IMLebanon

في اللبنانيين!

يستحق اللبنانيون في مجملهم أشياء جميلة كثيرة من هذه الدنيا. فهم عذّبوا وتعذّبوا. وماتوا وموّتوا. وأخذتهم خفّة التمايز الى مهاو عميقة ورفعتهم في المقابل الى ذرى محسودة! تاجروا بغيرهم وغيرهم تاجر بهم. وتعلّموا بغيرهم وغيرهم تعلّم بهم! استباحوا البدايات ولطمتهم النهايات. ظنوا عن خطأ انهم أذكى من ضحاياهم فاكتشفوا ان المعطى غير دقيق، وان الفارق بين الذكاء والتذاكي هو ذاته الفارق بين اينشتاين والجحش!

طبائعهم تشبه طبيعتهم. وسطية متوسطية معتدلة وميّالة الى الجمال. فيها وحشة جردية جبالية لكنها أليفة وتغري بالانكماش والشعر، مثلما فيها فتحة على زرقة البحر، وما يستبطنه ذلك من احتمالات سعة خيال تجعل اللون رديفاً للسماء بقدر ما هو شكل برانيّ للماء الذي لا شكل له ولا لون ولا طعم!

.. ومع ذلك فان تذاكيهم هوية جامعة. وهذه كانت عنوان ذهابهم معاً الى الكهف. وهذا كان له بابان. واحد مكتوب فوق عتبته «خوف»، وثان مكتوب فوق عتبته «غبن»!.. ذكاء بعضهم أحالهم قلة سرعان ما اصطدمت بامتحان المكان واعتباره المقياس «العلمي»: أول شروط النباهة هو ادماج الغربة عن الوعي المشاع بين الجماعة، بغربة عن الجغرافيا التي تحوي هذه الجماعة! وتلك مفارقة فيها عصارة كل مرارات الدنيا! مثلما فيها بعض من دواعي الاحترام والتقدير لمعطى الخوف.. وهو الذي قيل ويُقال انه اول الطرق الى مقاربة الغيب والسماء قبل ان يكون صنو الحاجة التي كانت اول الطرق الى مقاربة المرئي في شؤون الأرض ومن عليها.

في عادياتهم وراهنهم اجترار غريب للاستثناء والماضي. «يعيشون» في كتاب التاريخ ويبلفون الزمن. ويفترضون ان الذاكرة الطويلة تعني الشيء نفسه في الجامعات والخنادق! يربطون النجاح بالاستفزاز. والعصب بالاستنفار. ولا يستعيدون الاّ كوالح عصر مضى وأناس غابوا معه، ويبنون على ذلك خلاصات سلبية لا تفعل سوى تحويل الجامعات الى خنادق والانتماءات الى متاريس، وتجعل من الذاكرة الحيّة صنو العقل المغلق على ذاته، ليس الا!

في درجات الوعي الاستعادي القاصر هذا، لا يسجل اللبنانيون اختلافات يُعتد بها، بل هم في ذلك أهل هوى مشترك وهوية جامعة.. يتقدم بعضهم على بعض آخر بأسلوب المرافعة وبيان التمايز، وفقط ذلك! بعضهم مأخوذ باللغة المسلحة وبعضهم مأخوذ بتسليح اللغة! بعضهم يأخذ التاريخ الى العزلة، وبعضهم تأخذه العزلة الى التاريخ. والجميع في المحصلة، في غربة نائية عن العصر والزمان وأسباب العقل!

ومع ذلك، تحوي ادانتهم هذه، اسباباً تخفيفية. وهذه تحيل الافتراض المكين بأنهم يستحقون اشياء جميلة كثيرة من هذه الدنيا، الى خلفية طبية واضحة: من هم على هذا القدر من الغشيان والتوهان، يستحقون عناية خاصة ودراية استثنائية، وهذه متوفرة في المصحّات وليس في الأوطان.. وفقط ذلك! والسلام