IMLebanon

تحية لعروبة سليمان فرنجية..

هي مفارقة لافتة أن يستطيع لبنان، وسط مناخات الصراع الدموي الذي يحكم التطورات السياسية في المنطقة، بأفضال العصابات الدولية للإرهاب باسم الإسلام، وتداعياتها المنطقية، «النأي» بنفسه عنها، منهمكاً في شؤونه الداخلية وأخطرها مسألة الرئاسة الأولى فيه.

وهذه المسألة «دولية» بالدرجة الأولى، «عربية» بالدرجة الثانية، و «محلية» بالدرجة الثالثة… أو هذا ما درجت عليه العادة، بأفضال الطبقة السياسية التي لكل «فصيل» منها «مرجعيته» خارج الحدود: بعضها قريب حتى لنشعر بأنفاسه على وجوهنا، والبعض الآخر بعيد يَرى ولا يُرى، والبعض الثالث بعيد جداً ولكن الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة منذ إنشاء «الكيان» لا ترى غيرَه مرجعاً، ولا تسمع لغيره نصيحة، ولا تنفذ إلا ما يقوله فله الأمر من قبل ومن بعد..

يزيد من خطورة هذه المفارقة أن دول العالم كله، تقريباً، قد «سمحت» بتمرير هذه المعركة التي كانت، إلى ما قبل أيام، تتبدى شديدة التعقيد، خصوصاً مع الانتباه إلى الأجواء الحربية السائدة في الجوار، بل المحيط العربي جميعاً، ومن سوريا حتى اليمن مروراً بالعراق.. وهي تطورات في غاية الخطورة، خصوصاً وأنها تهدد كيانات الدول، فضلاً عن شعوبها. فمعلن هو الاستنفار التركي واستعادة صفحات سوداء من تاريخ السلطنة العثمانية، للمطالبة بالعاصمة العراقية الثانية، الموصل، عبر الادعاء أنها كانت ضمن «أملاك» تلك السلطنة… أما في سوريا، فإن القوات المسلحة التركية قد اجتاحت بعض مناطق الشمال، تارة بذريعة طرد قوات كردية تقدمت فيها حتى منبج، وطوراً بالتذرع بأن الأوضاع المضطربة في حلب ومنطقتها تنذر بمخاطر على الأمن التركي… وإن كانت الأطماع التركية في العاصمة السورية الثانية ومحيطها معروفة وتكاد تكون علنية.

لقد تجلبب الرئيس التركي برداء السلطان العثماني، والتفت يطالب بتركته، بعد مئة عام على سقوط السلطنة، على أيدي الحلف البريطاني ـ الفرنسي في الحرب العالمية الثانية…

الطريف أن «السلطان» الذي يقاتل الأكراد في تركيا موقعاً فيهم المجزرة بعد الأخرى، يحالف أكراد البرزاني في العراق بينما هو منخرط في قتال الأكراد في سوريا بعنف غير مسبوق..

& & &

نعود إلى معركة الرئاسة في لبنان التي شهدت في الأيام القليلة الماضية تطورات دراماتيكية أفضت إلى «انقلاب» في بعض المواقف، كان من نتائجها انحصار المواجهة بين مرشحين كانا، حتى الأمس القريب، حليفين في معسكر واحد،

هما: العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية.

أبرز تطورات هذه المعركة تجلت عبر مقابلة استثنائية في سياقها وفي مضمونها أجراها الزميل مارسيل غانم مع سليمان فرنجية، المرشح المنافس من موقع التحدي، الآن، للعماد ميشال عون.

ويمكن القول إننا لم نتعود من أهل السياسة في لبنان مثل الشجاعة التي أبداها سليمان فرنجية في تحديد مواقفه القاطعة، ليس من «منافسه»، فهذا تفصيل قياساً إلى جوهر حديثه حول مبادئه السياسية.

فاللبنانيون يعرفون عن سليمان فرنجية صلابة الموقف وإخلاصه في صداقاته، وصدقه في عواطفه، سلباً وإيجاباً، والتزاماً بما يؤمن به، بغض النظر عما يقوله الآخرون.

على أن اللبنانيين لم يشهدوا مثل هذه المواجهة المحتدمة بين حليفين طالما تلاقيا، أقله منذ عشر سنوات تقريباً، على مطالب وأهداف مشتركة، ثم بدلت «التحالفات الرئاسية» الطارئة مواقعهما ومواقفهما فتحولا من متنافسَين إلى «خصمَين»… مع الود!

ما يعنينا من هذه المواجهة يتجاوز المنافسة في معركة الرئاسة إلى التحديد القاطع للمواقف المبدئية كما جهر بها سليمان فرنجية، وأخطرها إيمانه بالعروبة، وقد كررها ثلاثا: نحن عرب، نحن عرب، نحن عرب… هذا في لحظة يكاد فيها معظم القادة العرب يخرجون عن عروبتهم وعليها، والكثير من المفكرين والكتّاب العرب يعتبرون العروبة «سُبة»… أما الأحزاب التي كانت ترفع راية العروبة فإنها إما قد اندثرت أو انها تزيت بالزي الماركسي أو انها عادت إلى أحضان النظام العربي طائعة، مختارة… ولو عبر أقبية التعذيب.

ليست الشجاعة طارئة أو مستجدة في سلوك سليمان فرنجية… ولكن التمسك بالعروبة في عصر سيادة الإقليمية والكيانية والطائفية والمذهبية، يستحق منا التحية لهذا الماروني الزغرتاوي الذي يعرف يقيناً أن «العروبة» في هذه اللحظة، ومع سيادة المناخات المذهبية والطائفية، تضر بصاحبها ولا تنفعه، وإن هي أكدت صلابة إيمانه.

لهذا، يفرض الواجب تحية «المقاتل» الذي لم ينسَ توجيه التحية إلى قائد المقاومة السيد حسن نصرالله، وهو يجاهر بمواقفه التي نعرفها، لكن التأكيد عليها ـ في هذه اللحظة ـ يستحق التنويه.