IMLebanon

“حزب الله” يتعامل مع الانتخابات كحدث عادي فما هي مقارباته لها وما شكل تحالفاته فيها؟

في لقاء عقده قبل ايام الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله مع عدد من قيادات الحزب وكوادره العليا خصص لموضوع الانتخابات البلدية والاختيارية المقبلة ، سمع الحاضرون منه توجيها اساسيا فحواه ان عليكم الالتزام لمندرجات التحالفات مع حركة “امل” ومقتضياتها والتشديد على الا تكون المناسبة معبرا الى مشاكل ومدخلا الى فتن لا معها ولا مع العائلات.

غير ان كادرا من بين الحضور بدا متحمسا فطلب الكلام قائلا: نحن قادرون مع محازبينا وانصارنا على نصل الى اكثر من 70 في المئة من المجالس البلدية في المناطق ذات الثقل الشيعي، فلماذا يتم التخلي عن ذلك واشراك الاخرين بهذا الشكل المجحف ؟ فكان الرد: اذا ارادوا الحصول على البلديات فليأخذوها، واذا شاؤوا الاستحواذ على المناصب الوزارية والنيابية العائدة الينا فلتكن لهم. المهم بالنسبة الينا المقاومة ومقتضيات استمرارها وحمايتها.

قد يبدو فحوى الرد غير مفاجىء للذين يقفون على جوهر نظرة الحزب الى هذه القضايا عموما وحرصه المشهود له على تمسكه بالهدف الذي نشأ على طريقه ومن اجله نما وكبر، وبعدما صار في الاعوام الاربعة الماضية قوة اقليمية عابرة للحدود وكل الحسابات . ولكن الجلي انه بعد ثلاث جولات انتخابية محلية وتجارب في هذا المضمار مدى 18 عاما صار الحزب مقيما على معادلة متكاملة تكونت وتبلورت لديه جوهرها انه لا يمكن التحلل من مهمة رعاية الشؤون المحلية والحياتية للناس لا سيما بعدما تضخمت قاعدة الحزب الى حدود غير مسبوقة ، ولكن لا يمكن في المقابل الاستغراق في عملية تحمّل مسؤوليات السلطة والحكم على الوانها وفي مقدمها السلطات المحلية بكل تفاصيلها وعنعناتها، اذ تضحي تدريجا وبمرور الوقت عملية استنزاف تضع الحزب في مواجهة مباشرة مع الشرائح الاوسع من الناس وطموحاتها وتدخله قسرا في دوامة لعبة العصبيات العائلية والضيعوية الضيقة وهو الواضع نصب عينيه دوما هدفا اسمى ان يكون فوق كل هذه الاعتبارات ومنزها عن كل هذه الحسابات، خصوصا انه نجح خلال رحلته النضالية الطويلة في اختراق كل الوان الطيف الاجتماعي والعائلي في الطائفة الشيعية ، وهو امر استعصى على من سبقه من قوى وتيارات وحركات ولاسيما حركة “امل” التي تحولت تدريجا الى حزب السلطة وما يتطلبه ذلك من انماط سلوك وعلاقات وحسابات معقدة.

وعليه تدارك العقل “الحاسوبي” في الحزب باكرا بلوغ مثل واقع الحال هذا وعمل على تحاشي الانزلاق الى هذا المربع الخاسر على المستوى البعيد ، وتلافى في الوقت عينه الدخول في عملية تنافس على هذا الصعيد مع “أمل”.

عام 1998 اختار الحزب ان يخوض غمار تجربة الانتخابات المحلية التي اجريت آنذاك منفردا لاعتبارات عدة ، ابرزها انه لم يكن في حاجة الى عملية قياس لمدى حضوره، في حين ان الطرف المنافس، اي حركة “امل” ، كانت تقيم على حسابات قديمة لبّها انها تمتلك الحضور الاكبر والاوزن في الساحة الشيعية.

وفي تجربة الانتخابات التالية اي في عام 2004 ، كانت للحزب تجربة مختلفة تماما ، فقد شاء ان يدخل ميدان المنافسة مع الحركة بعدما اخفقت محاولات عدة بذلها يومذاك “الوصي” السوري لضبط عملية المواجهة من جهة ولفرض تحالفات وتفاهمات من جهة اخرى.

في تلك الانتخابات تيقنت حركة “امل” انها لم تعد تمثل سوى اقل من ثلث الشيعة ، اذ نجحت بشكل كاسح اللوائح المدعومة من الحزب في الوصول الى المجالس البلدية الشيعية الاكبر، من الهرمل الى بعلبك والنبي شيت والعين وكل البلديات البقاعية الى النبطية وبنت جبيل والخيام وجويا وعيترون في الجنوب ، فضلا عن الغبيري وبرج البراجنة وحارة حريك في الضاحية الجنوبية ، فيما لم تنجح الحركة الا بالاحتفاظ ببلديات صور والصرفند وميس الجبل . في اعقاب ذلك احتقن الوضع بين الطرفين وسجلت اشكالات واشتباكات في عدد من المناطق كان اكثرها خطورة في حي السلم حيث سقط نحو 8 قتلى وعدد مماثل من الجرحى ولم تضبط هذه الاشتباكات الا بشق النفس وتدخل سوري حازم.

بعدها بدا واضحا ان الحزب تعلم الدرس جيدا وايقن ان العمل على انتزاع السلطة مهمة شاقة ومكلفة فكانت تجربة التحالف الشامل في دورة انتخابات عام 2010 والقائم على اساس مبدأ اشراك الحركة والحزب في كل المجالس البلدية على اساس نسب النتائج في انتخابات 2004 مع احتفاظ كل منهما برئاسة البلديات التي كانت له في تلك الانتخابات.

وبناء على هذه التجارب الثلاث خلص الحزب الى رؤية خاصة عشية التوجه الى صناديق الاقتراع الاحد المقبل تنهض على الاسس الاتية:

– اعلان الالتزام الحازم سلفا لقواعد التفاهم المبرم سابقا مع الحركة ، اي على اساس انتخابات عام 2010 والدفاع عن هذا التفاهم وتبريره ومواجهة اي اعتراض عليه.

– تحريم الدخول في اية مواجهات او منافسات في اية بلدة أنس الحزب من نفسه تفوقا كاسحا او محدودا فيها على الطرف الاخر، وهذا يعني ابقاء القديم على قدمه.

– العمل على ابعاد رموز حزبية اخذت فرصتها سابقا في الدورات الثلاث الماضية فتحاً للباب امام عائلات ورموز اخرى وكي لا يقال ان الحزب يحتكر اللعبة. وابرز مثال على ذلك ابعاد رئيس بلدية الغبيري محمد سعيد الخنسا وتسمية مرشح آخر من آل الخليل(السيد معن الخليل) احدى كبرى عائلات الضاحية الجنوبية.

– السماح لعائلات كبرى معينة بتسمية رئيس من لدنها حتى لو لم يكن منتميا الى الحزب.

– التقليل قدر الامكان من ترشيح الرموز الحزبية والاستعاضة عنها باصدقاء للحزب.

– التعامل مع الحدث الديموقراطي الوشيك على اساس انه حدث غير استثنائي او مفصلي.

في أي حال يبدو واضحا ان التجربة البلدية الرابعة للحزب ستكون منطلقا لتكريس توجهات جديدة مستقبلا، لاسيما ان الحزب يعتبر ضمنا انه استنفد الكثير من اهدافه في الدورات الانتخابية الثلاث السابقة.