IMLebanon

إرهاب العوَز لا يقل خطورةً عن الإرهاب الأمني

 

ينام اللبناني على تفاؤل، يستيقظ على تشاؤم، لكنه مع ذلك يقرر أن يبقى متفائلاً، فما يمر به ليس عمره خمسين ساعة بل خمسين عاماً، ومع ذلك يُصرُّ على الصمود في أرضه لأنه يملك مستقبله، وهو مصرٌّ على الحفاظ على هذا المستقبل في أرضه وليس في الغربة، تماماً كما يحافظ على حاضره في أرضه وكما تشبث الآباء والأجداد في هذه الأرض الطيبة.

لم ينفع الإرهاب مع هذا البلد، ولن ينفع، لا هو نفع في مطلع الحرب ولا هو نفع خلالها ولا هو سينفع اليوم وغداً.

لم ينفع الإرهاب في العاصمة، ولن ينفع في الأطراف. لن يزيد اللبنانيين إلا تشبثاً بأرضهم، فها هي بلدة القاع تدفع ضريبة المجازر للمرة الثانية في أقل من نصف قرن، ومع ذلك لن يُهجَّر أهلها.

وإذا كان الصمود على عاتق الأهالي فهو من مسؤولية الدولة، وتحديداً الحكومة التي هي اليوم السلطة التنفيذية مجتمعةً، فهل يُعقَل أن نكون في ما نحن فيه فيما الحكومة، رئيساً وأعضاء، متلهِّين بالصفقات والسمسرات؟

اليوم تنعقد جلسة لمجلس الوزراء، وزير المال علي حسن خليل سيضع أمام الوزراء حقيقةً مؤلمة. تقريرٌ من نحو أربعين صفحةً يتضمن:

دق ناقوس الخطر من انعكاسات الوضع السياسي على الواقع المالي.

الخطر المتصاعد من الإنفاق العام بشكلٍ مذهل، ما يرتب المزيد من الديون على خزينة الدولة.

وفي مقابل الإنفاق العشوائي، هناك التراجع الكبير في الواردات.

هل سيكتفي وزير المال بدقِّ ناقوس الخطر؟

الأجدى والأجدر أن يتم توقيف الصرفيات غير الضرورية ولا سيما التلزيمات بالتراضي وتجديد العقود بالتراضي، فمصطلح التراضي بات مرادفاً لمصطلح النهب، وهذا النهب تدرَّبت عليه هذه الحكومة. وهذا ليس اتهاماً، إنّها وقائع أعلنها رئيس الحكومة في أكثر من مقابلة، كما أنَّ أكثر من وزير أدلى بها.

المشاريع غير المجدية لماذا لا يتم تأجيلها؟

الإيجارات على مبانٍ لا حاجة لها سوى التنفيعة لأصحابها، لماذا لا يتم فك عقودها؟

الأَسفار السياحية تحت عناوين وبنود المشاركة في المؤتمرات لماذا لا يوضَع حدٌ لها؟

إن الكرة في ملعب وزير المال الذي هو يوقِّع على الصرفيات، فإذا كان تقريره يوصي بوقف الصرف العشوائي، فليبادر إلى هذه الخطوة حتى ولو علا الصراخ بدءاً من رئيس الحكومة وصولاً إلى كل الوزراء، فكما استطاع أن يوقف المخصَّصات السريَّة لأمن الدولة لماذا لا يوقف المخصَّصات العلنية للإدارات والوزارات على التلزيمات والرحلات التي لا جدوى ولا طائل منها؟

إنَّ إرهاب العوز يوازي في مضاعفاته السلبية الإرهاب الأمني، وكما المؤسسة العسكرية تقف سداً منيعاً في وجه الإرهاب الأمني يُفتَرض بمؤسسة السلطة التنفيذية أن تقف سداً منيعاً في وجه إرهاب العوز، فمن دون معالجة الإرهابيين، لا طائل من معالجة كل إرهاب على حدا.