IMLebanon

اكتمال «هلال» الخسارة الخامنئية؟

لم تحتل السياسة الخارجية، مساحة مرئية في مختلف الاستحقاقات الانتخابية الإيرانية، حتى الآن. فجأة سال «الجرح السوري» في قلب الحملة الانتخابية الرئاسية. من الواضح جداً، أنه لم يعد بمقدور الإيرانيين الصمت عن «الانفصام السياسي» القائم منذ سنوات نتيجة الانخراط في سوريا والعراق واليمن. من جهة يوجد إجماع من جميع القوى على عمق الأزمة الاقتصادية التي نشرت الفقر إلى درجة أن عشرين في المئة من الإيرانيين باعتراف المسؤولين يعيشون تحت خط الفقر، ومن جهة أخرى فإن الإنفاق على التسليح والتوسّع الخارجي بالقوّة العسكرية تحت بند «المستشارين»، يزداد بنسبة خيالية إلى درجة التباهي بأن حصة «الدفاع العسكرية» ارتفعت الى 77 في المئة من الميزانية العامة.

«عقدة» الانتخابات الرئاسية الحالية، ليست فقط هل يربح الرئيس حسن روحاني أو لا يربح؟ «العقدة المخفية» هي هل سيُهزم المرشد آية الله علي خامنئي أو لن يُهزم؟ لذلك وحرصاً من الإيرانيين مسؤولين وناخبين على احترام خصوصية موقع الولي الفقيه في النظام، فإنه تجري عملية الترميز في الخطاب السياسي، بحيث لا يتناول أحد مباشرة

المرشد آية الله علي خامنئي. لكن ذلك لا يحول أبداً دون تلوين الخطاب السياسي ومزجه بالمرارة، وصولاً إلى المطالبة بالتغيير الاستراتيجي وليس فقط التغيير العادي في هذا الموقع أو ذاك.

المرشد آية الله علي خامئني هو واضع ومتابع التنفيذ الدائم لاستراتيجية دعم «الأسد إلى الأبد» على قاعدة أن سوريا هي «الضلع» الأساسي في مثلث المقاومة. هذا الالتزام رفع منسوب الدعم المالي والعسكري لنظام الأسد. من الواضح أن المرشد ومَن يقف إلى جانبه من المحافظين المتشدّدين وقيادات «الحرس الثوري» لم يقدّروا في البداية أن الحرب ستطول وستتحوّل إلى حرب استنزاف مُرهقة تفتح الأبواب على مصاريعها أمام موسكو و«القيصر»، ثم أمام واشنطن والرئيس ترامب. وعي هذا التطوّر جاء متأخراً. فما يحصل الآن خلال الحملة الانتخابية الرئاسية يؤكد على عمق «الفصام» المُنتج للقلق الذي تسلل من «الدواوين» المقفلة إلى الشارع المأزوم. حالياً يوجد خطابان لا يلتقيان في إيران:

* خطاب التدخّل ومتابعته في سوريا مهما ارتفع الثمن، على قاعدة «أن مصير الحرب سيتقرّر في الميدان». لذلك يؤكد مساعد قائد الحرس العميد جمال الدين آيرومند: «سنستخدم جميع إمكاناتنا لتحقيق الانتصار في سوريا». ويصعّد العميد محمد باكبور قائد القوة البرية في «الحرس» فيقول: «سنواصل إرسال المستشارين في جميع الأبعاد.. لا يتصور أحد عندما نقول مستشارين أن الأمر محصور بأربعة أو خمسة» (طبعاً كان يجب أن يعترف بأن مئات عدة من الحرس الإيرانيين من بينهم أكثر من أربعين جنرالاً بعضهم من خيرة الجنرالات قد قُتلوا ومعهم آلاف من الميليشيات الشيعية).

* خطاب جديد وجريء يُطالب علناً بالانسحاب من سوريا. غلام حسين كرباسجي الأمين العام لحزب «كوادر البناء» الذي أسسه الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، والمعروف جيداً في كل إيران لأنه سبق وسُجن وتراجع سجّانوه عن ذلك، وهو واحد من أبرز الصحافيين الإيرانيين، قال علناً وبصراحة ما لم يجرؤ عليه أحد من قبل طوال خمس سنوات: «إيران بإمكانها التدخّل من أجل السلام في سوريا ودول المنطقة من خلال الجهود الديبلوماسية وليس المشاركة في الحرب والقتل والقمع»، ولم يتوقف كرباسجي عند هذا الحد فقد تابع فتح «الجرح» وعرضه على الجمهور الإيراني فقال: «نحن نتمنى أن يعمّ السلام في سوريا ولبنان واليمن وفي كل المنطقة، وهذا لا يتحقق بإرسال الأموال وشراء السلاح والقتل والقمع.. يجب حل المسائل بالديبلوماسية كما فعل روحاني في المفاوضات مع الدول الستّ». طبعاً هذا يرتكز على الشعار المؤسّس في الحملة الماضية: «لا غزة، لا لبنان، روحي فداء إيران».

مشكلة المرشد المباشرة والشخصية، أنه تدخّل مباشرة وشخصياً في الانتخابات الرئاسية، عندما استدعى ابراهيم رئيسي من مشهد حيث يشغل موقع «سادن الروضة الرضوية» وهو لم تمضِ أشهر عليه فيه. في البداية بدا الأمر كبيراً إذ كيف ستتم مواجهة رئيسي وهو «الابن الروحي» لخامنئي. لكن سرعان ما أدى ضعف رئيسي السياسي إلى فتح الثغرات في «الجدار الخامنئي». خطاب رئيسي بدا اتهامات بلا مضمون من نوع «يجب إنقاذ البلاد من آلام مزمنة.. وضرورة تغيير جذري في الإدارة». علماً أن الإيرانيين يعرفون أن المرشد الذي يحكم إيران حكماً مطلقاً منذ 28 سنة مسؤول عن كل شاردة وواردة، وكلمته تُسقط كل الاعتراضات، فلماذا لم يفعل شيئاً لإنقاذ الوضع؟

الوعي الشعبي، إلى جانب التململ الواضح لدى المسؤولين من أن المسؤول عن الفشل ليس فقط حكومة روحاني، وإنما المرشد الذي يُحرك الخيوط ويجعل الجميع يلعب على وقع «الكراسي الموسيقية» التي يتقنها منذ ثلاثة عقود، ومن ثم إنزال رجل قضاء لم يعرف يوماً الإدارة ومشاكلها إلى معمعة الانتخابات الرئاسية، دفعا الإصلاحيين والقوى المعتدلة بشخص الرئيس محمد خاتمي الممنوع ظهوره حتى في الصور إلى الوقوف جبهة واحدة مع روحاني وشعارهم كما أطلقه خاتمي نفسه: «هزيمة روحاني تعني عودة ممكنة للعزلة الدولية والعقوبات».

الجديد أنه لم يعد الإصلاحيون والمعتدلون وحدهم الذين يساندون روحاني، فقد انضمت إليهم «جبهة الأصوليين المعتدلين» التي شُكلت برئاسة علي لاريجاني وناطق نوري وبهروز. ويبدو أن دعوة رئيسي إلى تكرار سياسة نجاد الذي مُنع من الترشح «بزيادة الدعم للفقراء» قد استفزت لاريجاني الذي رأى أن هذه السياسة تتعارض ومصلحة البلاد.

حتى الآن، حسن روحاني سيفوز من الدورة الأولى خصوصاً أن جهانغيري سيسحب ترشيحه لمصلحة الأول. أما رئيسي فإنه إذا لم ينسحب بعد أن سرّب «أنه جرى توريطه في هذه الانتخابات»، فإنه سيُهزم بفارق كبير بعد أن تقدم عليه محمد قاليباف، ما يعني أن الذي «ورّطه» وهو خامنئي هو المهزوم الكبير. وإذا ما ربح الإصلاحيون المعتدلون مع المحافظين المعتدلين الانتخابات البلدية التي ستُجرى في الوقت نفسه، فإن «هلال» الخسارة الخامنئية سيكتمل. فماذا سيفعل المرشد، ومسألة خلافته مطروحة جدياً؟.