذه رئيس الجمهوريّة كملاحظة قيّمة في سبيل مناقشتها والولوج نحو الأفضل.

وتشير تلك الأوساط بأنّ جعجع كان واضحًا، فهو لم يربط نقده بحقبة خاصّة ومتصلة بلحظة سياسيّة لها وجهها ووجهتها، فهو قال بأنّ النقد موجّه إلى الحقبة التي أغرقت لبنان في تقنين مشدّد وظلمة فائقة من دون معرفة الأسباب الجوهريّة والتقنية الموجبة لذلك. وبغضّ النظر عن المرامي التي يبتغيها جعجع في جذب مقاربته إلى وجهة قد تخصّه وقد تخصّ اللبنانيين والدولة، فمن الواجب أن تعترف الدولة اللبنانيّة بفشلها في تفعيل هذا القطاع وتأمين الكهرباء للبنانيين 24/24 ساعة بلا توقّف ولا تقنين إلاّ بحالات استثنائيّة وطارئة وخارجة عن إرادتها تستوجب ذلك. وتشير بعض الأوساط إلى أنّ أصحاب المولّدات الكهربائيّة في كلّ تلك المرحلة بدوا الأشدّ فتكًا وهيمنة على الدولة وعلى المواطنين، فالحق والعدل يتطلّبان الاتجاه إلى أن تكون الدولة الإطار الناظم والضابط لهذه المسألة سواء كانت هي المستثمرة أو سواء تعاقدت مع شركات مستثمرة، حتى تتأمّن الكهرباء للناس بصورة دائمة.

وعلى هذا تشير أوساط أخرى بأنّه ليس من المفترض تقنياً وحياتيًّا، أن تكون هنالك مشكلة مع مضمون كلام جعجع من قبل التيار الوطنيّ الحرّ وهي غير موجودة ولا يمكن أن تكون موجودة على ألإطلاق، وبالتالي فإنّ كلامه غير موّجه بدوره إلى وزير الطاقة سيزار ابو خليل وإلى أسلافه في الوزارة، بل هو موجّه بوجه حالة يجب أن تجد لها حلاًّ فيما الحكومة متجهة لإقرار موازنتها والذهاب بها نحو المجلس النيابيّ بحسب أوساط مواكبة. المسألة التي أثارت الضجّة الصاخبة عند بعضهم من تصريحه ربطه مسألة إقرار الموازنة بإقرار مشروع إصلاحيّ لمسألة قطاع الكهرباء. هذا الربط بالذات أوجد ثغرة في الفهم المشترك بين الفريقين على الرغم من إقرار مصادر قريبة من التيار بوجود مشكلة بنيويّة وفائقة في هذا القطاع، وطرح جعجع بهذا المعنى ما يبرّره ربما. الطامة المستولية حديثًا على عقل بعض التياريين نتيجة الربط والتي حتمًا تحتاج لإيضاح من جانب القوات اللبنانيّة ظهور الربط عينًا، كشرط أساسيّ لإقرار الموازنة، وكأنّه مضبطة اتهام للتيار بفشله مع وزرائه في تأمين الكهرباء بصورة دائمة، وهذا اشتهاء مشترك عند الجميع ومن الجميع. وتذكّر المصادر القريبة من التيار بالمعاناة الطويلة التي كابدها بصورة أساسيّة الوزير جبران باسيل حين كان على رأس وزارة الطاقة، وكيف شنّت الحرب عليه حينما قرّر التوجّه نحو ما أحبّ  جعجع إظهاره من على باب القصر، فكانت الحرب أحيانًا تأخذ شكلا اجتماعيًّا مع ثورة المياومين وعصيانهم في تلك الحبة، وتأخذ شكلاً آخر من خلال عرقلة المساعي بسبب أنّ عددًا من الأفرقاء السياسيين شاؤوا تحويل الاستثمار المجرّد إلى استثمار محصحص، فتتحول الخصخصة عن طريق الاستثمار الملتبس بالجوهر إلى حصحصة (محاصصة) محصورة بمجموعة أفرقاء سياسيين أرادوا أن يتقاسموا المغانم في قطاع الكهرباء بالتساوي كأنّه قالب حلوى، واستكمال النأي بالدور المسيحيّ على وجه التحديد في إنهاض هذا القطاع ليكون جزءًا من استثمار نظيف ومجرّد سواء في قطاع الكهرباء أو سواء في قطاع النفط. وبالنسبة لتلك الأوساط لا يسوغ النقد بهذه الطريقة بلا فحص أسباب المعاناة الموجعة والمؤدية حتمًا إلى العرقلة وليس إلى التقصير المطلق، والجميع بمن فيهم  جعجع على علم بتداعياتها وما أفرزته من ضرر مهلك على المستويات كافّة أدّى إلى مجموعة خسائر متراكمة.

وعلى الرغم من ذلك فإنّ أوساط التيار الوطنيّ الحرّ وأوساط القوات اللبنانيّة اعتبرت بأن لا مشكلة جوهريّة بين الفريقين، وهما على تحالف أوسع فيما خصّ الرؤية إلى المكوّن المسيحيّ ودوره في المراحل المقبلة، والتفاعل مع المكوّنات الأخرى، وإن اختلفا عموديًّا حول سلاح حزب الله والواقع السوريّ بالآفاق الاستراتيجيّة. فالحوار حول هذه المسائل والمقاربات العقلانيّة ومعادلات القوى في المنطقة مستمر ومفتوح ولم يتوقّف البتّة سواءً على مستوى المسؤولين أو على المستوى القياديّ، وقد يفتح الطريق نحو قراءة مشتركة والوصول ربما إلى فهم مشترك بآفاق استراتيجيّة متقاربة، وإسقاط كلّ ذلك في الخيارات المسيحيّة المتاحة والمنفتحة على مدى المستقبل. وتكشف تلك الأوساط بأنّ رئيس الجمهوريّة العماد عون عاكف على فتح أقنية الحوار، في مستقبل آت، بين القوات اللبنانيّة وحزب الله، فيكون هذا أوان الرضى اللبنانيّ. وبحسب أوساط الفريقين أيضًا، فإنّ القوات تفهّمت وبصدق الأطروحة الانتخابيّة التي تقدّم بها التيار الوطنيّ الحرّ ورئيسه جبران باسيل، وهي تاليًا، غير بعيدة عن جوهرها بالمطلق، وإن لا تزال متمسكة بأطروحتها إلى جانب تيار المستقبل والحزب التقدميّ الاشتراكيّ، غير أنّها بطبيعتها المسيحيّة، يهمّ القوّات تكوين قانون يؤمّن المناصفة الفعليّة بين المسيحيين والمسلمين على القاعدة الميثاقيّة، وهي القاعدة الأسلم التي تحيي لبنان بحسب القوات اللبنانيّة وتمنح المنعة للبنانيين في بعث دولة قادرة وعادلة.

ولفتت الاوساط ذاتها بأنّ التجارب التي عاشها لبنان خلال الحرب قادت وتقود إلى تلك النتيجة.

وتشير أوساط القوات على وجه التحديد بأنّ نقاش الدكتور جعجع حول تخصيص قطاع الكهرباء لا علاقة له إطلاقًا بأية خلفية سياسيّة متدحرجة يميل بعضهم، خلسة وعلانيّة، إلى البوح عنها أو الإيحاء بها وقذفها ككرة نار حارقة، أو تحويلها إلى رمال متحركة جارفة. النقاش تقنيّ وعلميّ انطلق بصورة عقلانيّة ومجرّدة، ولقد قام فريق من المتخصصين في هذا الحقل ومن الاقتصاديين في القوات بدراسة هذه المسألة وإيفائها الحق الكامل وإشباعها بالقراءة والتمحيص حتى بنى الدكتور جعجع كلامه على ذلك، والنقاش مستمر. كما شدّدت أوساط التيار الوطنيّ الحرّ على تقنيّة المسألة فمن غير الممكن أن يخدش التحالف واللقاء بين الفريقين وهذا عهد ووعد وهو ليس ناتجًا من عقد ورقيّ بل من عقد حجريّ تقف عليه العمارة الجديدة.

والقوات اللبنانيّة وبحسب أوساطها ستضع ثقلها للتعاون مع الحكومة ومع وزارة الطاقة للخلوص إلى حلّ عادل لهذه المسألة، وستتقدّم إلى الحكومة بدراسة مستوفية الشروط لمناقشتها بدءًا مع التيار الوطنيّ الحرّ بمنطق الشراكة وبمنطق الوعي المشترك بيننا، ولتناقشها أيضًا في الحكومة حتى ينعم الشعب اللبنانيّ بكهربائه 24/24 ساعة، فاللبنانيّ غير مضطرّ ليدفع فاتورتين واحدة للدولة وأخرى لصاحب المولّد فهذا كفر بكلّ ما للكلمة من معنى، والقوات لن توافق على إقرار الموازنة قبل إقرار هذا الإصلاح وهو بالتالي لمصلحة التيار الوطنيّ الحرّ واللبنانيين جميعًا.

وبالعودة إلى المسألة الانتخابيّة التيار والقوات متفقان على دفن قانون الستين. البحث في هذه المسألة انتهى، وتعتقد أوساط القوات بأنها انتهت حتى في ذهن وليد جنبلاط وبطلت لأنه أدرك في العمق رفض المسيحيين لها ورفض معظم اللبنانيين أيضًا. الرؤية العقلانيّة تفترض بضرورة الوصول إلى وسط الطريق مع الجميع، ولذلك فالقوات متمسكة بالقانون المختلط كسبيل موضوعيّ بالجمع بين الأكثريّ والنسبيّ، ومشروع التيار قابل للدرس والقبول وهو معقول.

بالنسبة للتيّار الوطنيّ الحرّ فإنه يفترق عن القوات في تلك المسألة، لقد رفضت معظم الأطروحات التي ساهمت بتأمين المناصفة فيما الآخرون قاموا برفضها ومنع النقاش الموضوعيّ حولها بل قاموا برشق مضمونها بالحجارة معتبرين بأنّه تقسيميّ كمشروع اللقاء الأرثوذكسيّ، وتعتقد أوساط التيار بأنّه إذا لم يقبل بأطروحتها وهي عالمة بأنّها مرفوضة عند كثيرين، وكان للرئيس حسين الحسيني إضاءة نقديّة عليها فهي ستعود ومن دون شكّ إلى مشروعها الأساسيّ، وهو مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ، والخيار موضوع للجميع بحال رفض القانون المختلط مع التأهيل بين مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ أو مشروع نجيب ميقاني ولن يكون ثمّة ثالث لهما.

تلك عناوين وإن كانت خلافية ببعضها من حيث تقنيّتها بين التيار والقوات إلاّ أن الحوار مستمرّ ولا بدّ من الوصول إلى قاعدة مشتركة فالهاجس الجامع للفريقين تقوية الدور المسيحيّ في لبنان وتعزيزه وتأمين المناصفة الفعليّة مع النسبية بتزاوج موضوعيّ ومرن يكسب لبنان مناعة صلبة بوجه تبدلات القوى في المنطقة. وتطمئن أوساط الفريقين بأنّ العلاقة قويّة ومتينة بينهما وليس مكهربة بل هادئة وطيبة والحوار مستمرّ إلى ما لا نهاية.