IMLebanon

خطة حكوميّة لإدارة أزمة النزوح وليس «التوطين»

فادي عيد

يرتدي التركيز الرسمي اللبناني على «قنبلة» النازحين السوريين في لبنان، أكثر من طابع ليس أقلّه دقّ جرس الإنذار أمام المجتمع الدولي بعد المجتمع العربي، إزاء معاناة المجتمع اللبناني من العبء الضخم الذي بات يمثّله نزوح أكثر من مليون شخص من سوريا إلى أراضيه. وبحسب أوساط سياسية قريبة من رئيس الحكومة سعد الحريري، فإن الحكومة أعدّت خطة عمل منذ انطلاقتها، بدأت عبر تخصيص وزارة لشؤون النازحين وصولاً إلى الإحاطة بكل تفاصيل هذا الملف، وذلك بعدما بات جليّاً أن الحلول السياسية، وإن كانت تسرّع في حق عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، فإن الأمر الواقع من حيث الدمار في سوريا لا يسمح بحصول هذه العودة في المدى المنظور، وبصرف النظر عن كل الإعتبارات السياسية المرتبطة بالعلاقات ما بين الحكومة والنظام السوري.

وقالت هذه الأوساط، أن صرخة الحريري التحذيرية لها دلالات محلية وإقليمية ودولية في آن، إذ أن احتياجات لبنان من مؤتمر الدول المانحة بما خصّ البنى التحتية، قد سبق وعرضت أمام الدول العربية في قمة عمان الأخيرة، كما أن واقع النزوح من حيث التداعيات المباشرة على كافة القطاعات اللبنانية، قد بات معلوماً للجميع، وبالتالي، فإن مطالبة الدول المانحة بالتجاوب مع احتياجات لبنان بعيدة كل البعد عن التوجّه الدولي الذي برز في الأشهر الماضية لجهة «دمج» النازح السوري في الدولة التي تستضيفه.

وكشفت الأوساط القريبة من رئيس الحكومة، أن الخطة الحكومية تستند إلى وثائق وإحصاءات أعدّتها الهيئات المختصة بالنازحين، وهي تحدّد العدد الفعلي للسوريين في لبنان، والذي وصل إلى مليون نازح مسجّل ومليون غير مسجّلين. وأضافت أن التعاطي من قبل الحكومات السابقة مع ملف النزوح، كان يجري بطريقة مختلفة عن اليوم، ولم يكن منظّماً بسبب الخلافات السياسية التي كانت تتحكّم بهذا الملف، وتحول دون تنظيم شؤون النازحين الذين توزّعوا في كل المناطق اللبنانية وفي مخيّمات عشوائية. وأكدت أن المكوّنات السياسية للحكومة الحالية قد اتفقت عبر اللجنة الوزارية التي تعنى بملف النازحين، على اعتماد سياسة موحّدة تجاههم بعد العمل على إزالة كافة الإلتباسات السابقة، وخصوصاً المتصلة بالواقع السياسي والعلاقات الرسمية ما بين بيروت ودمشق، والتي لا يجب أن تؤثّر على المعالجات الرسمية للملف، طالما أن تداعيات النزوح تطال لبنان وليس سوريا.

وبغض النظر عن الوقت الذي تستغرقه التسوية للأزمة السورية، وبالتالي الفترة الزمنية التي ستتحقّق فيها عودة النازحين إلى وطنهم، فقد اعتبرت الأوساط نفسها، أن الحكومة تسعى إلى إدارة أزمة النزوح، وذلك وفق تصوّر خاص يركّز على تحمّل الأعباء في المرحلة الإنتقالية، ريثما تبدأ عمليات إعادة البناء والإعمار في سوريا، كي تصبح القرى والبلدات مؤهّلة لاستقبال أهاليها النازحين منها. وكشفت أن هذه الإدارة للأزمة ضرورية، وهي تصبّ في سياق السياسات الدولية المعتمدة تجاه النازحين السوريين في لبنان والأردن وتركيا، حيث أن المجتمع الدولي بدأ يطرح على هذه الدول المضيفة معالجة تداعيات النزوح السوري «السلبية»، وبشكل خاص لبنان بعدما بات عدد النازحين يقارب نصف عدد اللبنانيين. وشدّدت الاوساط على أن المعالجة لا تعني بأي شكل من الأشكال الدخول في تفاصيل ما يسمى بالتوطين المقنّع، بل على العكس، فهي تذهب إلى مقاربة المشاكل الناتجة عن حالة الإستقرار الإجتماعي أولاً، والمشاكل التنموية ثانياً، مع العلم أن التداعيات الإقتصادية سلبية مئة في المئة بعدما تراجع معدّل النمو في لبنان من 8% إلى 10% أو 20 بسبب النزوح.

وإذ قالت الأوساط أن ما من بقعة في لبنان تخلو اليوم من النازحين السوريين، شدّدت على أن الحلول المطروحة لمواكبة هذا الإنتشار تتّصل بكل جوانب حياتهم اليومية بدءاً من السكن وصولاً إلى التربية مروراً بالطبابة. وأوضحت أن الحكومة تعمل على تطبيق القوانين اللبنانية في ما يتعلّق بعمالة السوريين النازحين أو غير النازحين، مشيرة إلى أن الحلول المطروحة تتعلّق بإعمار البنى التحتية اللبنانية، وهي تمثّل حلاً إيجابياً للبنانيين بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى المساعدات العينية والتربوية للنازحين بشكل خاص. ولفتت إلى أن دخول النازحين إلى سوق العمل اللبناني غير مطروح إلا في الحالات القانونية، أي في المجالات التي يسمح بها القانون كالبناء والزراعة والتنظيفات، ويذكر في هذا المجال، أنه في منتصف التسعينات سجّلت الإحصاءات عمل 900 ألف سوري في عملية إعادة إعمار لبنان.