IMLebanon

هل قلتم مكافحة إرهاب؟ ماذا عن السجل والمعهد والقائمة؟

ليس في لبنان أي جسم بحثي دراسي جدّي متخصّص بمسائل الإرهاب ومكافحة الإرهاب. ليس للبنان ما لدول عديدة أخرى، كبيرة وصغيرة، من لوائح رسمية محددة للتنظيمات الإرهابية التي تصنّفها الدولة، والدولة وحدها، على أنّها كذلك. ففي المرحلة التي بدأت فيها تستحدث هذه الأشياء، معاهد لدراسة الظاهرة الإرهابية والمقارنة بين تفريعاتها المتشعّبة، وأجيالها المتعاقبة، وفذلكاتها المختلفة في تبجيل العنف الدموي وتقديسه، وتسويغ التترس بالأبرياء وسفك دمائهم، كان لبنان مستتبعاً لنظام حافظ الأسد، نظام المقاولة في الإرهاب، إستيراد وتصدير، تسلّم وتسليم، المجموعات الإرهابية، وكان يطيب للطاغية أن يتقلّد الفيلسوف الإغريقي ديوجينوس الذي كان يجول موقداً مصباحه، ولو في ضوء الشمس، باحثاً عن «الإنسان». ومثله كان حافظ الأسد موقداً مصباحه، في ضوء الشمس، باحثاً، ليس عن الإنسان، الضائع في أقبية تعذيبه، وإنّما عن «تعريف دوليّ» مفقود لماهية الإرهاب، فكيف له أن يتوقف عن مهنة إستيراد وتصدير الجماعات الإرهابية طالما هو لم يهتدِ بعد إلى معيار للتمييز بين جماعة تنافح عن الحق، وأخرى تستميت من أجل الباطل. هل التمييز بالنيّة أو بالفعل؟ بالفعل نفسه أو بنتيجة هذا الفعل؟ بنتيجة هذا الفعل المباشرة أو غير المباشرة؟ لم يكن يدري حافظ الأسد، لكنه كان ينتظر من فلاسفة العالم الآخرين أن يتوصلوا إلى «سرّ اليقين» هذا، كيف يتسنّى له العمل بمقضتاه.

وقد خرجنا من ظلمات الحرب الأهلية إلى أنوار الوصاية السورية. طيلة التسعينيات لم يكن من المستحب أبداً في لبنان أن يستخدم أحد كلمة «إرهاب»، لأي سبب كان. بدت الكلمة مشبوهة في ذاتها، وشخصية خالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس المصري محمد أنور السادات كانت تحاط بهالة من البطولة، إن في طهران التي سمّت شارعاً بإسمه، أو على لسان زعيم «حزب الله» في منتصف التسعينيات، الذي دعا إلى خروج خالد إسلامبولي جديد لقتل ياسر عرفات. وكان الوقت لمدّ «فيلق القدس» الإيرانيّ المتمرّدين من «الجماعة الإسلامية المسلّحة» في جبال الجزائر بالأسلحة والأعتدة. كان الوقت لذهاب الخمينيين المحليين للقتال في زنيتشا وسط «البوسنة». كان الوقت لتفجيرات بيونس أيرس وأبراج الخبر. كان الوقت للقتال «جنباً إلى جنب» مع إرهاصات «تنظيم القاعدة».

في نفس الوقت، كان العرب والإيرانيّون يدركون، كل من موقعه، سذاجة حساباتهم السابقة في أفغانستان. فمن جهة، «الأفغان العرب» المتحمسون لنقل التجربة الجهادية التي صنعوها في أفغانستان إلى بلادهم، ومن جهة ثانية، الجهادية التي لم يغذّها أحد مثلما غّذتها ثورة الخميني، لكن المرتدة سلباً ضدّ الأقلية الشيعية الأفغانية «الهزارة» التي ذاقت الأمرّين من حكم طالبان.

في هذه الفترة السابقة مباشرة على هجمات 11 أيلول بدأ التحوّل. لم يعد ممكناً لإيران أو للنظام السوري الإستمرار في البحث «الديوجيني» عن تعريف دولي نهائي لمصطلح «ارهاب»، وصارا يستخدمانه خصوصاً ضدّ المجموعات التي يسهّلون لها المنبت والمنشأ فتكون جاحدة ناكرة للجميل، أو ضدّ المجموعات التي يناسبهم «بيعها» للغرب.

تنامى هذا الإتجاه بعد هجمات 11 أيلول، لكنه عاد وانقطع بعد التدخل الأميركي في العراق. بعد هذا التدخل الأميركي، تشكّل خطاب «الممانعة» المستظلّ بالنظام البعثي في دمشق، على قاعدة تمجيد أعمال «المقاومة الوطنية العراقية الشريفة» وقد عنى بها، ليس أقل من تشكيلات من مثل «دولة العراق الإسلامية»، الخارجة من نسيج «حزب البعث»، والتي سهّلت المخابرات السورية، وليس وحدها، باب «الهجرة» اليها، في حين وصل الأمر برئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي إلى إتهام «حزب الله» اللبنانيّ بمساعدات تقنية لهذا النوع من التشكيلات والشبكات!

كل هذا من دون أن يحرّك أحد في لبنان مبادرة إن لتحرير قائمة رسمية عن التنظيمات التي تصنّفها الدولة اللبنانية كتنظيمات إرهابية، أو للتنظيمات اللبنانية منها والفلسطينية التي تعتبرها الدولة اللبنانية حركات مقاومة وتحرّر وطني، رغم إدراجها على لوائح ارهاب عربية ودولية. ومن دون أن يستحدث قسم للدراسات حول الإرهاب ومكافحة الإرهاب في أي جامعة في لبنان، ويظلّ سوق الكلام على عواهنه سائباً ومبتذلاً بدلاً عنه، إلى الدرجة التي صارت فيها كلمة «داعشي» تستخدم اليوم كشتيمة في غير سياقها، وأحياناً بتخريجات مضحكة من مثل «داعشي بكرافات» و»داعشي ليبرالي» و»داعشي صليبي»، وصارت الظلامية، التي كان عندها «مشكلة تقنية» مع جيل تنويري تقدمي بأكمله، مع مهدي عامل وحسين مروة وسهيل الطويلة ورفاقهم.. وصولاً إلى سمير قصير وجورج حاوي، تريد أن تعلّم الناس مَن «التكفيريّ» ومَن «غير التكفيريّ».

فلنبدأ بالأمور العملية أولاً: معهد وطني للدراسات حول الإرهاب ومكافحة الإرهاب، ولائحة لبنانية رسمية للتنظيمات التي تصنّفها الدولة إرهابية.