IMLebanon

جنرالا عون في كسروان يتقدّمان: فليتراجع النواب السابقون

كان أحداً مشمساً أول من أمس، فكان مشهد جونية واضحاً في معراب، ويفترض أن رئيس حزب القوات سمير جعجع، عرف أن ما ينتظره في كسروان ليس سهلاً أبداً. فمن ذوقَيها إلى عاصمتها وصعوداً أطفأ خصمه هاتفه وهجم مطمئناً إلى وجود شريك قويّ يحمي ظهره. شامل روكز وجوان حبيش سحقا المشروع الجعجعيّ في مهده وسيحصّنان مكسبهما للمواجهات المقبلة

لا يحتاج رئيس تكتل التغيير والإصلاح عكازات: لا يكاد يفوت الجنرال مناسبة إلا ويستغلها ليثبت أنه لا يزال بكامل قوته الشعبية، لا بل يزداد الالتفاف الشعبيّ حوله بحكم إفلاس المشاريع السياسية الأخرى.

يمكن عون أن يحول العصي إلى نواب ووزراء، ويمكنه دائماً أخذ مركبه في أي اتجاه يريده أياً كان وضع الرياح. ميشال عون ظاهرة استثنائية، لكن إحدى أبرز مشاكلها في السنوات العشر الماضية أن بعض الملتحقين بها والمعشّشين في الرابية لا يعرفون قيمتها وطبيعة جمهورها وقدراتها ولا يؤمنون أساساً بها أو يعرفون ماهيتها. وكأنهم لا يثقون بأن الجنرال قادر على السير وحده؛ يقنعونه بالتعكيز مرة على النائب ميشال المر ومرة على مغترب يطمح بوزارة أو نيابة. ولا يكاد يُرسل مفاوضاً من جهته ليفاوض باسمه حتى يراه على الشاشات متحدثاً باسم من أرسله ليفاوضه. باستثناء الوزير جبران باسيل، كل من أرسلهم عند الرئيس نبيه بري والحزب القومي والنائب ميشال المر والوزير ميشال فرعون والقوات وغيرهم لمفاوضتهم صاروا أمليين أو قوميين أو مرّ أو فراعنة أو قوات أولاً وعونيين ثانياً. وحتى في جونية كانت ثمة أصوات كثيرة تطالب الجنرال بعدم خوض معركة ما دام يمكنه التعكيز أكثر على آل افرام أو النائب السابق منصور البون. نظرية هؤلاء تقوم على الاستفسار أولاً عن عدد الأصوات التي يحتاجها رئيس «التغيير والإصلاح» للحفاظ على مقاعد زعامته الخمسة في القضاء، قبل أن يقترحوا حلاً سحرياً يقضي بتفاهم الجنرال مع النائب السابق فريد هيكل الخازن أو نعمة افرام أو النائب السابق منصور البون ليضمن الفوز ويريح نفسه من وجع الرأس الانتخابي. فهم أساساً لا يحبون وجع الرأس ولا يحبون الانتخابات؛ ماذا يريد سعد الحريري أو وليد جنبلاط أو سمير جعجع أو ميشال فرعون أو ميشال المر أو فريد هيكل الخازن أو زياد حواط أو بطرس حرب؟ نعطيه ما يريده ويعطينا قطعة من قالب الحلوى ونهنأ باستقرار سياسيّ لا يعكره وجع رأس هنا أو هناك.

في المشهد العونيّ الكسروانيّ تسجل ثلاث ملاحظات:

أولها وأخطرها إصابة عدد كبير من المسؤولين في التيار الوطني الحر بحمّى المهادنة والخنوع والمجاهرة بوجوب مشاركة أصحاب المولدات الكهربائية والدش والإنترنت والتنفيعات البلدية المختلفة في أرباحهم غير المشروعة بدل أن يواصلوا الربح وحدهم، على حساب الإصلاح والتغيير طبعاً. فميل الوزراء والنواب وأصحاب الياقات للتسويات مفهوم. أما ميل المسؤولين للصفقات الانتخابية بدل المواجهات فغريب وخطير. وقد بذل هؤلاء في كسروان ــ بعد الأشرفية ــ جهداً للقفز فوق النظام الداخليّ لحزب التيار وفرض رأيهم على هيئات القرى وتخوين من لا يشاركهم مبدأ الانصياع للأمر الواقع؛ إلا أن صناديق الاقتراع في ذوق مكايل والبوار أثبتت أن الرأي العام العوني يفضل «الإصلاح والتغيير» على «المشاركة والتطبيع». وبدا من نتائج جعيتا وجديدة غزير أن الرأي العام لا يخذل العونيين حين يقررون المواجهة بجدية. وفي ذوق مكايل كان العونيون واقعين بين دعم مجموعة لرئيس المجلس البلدي العوني السابق رغم الشائعات الكثيرة المشككة بنزاهته ومجموعة تؤيد التغيير، فصبت أصوات الأكثرية الشعبية ــ خلافاً للمتوقع ــ مع التغيير. علماً أن مهندس اللوائح في غالبية البلدات رولان خوري عرف أين يرفع سقف مطالبه وأين يحقق أفضل مكسب ممكن، فخرج من عشقوت والعقيبة بأكثرية الأعضاء ونائب رئيس مجلس بلدي رغم أن ظروف المعركة بحكم التوازنات العائلية لم تكن لمصلحته. علماً أن خوري دخل في تنافس علنيّ مع النائب السابق منصور البون في غالبية القرى على خلفية الفوز برئاسة اتحاد بلديات كسروان. ورغم خبرة البون الكبيرة وعلاقاته في غالبية القرى، تمكن خوري من سحق البون في ما خص حسابات الاتحاد.

ثانيها عدم امتلاك العونيين ماكينة انتخابية. وهو أمر لا يمكن التهاون معه أكثر. لا يمكن الاستمرار بعدم تفريغ مسؤول للبلديات تكون وظيفته الوحيدة في هذه الحياة متابعة ملف البلديات لا البحث عمّا يمكنه فعله في هذا الملف في أوقات فراغه فقط. ولا يمكن الاستمرار بالبحث عند الساعة الواحدة ظهراً في يوم الانتخاب عن أرقام تلفونات نصف الناخبين العونيين لسؤالهم أين هم ومتى ينوون الاقتراع؛ أقل ما كان يفترض بالتيار فعله خلال عشر سنوات هو تجهيز هذه المعلومات وتعلم البدء بالعمل قبل شهرين أو أكثر لا يوم الانتخاب. وقد حصلت فضائح حقيقية على هذا الصعيد في جونية أول من أمس حين اضطر الجنرال إلى حثّ الناخبين العونيين – لا أحد آخر – ثلاث مرات على التوجه إلى صناديق الاقتراع لأن الماكينة العونية قررت عدم تعذيب نفسها سواء بتحضير مركز اتصالات أو تفريغ مندوبين تكون مهمتهم التواصل مع بعض الناخبين والتأكد من اقتراعهم جميعاً خلال ساعات الصباح الأولى مع ما يتطلبه ذلك من توفير مواصلات وغيره. وقد فوجئ جميع الإعلاميين الذين قصدوا ماكينة «الكرامة» بتأخر استثنائي في وصول النتائج التي سربت إلى رئيس اللائحة جوان حبيش في النهاية من مصادر لا علاقة لها بمندوبي اللائحة المفترضين. واللافت أن حقائب النتائج كانت تصل أولاً إلى رجل سبعيني يحدد متوسط الأصوات لكل لائحة في هذا القلم ويسجلهم على ورقة أمامه، ويجري «الحسبة» كل ساعة تقريباً على آلة حاسبة قديمة يضعها أمامه. ثم تختفي الحقيبة والنتائج، في انتظار المحاضر الموقعة النهائية. علماً أن كل الماكينات تجري فرزاً أولاً لا يكون دقيقاً مئة بالمئة في انتظار نتائج المحاضر الموقعة التي تصدر عن وزارة الداخلية. في وقت أجرت فيه الماكينة العونية في الحدت فرزاً إلكترونياً أول من نوعه في لبنان، وما لا يمكن فهمه بالتالي هو سبب غياب الماكينة المركزية القادرة على التنقل بين المناطق والعمل بمرونة مع ناشطين متدربين، كحال ماكينة القوات التي تشرف على الفرز في كل المدن الرئيسية وماكينة الكتائب الصغيرة وطبعاً ماكينة حزب الله.

ثالثاً غياب النواب العونيين. فلا شك أن مشهد الإعلام وغير الإعلام يلهج بالحديث عن نفوذ النواب السابقين وخدمات النواب السابقين ومال النواب السابقين، فيما لا أحد يأتي على ذكر النواب الحاليين أو يتذكر أسماءهم أقله أمر في غاية الغرابة لا يحتمل المزايدة العونية في الدفاع عن النفس. فحين يضطر العماد ميشال عون إلى أن يذهب إلى جونية فيما لا يجد فريد الخازن وجيلبرت زوين ويوسف الخليل ونعمة الله أبي نصر أنفسهم مضطرين إلى ذلك؛ هذا يعني أن ثمة مشكلة. وحين لا يسأل أحد نفسه أو غيره عما حصل في قرى هؤلاء يعني أن المشكلة كبيرة. الخازن والبون يقفان ثماني ساعات أو أكثر تحت الشمس أمام مراكز الاقتراع للتأثير ببضعة ناخبين، فيما لا يكبد هؤلاء أنفسهم عناء الذهاب إلى مراكز الاقتراع للاقتراع أقله. لا حضور خدماتياً ولا حضور سياسياً ولا حضور معنوياً أقله. أقله اتصال أو اتصالان؛ أقله وقوف مع شباب الماكينة ساعة أو ساعتين يومياً؛ أقله حضور أمام مراكز الاقتراع للتأثير بمن يتأثرون بترحيب سعادته بهم حتى ولو كان اسم سعادته جيلبرت زوين أو يوسف خليل.

جونية قالت إنها مع العماد ميشال عون وهو لا يحتاج أية عكازات، سواء قواتية أو غيرها. لكنها قالت أيضاً إن الأوضاع ليست بألف خير ونداءات الجنرال لا تكفي وحدها؛ لا بد من ماكينة جدية تتواصل باحترام مع الناخبين. إلا أن الأهم من هذا كله هو التداعيات الكسروانية لما حصل: الضربة العونية لاستعلاء نعمة افرام واعتقاده أنه يحكم جونية بأمره توازي بأهميتها ورمزيتها إسقاط العونيين خلال السنوات العشر الماضية فارس سعيد في جبيل والرئيس أمين الجميّل في المتن ونواب كسروان السابقين والنائب السابق سمير عازار في جزين. وإسقاط افرام إنما هو إسقاط فزاعة كانت القوات اللبنانية وتيار المستقبل وغيرهما يعدانها منذ عام 2010 لإشهارها بوجه عون، في ظل تقديم رئيس جمعية الصناعيين السابق نفسه للكسروانيين كمرشح إلى رئاسة الجمهورية تمثل النيابة والوزارة محطات ثانوية في مسيرته، فيما بدا عاجزاً عن الفوز ببلدية. في ظل جزم الأوساط العارفة بافرام أنه كان أميل إلى التفاهم وتجنب ما يمكنه أن تفضحه الانتخابات، إلا أن القوات اللبنانية دفعته إلى المضي قدماً في دعم اللائحة: إما يهزم عون فيفيدها أو يسقط فتحصد جماعته وتكمل طريقها كما فعلت مع الكتلة الوطنية وفارس سعيد وميشال معوض وغيرهم. وفي السياسة أيضاً هو ربح لعون وخسارة كبيرة للنائب سليمان فرنجية الذي تعول زعامته في جبل لبنان على نائب سابق يبذل جهداً كبيراً للفوز بالمجلس البلديّ في قريته، فيما يعجز عن الفوز بعضو في مجلس بلدية مركز القضاء. لكن الخازن والبون نادراً ما يتأثران بالهزائم فيكملان في اليوم التالي كأن شيئاً لم يحصل لأن السياسة جزء من يومياتهم لا محطات واستحقاقات. وتشير معلومات أمس إلى انفجار وشيك بين العديلين افرام والخازن بعد تبادلهما الاتهامات بشأن نتائج أول من أمس، عمدت زوجتاهما إلى تهدئته أمس. في ظل استصعاب افرام والخازن اكتشاف إذا كان البون قد جيّر بطريقة ما أصواتاً إلى لائحة الكرامة. أما شريكا عون الرئيسيان بهذا الربح فهما العميد شامل روكز ورئيس بلدية جونية الجديد جوان حبيش. كان الأول يخوض أول امتحان انتخابيّ له، وهو سمع وجهات نظر كثيرة قبل أن يقرر قبل أسبوع من الانتخابات إغلاق كل هواتفه لخوضها بذهنية المقاتل لا التاجر، وهو صادف في تجربته الانتخابية الأولى مع البون تحديداً كل ما يمكن أن ينتجه الدهاء الانتخابيّ وخرج منتصراً، لا على البون أو افرام أو الخازن وفرنجية من خلفه، إنما على سمير جعجع. أما الثاني فكان يثبت للجنرال باللحم الحيّ أن هناك شركاء حقيقيين، يحبونه ويشبهونه وينسجمون في العمل معه، يتمتعون بكل الحيثية اللازمة والقدرات ليحافظ على مكانته دون منّة حريرية أو قواتيّة أو غيره. وحبيش ليس الأول، يسبقه رئيس بلدية البترون مرسلينو الحرك ورئيس بلدية الحدت جورج عون، وكان يفترض أن يلحق بهم كثيرون في المتن وجبيل وبعبدا لو أعطوا فرصة. ولا شك أن استناد عون في كسروان إلى جنرال عسكري وآخر مدني لديه النية لمزاحمة النواب السابقين بالخدمات وغيرها سيحول دون إعادة عقارب الساعة الكسروانية إلى الوراء: ما عادت جيلبرت زوين ويوسف خليل وفريد الخازن ونعمة الله أبي نصر ينوبون عن عون في كسروان بوجه خصومه، تراجع هؤلاء إلى خلف روكز وحبيش اللذين يتطلب كسرهما أكثر بكثير من حقائب المغترب الأفريقيّ وضحك فاعلي الخير على الذقون.